(الصفحة 437)
من نفسك أن تقول كل نجس لابدّ أن يغسل بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء لأنّه رجس نجس؟! مع انّ إطلاق الرجس على كل نجس فضلاً عن المتنجّس ممنوع لما عرفت سابقاً من انّ الرجس بمعنى الخباثة والقذارة المعنوية الثابتة في بعض الأعيان النجسة كالكلب ونحوه ولا يصحّ إطلاقه على المتنجّس بوجه، فالاستدلال بالرواية لمذهب المشهور غير تامّ.
ومنها: رواية معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار ولافرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضّأ منه؟ فقال: نعم اشرب وتوضأ منه، قال: قلت له: الكلب؟ قال: لا، قلت: أليس هو سبع؟ قال: لا والله انّه نجس لا والله انّه نجس. فإنّ ظاهرها انّ العلّة في الحكم بعدم جواز الشرب والتوضؤ من سؤر الكلب انّما هي نجاسة ما باشره وهو الكلب فيتعدّى منه إلى كل ما هو نجس أو متنجّس لإطلاق النجس على المتنجس كإطلاقه على الأعيان النجسة وقد عرفت انّ إطلاق المتنجس في مقابل النجس اصطلاح حادث ولا يرى منه في الروايات عين ولا أثر فتدبّر.
هذا ولكن الرواية ضعيفة ـ سنداً ـ بمعاوية ـ مع انّ العلّية فيها لا تكون بواضحة.
ومنها: حسنة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلنا: بلى، فدعا بقعب فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه ثمّ حسر عن ذراعيه ثمّ غمس فيه كفّه اليمنى ثمّ قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة الحديث.
فإنّ مفهومها انّ الكفّ إذا لم تكن طاهرة فلا يجوز التوضّي بإدخالها في الماء القليل ولا وجه له إلاّ تنجّس الماء القليل وانفعاله بملاقاة اليد المتنجّسة، وإطلاقها يشمل الكفّ المتنجسة مطلقاً ـ سواء كانت متنجّسة بلا واسطة أو معها ـ .
ودعوى انّه لا تكون الرواية ظاهرة في انّ عدم جواز إدخال اليد المتنجسة في
(الصفحة 438)
الماء القليل يكون مستنداً إلى كونها منجسة للماء لاحتمال استناده إلى عدم جواز الغسل والوضوء من الماء المستعمل في رفع الخبث كالمستعمل في رفع الحدث مع ثبوت الطهارة له في نفسه.
مدفوعة أوّلاً: بأنّه خلاف ما هو المتفاهم من الرواية عرفاً لأنّ الظاهر منها كذلك انّ المنع عن التوضؤ بذلك الماء يكون معلولاً للنجاسة الحاصلة له من ملاقاة اليد المتنجسة وتأثره بها كما لا يخفى.
وثانياً: بأنّ الماء الذي أدخل فيه اليد المتنجسة لا يطلق عليه كونه مستعملاً في رفع الخبث فإنّ الملاقاة مع الخبث أمر والاستعمال في رفعه أمر آخر، ومجرّد كون الماء أحد طرفي الملاقاة لا يصحّح هذا الإطلاق بوجه كما يظهر بمراجعة العرف.
وثالثاً: بأنّه لو كان الاستناد إلى كونه مستعملاً في رفع الخبث لكان اللازم تخصيص الحكم بعدم الجواز بمثل الوضوء فلا يكون ـ حينئذ ـ مانع من جواز شربه ولا سائر الانتفاعات به مع انّ صحيحة محمد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ التي سأل فيها عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة، وأجاب (عليه السلام) بأنّه يكفي الإناء ظاهر في المنع عن استعماله مطلقاً وهي قرينة على عدم كون الحكم في هذه الرواية له خصوصية بل المراد عدم الجواز كذلك ولا ينطبق ذلك إلاّ على حصول الانفعال له بملاقاة الكفّ المتنجّسة كما هو ظاهر.
ثمّ إنّ بعض الأعلام في الشرح بعد الاعتراف بدلالة الأخبار على منجسية المتنجّس ولو مع الواسطة وانّها غير قابلة للمناقشة قال ما ملخّصه: «انّا مع هذا كلّه نحتاج من التشبّث بذيل الإجماع وعدم القول بالفصل لأنّ مورد الاخبار انّما هو الماء وهو الذي لا يفرق فيه بين المتنجّس بلا واسطة والمتنجّس معها، والتعدّي عنه إلى الجوامد لا يتمّ إلاّ بالإجماع وعدم القول بالفصل بين الماء وغيره لأنّا نحتمل
(الصفحة 439)
أن يكون تأثير المتنجّس في الماء مطلقاً من أجل لطافته وتأثّره بما لا يتأثّر به غيره. ومن هنا اهتمّ الشارع بحفظه ونظافته ومع هذا الاحتمال لا مسوغ للتعدّي عن الماء إلى غيره، على انّ السراية المعتبرة في نجاسة الملاقى أمر ارتكازي ولا إشكال في عدم تحقّقها عند تعدّد الواسطة وكثرتها إلى أن قال: ولولا مخافة الإجماع المدعى والشهرة المحقّقة على تنجيس المتنجس مطلقاً لاقتصرنا في الحكم بتنجيس المتنجس على خصوص الماء أو المايعات».
أقول: البحث معه انّما هو من جهتين فانّه تارة يبحث في انّ الأدلّة الدالّة على تنجيس المتنجّس هل تعمّ ما إذا كان المتنجّس جامداً أو تختص بخصوص الماء أو مطلق المايعات؟ واُخرى في انّ تلك الأدلّة هل تشمل ما إذا كانت الواسطة متكثّرة كما إذا زادت على الاثنتين أم لا؟
امّا من الجهة الاُولى فالظاهر شمول الأدلّة للجامد أيضاً وعدم اختصاصها بالمايعات فضلاً عن الماء الذي هو موردها وذلك لأنّ مثل رواية حريز ـ المتقدّمة ـ التي قد أمر فيها بغسل الإناء الذي شرب منه الكلب ظاهر في عدم الاختصاص لأنّ الإناء الذي أمر بغسله جامد والأمر بغسله إرشاد إلى تنجّس ما يلاقى معه سواء كان الملاقي مائعاً أم جامداً. غاية الأمر انّه في صورة كون الملاقى جامداً لابدّ من أن يكون هناك رطوبة مسرية في البين امّا في الجامد الملاقى وامّا في الإناء الذي وقعت الملاقاة معه فالرواية ظاهرة في عدم الاختصاص بالمتنجّس المايع، ومع فرض كون الملاقي للإناء نوعاً هو المائع نقول: ظاهر كلامه عدم استفادة نجاسة نفس الإناء من الروايات وإن كانت الواسطة هي الماء لأنّ مدّعاه اعتبار الميعان في الملاقي للمتنجس لا في نفس المتنجّس كما يظهر من تعليله بلطافة الماء وتأثّره بما لا يتأثّر به غيره فالإنصاف انّ مثل رواية حريز شاهدة على خلافه مع انّه ما يرد
(الصفحة 440)
عليه انّه على تقدير الاعتراف بكون مورد الاخبار هو الماء السؤال عن انّه الوجه في التعدّي عنه إلى مطلق المايعات خصوصاً مع عدم كونها في اللطافة والتأثر مثل الماء إلاّ أن يقال بدلالة مثل صحيحة محمّد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّة على انّه يكفي الإناء على عدم الاختصاص بالماء لعدم وضوح كون ما في الإناء ماء كما لا يخفى فترك الاستفصال دليل العموم لسائر المائعات.
وامّا من الجهة الثانية فالحقّ معه لأنّ غاية ما يستفاد من الأخبار الواردة في تأثير المتنجّس هو التنجيس في المتنجس مع واسطة واحدة أيضاً لأنّ مثل رواية حريز الدالّة على نجاسة الإناء وتأثيرها في تنجس ملاقيه لا يدلّ على أزيد من ذلك ضرورة انّ الإناء لا يكون إلاّ متنجّساً مع واسطة واحدة والملاقى له وإن كان متنجّساً مع واسطتين إلاّ انّه لم يعلم من الرواية تأثيره في نجاسة ملاقيه أيضاً. فغاية ما هو مدلول الرواية التأثير في المتنجّس مع واسطة واحدة وعليه فلا يعلم وجه عطف الواسطتين على الواسطة الواحدة والحكم بالتنجيس فيهما كالحكم به فيها ويمكن أن يكون مرادهم تعدّد المتنجّس وتكثّره لا تكثر الواسطة. نعم لو كان نجاسة ما في الإناء في مورد رواية حريز مستنداً إلى ملاقاته مع المتنجّس كاليد المتنجّسة لا إلى مثل شرب الكلب الذي هو نجس لتمّت دلالتها على ثبوت الحكم فيما كانت هناك واسطتان أيضاً، لكن المفروض فيها شرب الكلب من الإناء فالماء هو المتنجّس الأوّل كما انّه لو كان مثل صحيحة محمد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّ على نجاسة ما في الإناء بإدخال اليد القذرة فيه دالاًّ على لزوم غسل الإناء أيضاً الذي هو إرشاد إلى نجاسة ما يلاقيه لكانت دلالتها عليه أيضاً ظاهرة لكنّها خالية عن الدلالة على لزوم غسل الاناء.
وبالجملة: مورد ما يدلّ على غسل الإناء هو الملاقاة مع عين النجس، وما كان
(الصفحة 441)
مورده الملاقاة مع المتنجّس يكون خالياً عن الأمر بغسل الإناء إلاّ أن يقال بأنّ ملاحظتهما وضمّ كلّ منهما إلى الآخر يوجب ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً بمقتضى الروايات لكن الذي يوهن ذلك انّ ضمّ كلّ منهما إلى الآخر واستفادة ذلك منهما إن كان مع قطع النظر عن الإجماع وعدم القول بالفصل فهو ممنوع وإن كان مع ملاحظتهما فلا حاجة إلى الضمّ أيضاً.
نعم صحيحة العيص بن القاسم المتقدّمة يمكن استفادة تعدّد الواسطة منها بناءً على أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : إن كان من بول أو قذر شاملاً لما إذا كان ما في الطشت غسالة لتطهير المتنجّس بالبول أو القذر أيضاً وان يكون المراد من قوله (عليه السلام): فيغسل ما أصابه وجوب غسل مطلق ما أصابه ولو نفس الطشت ومثله فانّها على هذين التقديرين تدلّ على ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً فإنّ ما في الطشت ربّما يكون متنجّساً مع واسطة واحدة والطشت أو مثله المأمور بغسله يكون متنجّساً مع واسطتين كما لا يخفى، ولكن التقديران خصوصاً الأوّل منهما غير ظاهرين فتدبّر.
والحاصل: انّه لا يستفاد من الروايات أزيد من التنجيس فيما إذا كانت الواسطة واحدة والظاهر انّه لا يكون هناك إجماع بعد كون أصل المسألة خلافية فإثبات الحكم مع تعدّد الواسطة سواء كانت اثنتين أو أزيد مشكل ولكن الاحتياط لا ينبغي بل لا يجوز تركه في مثل المقام.
المقام الثالث: في انّه هل يجري على المتنجّس بالمتنجّس جميع الأحكام الخاصّة المترتّبة عليه من لزوم تعدّد الغسل فيما إذا تنجّس بالبول أو لزوم التعفير أوّلاً فيما إذا تنجّس بولوغ الكلب فيه، فكما انّه يجب رعاية التعدّد في المتنجّس بالبول كالثوب مثلاً كذلك تجب رعايته في الثوب الآخر المتنجّس بالملاقاة مع الثوب الأوّل، وكما