(الصفحة 428)
وبالجملة فالرواية لا دلالة لها على مدعى القائل.
ومنها: صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال: قال: يغسل ذكره وفخذيه، وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثمّ عرقت يده فأصابه ثوبه، يغسل ثوبه؟ قال: لا. حيث حكم (عليه السلام) بعدم وجوب غسل الثوب الذي لاقته اليد المتنجّسة بمسح الذكر.
وفيه: انّ صدرها صريح في منجسية المتنجس للأمر بغسل الذكر والفخذين مع انّهما متنجّسان، ونفي لزوم غسل الثوب في الذيل امّا لعدم العلم بإصابة اليد للموضع المتنجس من الذكر، وامّا لعدم العلم بإصابة الموضع المتنجّس من اليد للثوب مع انّه لو سلّمنا انّ الذيل مطلق لترك الاستفصال فيه ومقتضى الإطلاق عدم تنجيس المتنجّس إلاّ انّه لا مناص من تقييد إطلاقه بما دلّ على منجسية المتنجّس ومنه صدر هذه الرواية. وإن شئت قلت: إنّ الجمع بين الصدر والذيل يقتضي حمل الذيل على صورة عدم العلم لئلا يلزم المنافاة كما هو ظاهر.
ومنها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انّه بال في ظلمة الليل وانّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ انّه أصابه ولم يره وانّه مسحه بخرقة ثمّ نسى أن يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب ـ قرأته بخطّه ـ : امّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلاّ ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل انّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات
(الصفحة 429)
المكتوبات اللواتي فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء الله.
حيث إنّ الرواية متضمّنة لبيان أمرين:
أحدهما: انّ الرجل قد تنجّست يده بالبول وانّه لم يغسلها وانّما مسحها بخرقة ثمّ تمسّح بالدهن ومسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وصلّى.
ثانيهما: إنّ من صلّى في النجس من ثوب أو بدن والتفت بعد ذلك فانّما يجب عليه إعادتها في الوقت ولا يجب قضائها خارج الوقت، ولكنّه لو صلّى محدثاً ثمّ التفت إلى حدثه بعد الصلاة تجب عليه إعادتها في الوقت، كما انّه يجب عليه القضاء خارجه، وقد علم من تطبيق الأمر الأوّل دون الأمر الثاني على مورد السؤال عدم منجّسية المتنجّس لأنّه لو كان منجساً لتعيّن الحكم ببطلان الوضوء لانفعال الماء المستعمل فيه بملاقاة اليد المتنجّسة ومعه تجب إعادة الصلاة في الوقت وقضائها في خارجه، مع انّه (عليه السلام) لم يحكم ببطلان الوضوء بل عدّ الرجل ممّن صلّى مع الوضوء.
وتوهّم انّ الوضوء في موردها غير صحيح مطلقاً سواء قلنا بمنجسية المتنجّس أم قلنا بعدمها، امّا على الأوّل فواضح، وامّا على الثاني فلتنجّس عضو الوضوء ـ على ما هو المفروض في موردها ـ .
مندفع: بأنّ اشتراط طهارة الأعضاء في الوضوء ممّا لم يرد به دليل، وانّما اعتبروها شرطاً في صحّته نظراً إلى انّ المتنجّس منجس عندهم حيث إنّه ـ بناءً عليه ـ تسري النجاسة من العضو المتنجّس إلى ماء الوضوء فيصير متنجّساً مع انّ طهارة الماء شرط في صحّة الوضوء بلا إشكال، فلو قلنا بعدم تأثير المتنجّس في تنجّس ملاقيه لا يبقى موقع لاشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء فلابدّ على هذا التقدير من الحكم بصحّة الوضوء كما حكم (عليه السلام) بها. نعم يبقى المحلّ على نجاسته فتجب عليه الإعادة في خصوص الوقت.
(الصفحة 430)
وقد اعترف بعض الأعلام بظهور الرواية في المدعى وقال: بأنّه يؤكّد ذلك ـ أي الدلالة على عدم التنجيس ـ تقييد الإمام (عليه السلام) الحكم بالإعادة، بالصلوات اللواتي صلاّها بذلك الوضوء بعينه، والوجه في ذلك انّه بهذا القيد قد خرجت الصلوات الواقعة بغيره، ولا يتمّ هذا إلاّ على القول بعدم تنجيس المنجس وطهارة اليد المتنجّسة في الوضوء الثاني أو الثالث لتعدّد غسلها بتكرار الوضوء، لأنّ يده المتنجّسة لو كانت منجسة لما أصابها لأوجبت تنجّس الماء وجميع أعضاء الوضوء ولابدّ معه من الحكم ببطلان صلواته مطلقاً ـ سواء كان صلاّها بذلك الوضوء أم بغيره ـ لبقاء أعضاء الوضوء على نجاستها. إلى أن قال: بأنّ الصحيحة غير قابلة للمناقشة في دلالتها.
ثمّ أجاب عنها بأنّ الرواية مضمرة ولا اعتبار بالمضمرات إلاّ إذا ظهر من حال السائل انّه ممّن لا يسئل غير الإمام (عليه السلام) كما في زرارة ومحمد بن مسلم وهكذا علي بن مهزيار وأضرابهم والكاتب فيما نحن فهى ـ وهو سليمان بن رشيد ـ لم يثبت انّه ممّن لا يسئل غير الإمام (عليه السلام) حيث لا نعرفه ولا ندري مَنْ هو فلعلّه من أكابر أهل السنّة وقد سئل المسألة عن أحد المفتين في مذهبه، وغاية ما هناك انّ علي بن مهزيار ظنّ بطريق معتبر انّه سأل الإمام (عليه السلام) أو اطمئن به إلاّ انّ ظنّه أو اطمئنانه غير مفيد بالإضافة إلى غيره.
ويرد عليه انّ مثل علي بن مهزيار لا يكاد يروي في مقام نقل الحديث ما عن غير الإمام (عليه السلام) ومن الواضح ظهور الرواية في انّ علي بن مهزيار كان عالماً بالشخص الذي سئل وعدم التصريح باسمه المبارك لعدم الحاجة إليه أو لغرض آخر، وعدم الفائدة بالإضافة إلى غيره لا يختص بصورة الظنّ أو الاطمئنان بل يجري في صورة العلم والتصريح بالاسم أيضاً لأنّ علمه انّما يكون مفيداً له لا لغيره
(الصفحة 431)
فمثل هذا الاحتمال فيما لو كان الراوي مثل علي بن مهزيار لا وجه له ولا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار.
والتحقيق في مقام الجواب أن يقال: إنّ الرواية مجملة من جهات:
الاُولى: عدم وضوح مطابقة الجواب مع سؤال السائل لأنّه سأل فيها عن صورة نجاسة اليد التي هي من أعضاء البدن واُجيب فيها بأنّ ذلك من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة ما كان في وقت.
الثانية: انّ قوله (عليه السلام) : كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهنّ بهذا الوضوء بعينه، ظاهر في انّ البطلان يكون لأجل الوضوء مع انّه لو لم يكن المتنجّس منجساً لا يكون نقص في الوضوء أصلاً بل كان البطلان مستنداً إلى تنجّس اليد.
الثالثة: انّه لا يفهم المراد من قوله (عليه السلام) : لأنّ الثوب خلاف الجسد. فإنّ الجسد ظاهر في البدن ولا مغايرة في الحكم بين تنجّس الجسد والثوب، ولو كان المراد من الجسد، الروح، فمع انّه خلاف الظاهر لكان المناسب أن يقال. وذلك لأنّ البدن خلاف الجسد ـ أي الروح ـ كما هو ظاهر وقد مرّ الكلام سابقاً.
ومنها: ما دلّ على طهارة القطرات المنتضحة من الأرض في الإناء كصحيحة الفضيل قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء؟ فقال: لا بأس هذا ممّا قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
ورواية شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال في الجنب: يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الإناء فينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء، انّه لا بأس بهذا كلّه. حيث دلّت على انّ الأرض مطلقاً ـ ولو كانت منتجّسة ـ غير موجبة لتنجّس القطرات المنتضحة منها الواقعة في الإناء، ورواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو
(الصفحة 432)
من الأرض؟ فقال: لا بأس به.
وقد أجاب بعض الأعلام عن هذه الأخبار بأنّها لا تكون ناظرة إلى عدم تأثير المتنجّس في نجاسة ملاقيه، وانّما سيقت لبيان انّ القطرات المنتضحة من غسالة الجنابة في الإناء لا تكون مانعة عن صحّة الاغتسال بالماء الموجود فيه ولا يوجب اتّصاف ذلك الماء بكونه مستعملاً في رفع الحدث الأكبر.
وفيه: انّه لو كان محطّ السؤال فيها ما أفاده وكون النظر إلى القطرات المستعملة في غسل الجنابة من حيث كونها ماءً مستعملاً في رفع الحدث الأكبر لما كان وجه لتقييد القطرات بوقوعها على الأرض وانتضاحها منه إلى الإناء كما لا يخفى ويدفع هذا المقال رواية عمر بن يزيد فتدبّر.
والصحيح في الجواب أن يقال: أوّلاً: انّه لا إطلاق في الروايات المذكورة لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها.
وثانياً: انّه على تقدير ثبوت الإطلاق لا مانع من تقييدها بما إذا لم يكن الأرض معلوم النجاسة كما هو الغالب في المواضع التي يغتسل فيها بقرينة الأدلّة الدالّة على منجسية المتنجّس والاستدلال بالآية في الصحيحة انّما يلائم مع ما ذكرنا من كون المراد صورة الشكّ كما هو ظاهر.
ومنها: ما ورد في القطرات المنتضحة من الأرض على الثوب كرواية بريد بن معاوية قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أغتسل من الجنابة، فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب؟ فقال: لا بأس به.
ورواية عمّار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه؟ قال: نعم لا بأس به.