(الصفحة 467)
وفي مجمع البحرين بعد بيان وجه التسمية بمثل ما ذكر بناء على سكون الغين وتخفيف اللام قال: وقيل هو بفتح الغين وتشديد الياء أي بغليّ بلدة قريبة من الحلّة وهي بلدة مشهورة بالعراق والأوّل أشهر على ما ذكره بعض العارفين».
وهذا الوجه هو الذي ذكره الحلّي في السرائر، قال في محكيها: «البغلي نسبة إلى مدينة قديمة يقال لها: بغل قريبة من بابل بينهما قرب من فرسخ متّصلة ببلد الجامعين تجد فيها الحفرة والغسّالون والنباشون دراهم واسعة شاهدت درهماً من تلك الدراهم، وهذه الدراهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام والمعتاد يقرب سعته من أخمص الراحة.
وقال فيها أيضاً: «انّه قال لي بعض من عاصرته ممّن له علم بأخبار الناس والأنساب انّ المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي بغل رجل من كبار أهل الكوفة اتّخذ هذا الموضع قديماً وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب إليه الدرهم البغلي وهذا غير صحيح لأنّ الدراهم البغلية كانت في زمن رسول الله وقبل الكوفة».
وقد عرفت انّها كانت تسمّى قبل الإسلام بكسروية وحدث لها اسم البغلية في الإسلام وظهر انّ الأشهر في وجه التسمية هو الأمر الأوّل وحكى السيّد العلم الحجّة صاحب أعيان الشيعة فيها والمحدِّث الخبير المرحوم الشيخ عباس ا لقمّي في هدية الأحباب عن الفاضل المتتبّع الشيخ حيدر قلي خان المعروف بسردار الكابلي في رسالة «غاية التعديل في الأوزان والمكائيل» قال: رأيت في دائرة المعارف البريطانية انّ أوّل من أمر بضرب السكة الإسلامية هو الخليفة عليّ بالبصرة سنة 40 من الهجرة الموافقة لسنة 660 مسيحية ثمّ أكمل الأمر بعده عبد الملك الخليفة سنة 76 من الهجرة الموافقة لسنة 695 مسيحية بل في محكي تاريخ جودت پاشا انّ أقدم سكّة رآها في خلافة عليّ كرّم الله وجهه كان مكتوباً على دائرتها التي ضربت
(الصفحة 468)
في سنة 37 للهجرة بالخط الكوفي: «ولي الله» وانّه رأى على دائرة السكّة التي ضربت في سنة 38 و 39: «بسم الله ربّي».
فعلى هذا أوّل من أحدث السكة الإسلامية وأبطل النقوش الكسروية والقيصرية المصنوعة بيد رجل يهودي معاند لشوكة الإسلام والمسلمين وساع في تخريبه وهدمه وفي ترويج النار وبيتها، هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين المتفطّن لذلك الماحي لآثار الشرك وشعائر المجوسية وما شابهها ولا يترقّب منه إلاّ ذلك ولا يتوقّع من غيره ذلك.
وكيف كان فالظاهر انّ الدرهم الشائع في زمن صدور الروايات الواردة عن الصادقين (عليهما السلام) هو الدرهم المعروف بالبغلي ولابدّ من حمل الأخبار عليه والظاهر اختلاف الدراهم المذكورة من حيث السعة والضيق لأنّها كانت مضروبة بالآلات اليدوية وهي تقتضي وجود الاختلاف لعدم الانضباط لها ومع وجود الاختلاف لا يمكن أن تكون العبرة بأجمعها لأنّ الورود مورد التحديد ينافي ذلك لاستلزامه الحكم بالعفو عن مقدار خاص باعتبار انّه أقلّ من بعض الدراهم وعدم الحكم بالعفو عنه باعتبار انّه مساو لبعض الدراهم الاُخر أو زائد عليه فلا محيص من أن يكون الملاك بعضها.
وامّا ما أفاده في المصباح من انّه لو كانت الدراهم المتعارف مختلفة المقدار فالعبرة في عدم العفو بالزيادة عن جنسها على الإطلاق فلا تضرّ زيادته عن بعض المصاديق دون بعض وهذا بخلاف ما لو قلنا بالعفو عمّا دون الدرهم لا مقداره فانّه يعتبر على هذا التقدير نقصانه عن مطلقه فلا يجدي نقصانه عن بعض مصاديقه.
ففيه انّه لا فرق بين التقديرين بعدما عرفت من انّ الورود مورد التحديد يقتضي أن يكون الملاك درهماً خاصّاً وليس المقام من قبيل المطلق الصالح للانطباق
(الصفحة 469)
على كل فرد لامتناع التحديد بما يصلح للانطباق على القليل والكثير مع انّه على تقديره أيضاً لا فرق بينهما لأنّ الزيادة عن بعض المصاديق تصدق عليه الزيادة قطعاً لكون ذلك البعض تمام الجنس وكمال الطبيعة كما انّ النقصان عنه يوجب صدق النقيصة كذلك وهذا كما في الوجود والعدم فانّه كما انّ وجود الطبيعة يتحقّق بوجود الفرد كذلك عدمها أيضاً يتحقّق بعدم الفرد ولا مانع من اجتماع الوجود والعدم المضافين إلى الطبيعة في آن واحد كاجتماع الطول والقصر وسائر الاُمور المتضادّة في آن واحد وعليه فصدق الزيادة لا يتوقّف على الزيادة على تمام الأفراد وكذلك النقيصة ولا مانع من اجتماع الأمرين في آن واحد.
فالإنصاف انّه لابدّ من أن يكون الملاك مقداراً معيّناً وسعةً مخصوصة، وقد عرفت انّ الملحوظ في هذا الباب هي السعة والمساحة دون الوزن فالبحث من الجهة الراجعة إلى الوزن لا يجدي في المقام أصلاً، وامّا من جهة السعة فقد اختلفت الكلمات في تحديدها فعن بعضهم تحديده بأخمص الراحة وهو ما انخفض من باطن الكفّ وربّما نسب ذلك إلى أكثر عبارات الأصحاب. وعن الاسكافي تقدير الدرهم بعقد الابهام الأعلى من غير تعرّض لكونه البغلي أو غيره، وعن بعض آخر تقديره بعقد الوسطى، وعن رابع تحديدها بعقد السبابة وهو أقل التحديدات. وعن روض الجنان بعد نقل التقديرات الثلاثة الاُولى قال: إنّه لا تناقض بين التقديرات لجواز اختلاف افراد الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع واخبار كلّ واحد عن فرد رآه.
والظاهر انّ مستند التقدير الأوّل ما تقدّم من الحلّي من شهادته بكون الدرهم الذي شاهده يقرب من سعة أخمص الراحة ويمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى انّ الشهادة يعتبر فيها التعدّد ولا تكون من قبيل النقل والرواية وإن اُجيب عن ذلك
(الصفحة 470)
بأنّ قوله يفيد الوثوق بل القطع إذ لا يحتمل في حقّه التعمّد في الكذب أو الخطأ في الحسّ. وإلى انّ مقتضى شهادته كونه يقرب من تلك السعة لا انّه نفس تلك السعة والفرق بين الأمرين واضح ـ بأنّ ما أفاده انّما هو بالإضافة إلى الدرهم البغلي بالمعنى الذي فسّره به وهو كونه منسوباً إلى مدينة بغل، وامّا بالمعنى الذي هو الظاهر والمعروف من إضافته إلى ضاربه وهو رأس البغل الذي ضربه بأمر عمر بن الخطّاب فلا دلالة لكلامه على كون سعته ذلك.
وقد أورد على سائر التحديدات بأنّها ليست تحديداً للدرهم البغلي الوافي لعدم التقييد به فيها وانّما تكون تحديداً للدرهم المعفو عن مقداره ويدفع هذا الإيراد وضوح كون الدرهم المعفو عن مقداره هو الدرهم الشائع في زمن صدور الأخبار ولا يكون إلاّ الدرهم البغلي الوافي فلا حاجة إلى التصريح به.
وكيف كان فمع وجود هذا الاختلاف في تحديد الدرهم ولعلّ منشأه ما عرفت من الروض من جواز اختلاف أفراد الدرهم من الضارب الواحد لابدّ من الاقتصار على الأقلّ وهو سعة عقد السبابة كما أفاده في المتن لأنّ مقتضى القاعدة فيما إذا كان المخصّص مجملاً بحسب المفهوم ودار أمر بين الأقلّ والأكثر الاقتصار على الأقلّ لأنّه المتيقّن من التخصيص والرجوع في الزائد عليه إلى العام.
(الصفحة 471)
مسألة 2 ـ لو كان الدم متفرّقاً في الثياب والبدن لوحظ التقدير على فرض اجتماعه فيدور العفو مداره ولكن الأقوى العفو عن شبه النضح مطلقاً ولو تفشّى الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر فهو دم واحد وإن كان الاحتياط في الثوب الغليظ لا ينبغي تركه، وامّا مثل الظهارة والبطانة والملفوف من طيات عديدة ونحو ذلك فهو متعدّد 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في فرضين:
الأوّل: ما لو كان الدم متفرّقاً في الثياب أو البدن أو فيهما فهل الملاك لحاظ التقدير على فرض اجتماعه ودوران العفو مداره بمعنى انّه لو كان على تقدير الاجتماع غير متحقّق فيه عنوان العفو وهو الأقل لا يكون معفوّاً عنه وإلاّ فيكون كذلك أو انّ الملاك لحاظ التقدير في كلّ من الوجودات المتفرّقة وانّ اللازم ملاحظة كل وجود على حياله واستقلاله فإن كان أقلّ من الدرهم فهو معفو عنه وإن بلغ مجموع الوجودات أضعاف الدراهم وقد وقع الخلاف بينهم في ذلك فذهب إلى كل واحد من الاحتمالين جماعة ونسب قول كلّ إلى المشهور واللازم ملاحظة الروايات الواردة في الباب فنقول:
منها: صحيحة ابن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى، أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة. وقد استدلّ بهذه الرواية كلا الطرفين ويجري فيها احتمالات:
أحدها: أن يكون «مقدار الدرهم» خبراً ليكون واسمه الضمير الراجع إلى نقط الدم ويكون «مجتمعاً» حالاً وهذا يجري فيه احتمالان أيضاً أحدهما أن يكون حالاً من الدم الذي هو الاسم، فالمعنى ـ حينئذ ـ إلاّ أن يكون نقط الدم مجتمعاً مقدار