(الصفحة 457)
الثاني: الدم في البدن واللباس إن كانت سعته أقلّ من الدرهم البغلي ولم يكن من الدماء الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، ونجس العين والميتة على الأحوط في الاستحاضة وما بعدها وإن كان العفو عمّا بعدها لا يخلو عن وجه، بل الأولى الاجتناب عمّا كان من غير مأكول اللحم، ولما كانت سعة الدرهم البغلي غير معلومة يقتصر على القدر المتيقّن وهو سعة عقد السبابة 1.
1 ـ في هذا الأمر جهات من الكلام:
الاُولى: لا إشكال ولا خلاف في ثبوت العفو عمّا دون الدرهم من الدم، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع بالنسبة إلى الثوب ويأتي البحث في مشاركة البدن للثوب في الجهة الثانية ـ إن شاء الله تعالى ـ كما انّه لا شبهة في عدم ثبوت العفو فيما زاد على الدرهم وانّما الإشكال والخلاف فيما إذا كان بقدره من غير زيادة ولا نقصان وإن كان هذا الفرض نادر التحقّق وإحرازه صعباً فالمستفاد من مثل المتن ممّا علق فيه الحكم بالعفو على ما إذا كانت سعته أقلّ من الدرهم أو ما إذا كان دونه أو مثلهما من التعبيرات عدم ثبوت العفو في المساوي كما ربّما نسب إلى المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه وعن كشف الحقّ نسبته إلى الإمامية.
ولابدّ من ملاحظة الروايات فنقول:
منها: صحيحة عبدالله بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى، أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة. ودلالتها على عدم ثبوت العفو في المساوي ظاهرة.
ومنها: مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا: لا بأس أن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه
(الصفحة 458)
النضح وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم. وهي أيضاً تدلّ على ذلك لكنها بالمفهوم.
ومنها: مصحّحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة.
والاحتمالات الجارية في الرواية ثلاثة:
أحدها: أن تكون مهملة غير متعرّضة لفرض المساوي بلا زيادة ولا نقصان نظراً إلى ندرة تحقّقه وصعوبه إحرازه كما مرّ فلا دلالة لها على حكمه بوجه.
ثانيها: أن تكون متعرّضة لبيان حكمه أيضاً، غاية الأمر بالمفهوم وهو مفهوم الجملة الاُولى الدال على وجوب الإعادة فيما إذا لم يكن أقلّ من قدر الدرهم، وعليه فالجملة الثانية يكون تصريحاً بحكم أحد فردى المفهوم للجملة الاُولى والوجه في التصريح به كون الفرد الظاهر غير نادر التحقّق.
ثالثها: عكس الثاني وهو أن تكون الرواية دالّة على بيان حكم المساوي بمفهوم الجملة الثانية الدالّة على وجوب الإعادة فيما إذا كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى وتكون الجملة الاُولى تصريحاً بحكم أحد فردي المفهوم للجملة الثانية والوجه في التصريح به ما مرّ.
ثمّ انّ الاحتمال الأوّل مخالف لظاهر الرواية حيث إنّها ظاهرة في التعرّض لحكم جميع فروض المسألة والإهمال بالنسبة إلى بعض الفروض ينافي ذلك والاحتمال الثالث بعيد لأنّ التصريح بالمفهوم قبل المنطوق خصوصاً مع كون المفهوم المصرّح به بعض الأفراد لإتمامه خلاف ما هو المتفاهم عند العرف في مثل هذا النحو من التعبيرات وهذا بخلاف التصريح به بعد المنطوق فإنّه أمر شائع، وعليه فالرواية
(الصفحة 459)
أيضاً تدلّ على عدم العفو في المساوي ولا أقلّ من كون الرواية مجملة محتملة لأحد الاحتمالين الأخيرين من دون أن يكون هناك ترجيح في البين و ـ حينئذ ـ فمثل صحيحة ابن أبي يعفور ـ المتقدّمة ـ تصلح لرفع الإجمال وان تصير قرينة على تعين الاحتمال المطابق لها كما لا يخفى.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلِّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه.
وعن التهذيب زيادة لفظة «واو» قبل قوله: «ما لم يزد» وإسقاط قوله: «وما كان أقلّ من ذلك» وعليه تكون جملة: «ما لم يزد الخ» جملة مستأنفة خبرها قوله فليس بشيء، وحيث إنّ الشيخ (قدس سره) رواها في «التهذيب» عن كتاب «الكافي» فيدلّ ذلك على انّ النسخة الموجودة عنده منه كانت مطابقة لما في التهذيب فلا مجال للقول بأنّ ما في الكافي أضبط ممّا في غيره.
وكيف كان فالرواية على نقل الشيخ أشبه بكونها صادرة من الإمام (عليه السلام)لخلوّها ـ حينئذ ـ عن التكرار كما لا يخفى ومقتضاها على هذا التقدير ثبوت العفو عن المساوي وان الحكم بوجوب الإعادة انّما هو فيما إذا كان أكثر من الدرهم، كما انّه على التقدير الآخر يكون مقتضاها ذلك لأنّ المشار إليه بقوله: وما كان أقلّ من ذلك ليس هو الدرهم بل الزائد عليه المدلول عليه بقوله ما لم يزد على مقدار الدرهم ومن المعلوم انّ المساوي يكون أقلّ من الزائد عليه فالرواية تدلّ على العفو عنه.
(الصفحة 460)
نعم لو كان المشار إليه هو نفس الدرهم يتحقّق التعارض بين مفهومه وبين الجملة اللاحقة ويجري فيه ما ذكرناه في الرواية السابقة ومقتضى تقديم الجملة الاُولى عدم ثبوت العفو في المساوي أيضاً.
وحيث إنّ ظهور الرواية في العفو قابل للمناقشة كما عرفت مع عدم خلوّها عن الاضطراب أيضاً من جهة إطلاق الحكم بوجوب طرح الثوب الذي يكون المراد به إزالة الدم لوضوح عدم خصوصية فيه ورواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ظاهرة في عدم العفو فلا مجال للأخذ بهذه الرواية بل اللازم الفتوى على طبق تلك الرواية والحكم بلحوق المساوي بالزائد كما هو مقتضى إطلاق أدلّة مانعية الدم.
الجهة الثانية: في عدم اختصاص الحكم بالعفو الذي عرفت بخصوص الثوب بل يجري في البدن أيضاً كما ادّعى عليه الإجماع في كتب متعدّدة ويشمله إطلاق معقد الإجماع في كتب اُخر والاقتصار على الثوب في النصوص وفي جملة من الكتب تبعاً لها ليس لإفادة الانحصار بل لعلّه لأجل كون البدن مستوراً به غالباً وانّه لا يصيب البدن الدم نوعاً غير دم القروح والجروح مع انّ العرف لا يفهم منها الاختاص بوجه، وامّا رواية مثنّى بن عبد السلام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إنّي حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله وإلاّ فلا.
فهي ظاهرة في عدم نجاسة ما دون الحمصة لأنّ الأمر بالغسل إرشاد إليها ونفي وجوبه إرشاد إلى عدمها وهذا ممّا لم يقل به أحد عدى الصدوق وقد تقدّم نقله وجوابه مع انّ الرواية ضعيفة سنداً لعدم ثبوت وثاقة مثنى وإن كان رواية صفوان والبزنطي عنه في بعض الموارد أمارة على وثاقته كما اعترف به جماعة من أجلاّء هذا الفن كالشيخ الطوسي والوحيد البهبهاني (قدس سرهما) والتحقيق في محلّه.
الجهة الثالثة: في انّ الحكم بالعفو عمّا دون الدرهم من الدم لا يكون مطلقاً
(الصفحة 461)
شاملاً لجميع الدماء بل هنا دماء خارجة عن هذا الحكم:
منها: دم الحيض والظاهر عدم الخلاف في عدم العفو عنه بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه ويدلّ عليه رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فانّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء. وضعفها مجبور بالعمل كما انّ روايتها مقطوعة وغير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) في بعض نسخ التهذيب لا تقدح بعد كونها مروية مسندة في الكافي وفي بعض آخر من نسخه وظهورها في عدم استثناء الأقلّ من الدرهم في دم الحيض لا خفاء فيه لدلالتها على خصوصية لدم الحيض غير موجودة في غيره.
وبعد ملاحظة ما ذكر لا حاجة إلى الاستدلال لعدم العفو في دم الحيض بإطلاق بعض الأخبار الخاصّة الدالّة على وجوب غسل دم الحيض بدعوى انّ النسبة بينها وبين ما دلّ على العفو عمّا دون الدرهم عموم من وجه وبعد التعارض في مورد الاجتماع يرجع إلى أدلّة المانعية، وكذا لا حاجة إلى الاستدلال بعموم ما دلّ على وجوب الاجتناب عن الدم أو مطلق النجس بعد دعوى قصور أدلّة العفو عن الشمول لدم الحيض لأنّ المفروض في موردها هو الرجل الذي لا يصيبه مثل دم الحيض إلاّ نادراً.
مضافاً إلى ضعف كلا الدليلين لأنّ ما يدلّ على وجوب غسل دم الحيض ليس إلاّ مثل ما يدل على وجوب غسل مطلق الدم في انّ مفاده مجرّد النجاسة وهو لا ينافي أدلّة العفو بوجه بل تكون هذه الأدلّة حاكمة عليها كما لا يخفى. كما انّ دعوى قصور أدلّة العفو ممنوعة لظهور كون الرجل مذكوراً فيها بعنوان المثال ضرورة انّه لا تنبغي المناقشة في استفادة حكم النساء من هذه الأدلّة وانّ الدم غير الحيض إذا