(الصفحة 414)
المخبر الذي يكون مستنده الوجدان يدعى العلم بكون الواقع مطابقاً لما أخبر به ومن الواضح عدم ثبوت المنافاة بين الشكّ من أحد وبين العلم من آخر فتدبّر.
3 ـ لو وقع التعارض بين البيّنتين فقامت واحدة منهما على النجاسة والاُخرى على الطهارة فتارة يكون مستند كليهما الأصل، واُخرى الوجدان وثالثة يكون الاختلاف في المستند أيضاً والحكم فيه ما ذكر في الفرع الثاني من التساقط في الفرضين وتقدّم ما يكون مستنداً إلى الوجدان في الفرض الأخير.
4 ـ لو وقع التعارض بين البيّنة وبين قول ذي اليد فقد حكم في المتن أولاً بتقدّم البيّنة عليه واستثنى من ذلك في الذيل ما لو كانت البيّنة مستندة إلى الأصل وظاهره عدم ثبوت التعارض والتساقط ـ حينئذ ـ بل يقدّم قول ذي اليد على البيّنة بعكس ما اُفيد أولاً.
أقول: امّا وجه تقدّم البيّنة بنحو الإجمال على قول ذي اليد انّ مستند حجّية قول ذي اليد ـ على ما عرفت ـ هو بناء العقلاء واستمرار سيرتهم على ذلك ومن الظاهر انّه لا يكون بناء منهم على ترتيب الأثر على قوله فيما إذا قامت أمارة شرعية على خلافه كما انّ الأمر يكون كذلك في اليد التي هي أمارة على الملكية حيث إنّها امارة فيما لم تقم بيّنة على خلافها فاليد في المقام حجّة ـ بمقتضى السيرة ـ فيما لا يكون هناك حجّة غيرها من بيّنة ونحوها من الأمارات.
وامّا الاستثناء الواقع في الذيل فالوجه فيه ما عرفت من انّ البيّنة المستندة إلى الأصل لا تكاد تعارض قول ذي اليد أصلاً لعدم المنافاة بين جهل الشاهدين بالحكم الواقعي وبين ادّعاء العلم به من ذي اليد فاللازم الأخذ بقوله وترتيب الأثر عليه.
نعم لو كان قول ذي اليد أيضاً مستنداً إلى الأصل وجوّزنا الاخبار له في هذه
(الصفحة 415)
الصورة وقلنا بجريان السيرة أيضاً على العمل به فيها لكان اللازم الالتزام بوقوع المعارضة وتحقّق التساقط فتدبّر. وكان اللازم التعرّض لهذه الصورة خصوصاً بعد التصريح بإمكان أن يكون قول ذي اليد مستنداً إلى الأصل كما قد فرض في تعارض خبري الشريكين، إلاّ أن يقال: إنّ الذيل مشتمل على التعرّض لكلا الفرضين نظراً إلى انّ المذكور فيه هو نفي التقدّم للبيّنة فيما لو كانت مستندة إلى الأصل وهذا يجتمع مع تقدّم قول ذي اليد في أحد الفرضين ووقوع التساقط في الفرض الآخر فتدبّر جيّداً.
(الصفحة 416)
مسألة 8 ـ لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلاً أو فاسقاً، وفي اعتبار قول الكافر إشكال وإن كان الأقوى اعتباره، ولا يبعد اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً، بل يراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضاً 1.
1 ـ لأنّ ملاك اعتبار قول صاحب اليد عند العقلاء ـ ظاهراً ـ كونه أعرف بحال ما في يده وكيفياته ولا فرق فيه عندهم بين كونه عادلاً أو فاسقاً بل ولا بين كونه مسلاً أو كافراً فلو اخبر كافر بأنّ هذا الشيء قد لاقى البول كان إخباره معتبراً عند العقلاء مع كونه تحت يده. نعم مع الشكّ في ثبوت السيرة بالإضافة إلى الكافر يكون مقتضى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن في مثل السيرة من الأدلّة اللبّية الحكم بعدم الاعتبار، ولكن الظاهر عدم وصول النوبة إليه كما انّ الظاهر اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً بل إذا كان مميّزاً ولو لم يكن مراهقاً لجريان السيرة في الصبي المميّز مطلقاً.
(الصفحة 417)
مسألة 9 ـ المتنجّس منجس مع قلّة الواسطة كالاثنين والثلاثة وفيما زادت على الأحوط، وإن كان الأقرب مع كثرتها عدم التنجيس، والأحوط إجراء أحكام النجس على ما تنجّس به فيغسل الملاقى لملاقي البول مرّتين، ويعمل مع الإناء الملاقي للإناء الذي ولغ فيه الكلب في التطهير مثل ذلك الاناء خصوصاً إذا صبّ ماء الولوغ فيه فيجب تعفيره على الأحوط 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في انّ المتنجّس هل يكون منجساً لملاقيه في الجملة كالنجس أم لا يكون منجساً أصلاً؟ ذهب المشهور إلى الأوّل وخالفهم في ذلك الحلّي والكاشاني (قدس سرهما) وقد استدلّ لهم على ذلك باُمور:
الأوّل: انّ منجسية المتنجّس أمر ضروري يعرفه جميع المتشرّعة وعموم المسلمين من علمائهم وعوامّهم، وقديمهم وجديدهم من غير أن يكون مختصّاً بطائفة دون طائفة وفرقة دون فرقة.
وفيه: انّه إن اُريد بذلك ان تنجيس المتنجّس يكون من ضروريات الدين والشريعة نظير وجوب الصلاة ونحوه من الأحكام التي تثبتت من الدين بالضرورة ويكون إنكارها مستلزماً لإنكار النبوّة وموجباً للكفر ففساده واضح ضرورة انّه لا يكون ضرورياً بهذا المعنى بل يكون من الاُمور النظرية، وكيف يمكن أن يقال بأنّ مثل ابن إدريس والمحدّث الكاشاني المنكرين لمنجسية المتنجّس منكران للضروري بهذا المعنى.
وإن اُريد بذلك كونه من ضروريات الفقه ففيه انّه وإن كان كذلك خصوصاً بين المتأخّرين من الفقهاء إلاّ انّ مجرّد كونه كذلك لا يكشف عن ثبوته في الشريعة المقدّسة، وعلى المجتهد أن يجتهد في مقام الاستنباط عن الدليل والحكم على طبقه.
(الصفحة 418)
الثاني: ثبوت الإجماع في المسألة حيث أفتى الأصحاب بذلك خلفاً عن سلف ولم ينكر ذلك أحد.
وفيه أوّلاً: ما عرفت من مخالفة الحلّي والكاشاني فكيف يتحقّق الإجماع بهذا المعنى المدّعى.
وثانياً: انّه على فرض تحقّق الإجماع في المسألة لا يكون هذا الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن موافقة المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين إلى الروايات الكثيرة الواردة فيها الظاهرة في منجسية المتنجّس فالإجماع ليس له اصالة أصلاً.
الثالث: الروايات الكثيرة الدالّة عليه:
ومنها: ما عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء؟ قال: اغسل الإناء. فانّه من الواضح انّ الماء الذي يكون في الإناء يصير بسبب شرب الكلب منه متنجّساً فالأمر بغسل الإناء الذي هو إرشاد إلى نجاسته يدلّ على تنجّسه بملاقاة الماء الواقع فيه كما هو ظاهر.
ومنها: ما رواه المحقّق في المعتبر والشهيد في الذكرى عن العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه. فإنّ الأمر بغسل ما أصابه ظاهر في كون الوضوء منجس له مع كونه متنجّساً. وسيأتي البحث في مفاد الرواية مفصّلاً إن شاء الله تعالى.
ومنها: موثقة عمّار بن موسى الساباطي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الاناء مراراً، أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلّخة ؟ فقال: إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ يفعل ذلك بعدما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان انّما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا