(الصفحة 496)
الله انّما حرّم شربها وقال بعضهم لا تصلِّ فيه، فكتب (عليه السلام) : لا تصلِّ فيه فانّه رجس. الحديث.
نعم ربّما يقال ـ والقائل بعض الأعلام ـ بأنّ الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره لأنّ الصلاة نظير الأكل والشرب فعل من أفعال المكلّفين وللأفعال ظرفان ظرف زمان وظرف مكان وليست النجاسة شيئاً منهما فاسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة. نعم لا بأس باسنادها إليه على وجه العناية والمجاز فيما إذا كان الفاعل لابساً للنجس بأن يكون الفاعل مظروفاً والنجس ظرفاً له، وامّا إذا لم يكن النجس ظرفاً للمصلّي وإنّما كان موجوداً عنده ومعه كما إذا كان في جيبه فاسناد الظرفية إلى النجس ليس بحقيقي ولا مجازي. نعم قد ورد في بعض الأخبار جواز الصلاة في السيف ما لم ترَ فيه دم كما انّه قد ورد في موثقة ابن بكير المعروفة: إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة، مع انّ السيف والبول والروث والألبان اُمور مقارنة للصلاة لا انّها ظرف لها ولا للفاعل ولا مناص في مثله من رفع اليد عن ظهور كلمة «في» في الظرفية وحملها على معنى «مع» والمقارنة وهذا لأجل قيام القرينة وهي عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، وامّا مع عدم قيامها كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد عن ظهور لفظة «في» في الظرفية ولازمها عدم الانطباق على ما إذا كان المحمول نجساً لعدم تحقّق الظرفية للنجس ـ حينئذ ـ أصلاً.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى وضوح تحقّق الظرفية بنظر العرف مع الحمل أيضاً وظهور عدم كون الروايتين محمولتين على خلاف ظاهرهما الذي هي الظرفية ـ التعبير بكلمة «في» في المحمول أيضاً في بعض الروايات وهي مرسلة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة
(الصفحة 497)
فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك. فانّه مع كون المفروض في الموضوع هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه ومن المعلوم شمول كلمة «مع» للمحمول بل اختصاصها به قد حكم بعدم البأس عن الصلاة فيه بصورة الظرفية فهي تدلّ على انّ دائرة الظرفية عامّة شاملة للمحمول وعليه فلا قصور في أدلّة المنع عن الصلاة في النجس للشمول للمحمول كما لا يخفى.
نعم يمكن أن يقال: بأنّ مرسلة ابن سنان يظهر منها جواز حمل النجس لأنّ قوله: وإن كان فيه قذر ظاهر في وجود عين النجاسة فمقتضى الرواية جواز حمل القذر، ولكن التخيص بما لا تتمّ يظهر منه انّ المراد هو المتنجّس لا عين النجاسة فالأحوط لو لم يكن أقوى الاجتناب عن حمل النجس في الصلاة.
الفرض الثاني المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة مقتضى ما ذكرنا من صدق الصلاة في النجس على المحمول أيضاً المنع كما نسب إلى ظاهر الأكثر مع انّ مقتضى مفهوم المرسلة المتقدّمة انّه إذا كان ما مع المصلّي ما تتمّ فيه الصلاة ففيه بأس إذا كان فيه قذر كما انّه ربّما يقال ـ والقائل سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره)ـ انّه يستفاد من إضافة الطهارة إلى المصلّي كما في قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب: لأنّك كنت على يقين من طهارتك انّه يعتبر في صحّة الصلاة كون المصلّي طاهراً. غاية الأمر انّ صدقه يتوقّف على طهارة بدنه وثوبه معاً ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط، وإلاّ لم يصحّ الاسناد مع نجاسة الثوب وإذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً فمن المعلوم انّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك لأنّ الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصية للثوب أصلاً، فلو كان محموله نجساً لا يصحّ اسناد
(الصفحة 498)
الطهارة إليه أيضاً، هذا مضافاً إلى انّ العرف إذا ألقى إليه هذا المعنى وهو اعتبار الطهارة في الثوب لا يفهم منه الاختصاص وتكون خصوصية الثوبية ملغاة بنظره.
وما أفاده (قدس سره) وإن كان قابلاً للمناقشة للفرق بين الملبوس والمحمول من جهة الإضافة إلى المصلّي والارتباط به وهو يوجب عدم إلغاء العرف خصوصية الثوبية إلاّ انّه يكفي في عدم الجواز ما ذكرنا من صدق الصلاة في النجس بضميمة مفهوم المرسلة فالأحوط في هذا الفرض أيضاً لو لم يكن أقوى هو الاجتناب.
الفرض الثالث المحمول المتنجّس الذي لا تتمّ فيه الصلاة والوجه فيه الجواز لدلالة رواية ابن سنان المتقدّمة على انّ ما مع الإنسان الظاهر في المحمول إذا كان ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه إذا كان فيه قذر ويمكن الاستدلال له أيضاً بموثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب. نظراً إلى انّ إطلاق نفي البأس يشمل ما اخذا كان محمولاً للمصلّي وإن كان من شأنه اللبس ولكنّه لم يتحقّق لبسه فعلاً في الصلاة بل كان محمولاً. ويمكن أن يقال: إنّ ما لا تتمّ إذا كان معفواً عنه في حال لبسه فالعفو عنه في حال حمله بطريق أولى كما لا يخفى ومن المعلوم انّه لا فرق بين القلنسوة وبين مثل السكين فتدبّر.
(الصفحة 499)
الخامس: ثوب المربية للطفل ـ امّاً كانت أو غيرها ـ فانّه معفوّ عنه إن تنجّس ببوله، والأحوط أن تغسل كلّ يوم لأوّل صلاة اُبتليت بنجاسة الثوب فتصلّي معه الصلاة بطهر ثمّ صلّت فيه بقية الصلوات من غير لزوم التطهير، بل هو لا يخلو عن وجه، ولا يتعدّى من البول إلى غيره، ولا من الثوب إلى البدن، ولا من المربية إلى المربي، ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الثياب المتعدّدة مع عدم الحاجة إلى لبسهنّ جميعاً وإلاّ كانت كذات الثوب الواحد 1.
1 ـ الدليل على العفو عن النجاسة في هذا المقام لا يمكن أن يكون هو الإجماع كما ربما يستظهر من صاحب الحدائق لأنّ ثبوته ممنوع أوّلاً لتوقّف جماعة في أصل الحكم كالأردبيلي وأصحاب المعالم والمدارك والذخيرة، واصالته ممنوعة ثانياً لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون مستند المجمعين في هذا الحكم ما رواه الشيخ (قدس سره)باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعاذي عن محمد بن خالد عن سيف بن عميرة عن أبي حفص عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرّة. والإشكال في سند الحديث باعتبار اشتماله على محمّد بن يحيى المعاذي الذي ضعفه العلاّمة واستثناه القمّيون من كتاب نوادر الحكمة وباعتبار اشتماله على محمد بن خالد وهو مردّد بين الطيالسي والأصم وكلاهما غير موثقين في الرجال وببعض الاعتبارات الاُخر لا يقدح بعد كونه رواية منحصرة في الباب دالّة على حكم مخالف لقاعدة المنع عن الصلاة في النجس واستناد المشهور إليها في هذا الحكم وقد ثبت في محلّه انّ الاستناد المذكور جابر لضعف سند الرواية فهي من جهة السند غير قابلة للمناقشة فأصل الحكم في الجملة لا ينبغي الارتياب فيه وانّما الإشكال والكلام في خصوصياته فنقول:
(الصفحة 500)
منها: انّ العفو هل يختص بالاُمّ أو يعمّ مطلق المربّية؟ ظاهر الرواية باعتبار قوله: ولها مولود، التعرّض للاُمّ لأنّ اللام للاختصاص ومعنى اختصاص المولود بها كونه ولداً لها وهي اُمّه فالرواية ظاهرة في الاُمّ ولكنّه ربّما يقال بانّ الاختصاص أعمّ من الاُمومة لصدقه في مقام التربية أيضاً، ولكنّه خلاف الظاهر لأنّ اللام ظاهرة في الاختصاص المطلق لا في مطلق الاختصاص حتّى يشمل الاختصاص في مقام التربية ولكنّه لا يبعد أن يقال بأنّ خصوصية الاُمومة ملغاة بنظر العرف فانّ الموجب للعفو على ما يستفاد عندهم هي التربية الموجبة للبول على القميص ويصعب نوعاً غسله وتحصيل الطهارة للصلاة فلا تبعد دعوى التعميم كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ .
ومنها: انّ العفو هل يختص بما إذا كان الطفل مذكّراً كما عن الشيخ والأكثر بل نسب إلى فهم الأصحاب أو يعمّ الاُنثى أيضاً كما نسب إلى أكثر المتأخّرين وظاهر إطلاق المتن أيضاً؟ فيه وجهان والظاهر هو الوجه الثاني لأنّه لا يستفاد من «المولود» ما يقابل المولودة بل ظاهره بنظر العرف هو طبيعي المولود الشامل للاُنثى أيضاً. نعم لو لم نعتمد على هذا الظهور ووصلت النوبة إلى مقام الشكّ فلابدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن وهو المذكر لما عرفت من كون أصل الحكم على خلاف القاعدة.
ومنها: إنّ مورد الرواية هو البول ولا يجوز التعدّي منه إلى غيره كالغائط والدم وإلغاء الخصوصية غير ظاهر بعد كون اختصاصه بالتكرّر محتملاً لأن يكون موجباً للعفو فيختصّ الحكم بالبول.
ومنها: إنّ مورد الرواية هو نجاسة القميص بالبول ولا يتعدّى عنه إلى البدن الذي تعتبر طهارته في الصلاة أيضاً لما مرّ من كون الحكم على خلاف القاعدة. نعم