(الصفحة 502)
وهل ظاهر الرواية الواردة في الباب انّ الغسل المذكور ملحوظ من حيث كونه يترتّب عليه الطهارة في الجملة سواء بقيت إلى حال الصلاة أم لا أو انّ المراد شرطية الطهارة حال الصلاة بحيث وقعت الصلاة مع الطهارة؟ ربّما يقال بعد الاعتراف بأنّ الظاهر في سائر الموارد وإن كان هو الثاني إلاّ انّه في المقام يكون الظاهر هو الأوّل والفرق انّ المقام مقام تخفيف ورفع اليد عن اعتبار الطهارة.
هذا والظاهر هو الثاني لعدم كون الرواية في مقام إلغاء اشتراط الطهارة عن صلوات المربية بالمرّة والاكتفاء بالغسل ولو مع حصول التنجس بعدل الظاهر انّها ناظرة إلى أدلّة الاشتراط وحاكمة بالاعتبار غاية الأمر لا في جميع صلوات المربية بل في صلاة واحدة منها والدليل على ما ذكر فهم العرف وما يستفيده من ضمّ هذه الرواية إلى أدلّة الاشتراط وملاحظتهما معاً، وعليه فاللاّزم غسل القميص بحيث تقدر على إيقاع صلاة فيه مع الطهر. نعم لو لم نقدر على ذلك ـ والفرض نادر ـ لا يبعد أن يقال بعدم لزوم الغسل أصلاً كما انّه يمكن أن يقال بلزومه تخفيفاً للنجاسة لا تحصيلاً للطهارة.
وكيف كان فالظاهر انّ الغسل المذكور انّما يكون ملحوظاً من جهة وقوع الصلاة ـ ولو صلاة واحدة ـ مع الطهارة الحاصلة بسببه ومنه ينقدح انّ الرواية انّما تكون ناظرة إلى استثناء صلوات المربية إلاّ صلاة واحدة عن أدلّة الاشتراط ولا يكون مفادها تغيير كيفية الشرطية بحيث كانت أدلّة الاشتراط متعرّضة لإفادة الشرط المقارن وهذه الرواية دالّة على الاعتبار بنحو الشرط المتقدّم فقط أو المتأخّر فقط أو كليهما بحيث كان لازم الأوّل لزوم الغسل قبل صلاة الصبح ليتحقّق الشرط بالإضافة إلى جميع الصلوات وكان لازم الثاني لزومه بعد صلاة العشاء ليتحقّق الشرط كذلك وكان لازم الثالث لزومه بين الصلوات لذلك وذلك لظهور عدم كون
(الصفحة 503)
الرواية مغيرة لكيفية اشتراط الطهارة وصارفة له عن التقارن إلى التقدّم أو التأخّر أو كليهما ومنه يظهر ما في «المستمسك» من وجوب تقديم الغسل على صلاة الصبح لأنّ إطلاق الشرطية يقتضي الحمل على كونها بنحو الشرط المتقدّم فيجب تقديمه على جميع صلوات اليوم لكن ذكر بعده: «لا أعرف قائلاً بذلك. نعم في الجواهر مال إلى انّه شرط على نحو الشرط المتقدّم بالنسبة إلى صلوات اليوم في الجملة، امّا بأن يراد من اليوم نفس الزمان فإذا أوقعته في زمان من اليوم يكون شرطاً في جميع الصلوات المشروعة من ذلك الزمان إلى مثله من اليوم الثاني أو يراد من اليوم الصلوات الخمس فإذا أوقعته قبل الصبح كان شرطاً للخمس التي آخرها العشاء وإذا أوقعته بعد الصبح كان شرطاً للخمس التي آخرها الصبح وإذا أوقعته بعد الظهر كان شرطاً للخمس التي آخرها الظهر وهكذا فهو مع التزامه بأنّه على نحو الشرط المتقدّم بالنسبة إلى تمام الخمس اللاحقة التزم بالتخيير بناء منه على انّ المراد بالخمس كلّي الخمس المنطبقة على الخمس في الصور المذكورة وغيرها».
وقد عرفت انّ الرواية لا تكون مغيّرة لكيفية الشرطية بل هي متصرّفة في أدلّة الاشتراط بإخراج ما عدا واحدة من صلوات المربية منها والحكم ببقائه بالإضافة إلى واحدة، ومقتضى إطلاقها التخيير في إتيان أية صلاة شاءت مع الطهارة.
نعم لا يبعد أن يقال: بأنّه لا يستفاد من الرواية الترخيص في الصلاة في النجس قبل الغسل مرّة بل غاية مفادها الترخيص فيها بعده، وعليه فاللازم غسل الثوب لأوّل صلاة اُبتليت بنجاسته والإتيان بالصلاة مع الطهارة ثمّ الإتيان ببقية الصلوات من دون غسل كما انّه لا يستفاد منها الترخيص في الإتيان بالصلاة اللاحقة مع النجاسة مع التمكّن من الإتيان بها مع الطهارة الحاصلة بالغسل مرّة فلو تمكّن من الجمع بين صلاتين أو أكثر من فرائضها بالطهارة وجب تحفّظاً على الشرط.
(الصفحة 504)
ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا من انّ الترخيص انّما هو بعد الغسل مرّة انّه لو لم تغسل ثوبها أصلاً لكان اللازم بطلان جميع الصلوات الواقعة فيه مع النجاسة وذلك لاشتراط الطهارة في الصلاة الاُولى وكون الترخيص مقيّداً بالغسل مرّة والمفروض انّه لم يتحقّق وليس البطلان في هذا الفرض متوقّفاً على كون الغسل الواحد شرطاً لجميع الصلوات كما ربّما يقال بل يجتمع مع ما ذكرنا.
ومنها: انّه يشترط في العفو في هذا المقام امّا أن لا يكون للمربية إلاّ ثوب واحد كما هو مورد الرواية حيث قال: ليس لها إلاّ قميص واحد، وامّا أن تكون محتاجة إلى لبس جميع ما عندها من الثياب فانّه وإن لم يقع التعرّض له في الرواية إلاّ انّ المتفاهم العرفي انّ المراد من قوله ليس لها إلاّ قميص واحد الحاجة إلى لبس ذلك القميص وعدم التمكّن من الصلاة في غيره، فمع الاحتياج إلى لبس الجميع كأنه لا يكون لها إلاّ واحد ومنه يظهر الحال فيما إذا كان لها ثوب آخر لا يحتاج إلى لبسه ولكنّه لا يجوز لها الصلاة فيه لرقّته أو نجاسته أو كونه من غير المأكول أو غير ذلك من الموانع، وامّا مع وجود أثواب متعدّدة غير محتاجة إلى لبسها وتمكّنت من إيقاع الصلاة فيها فلا إشكال في خروجها عن موضوع العفو في الرواية.
ومنها: انّه هل يلحق المربي بالمربية أم لا؟ فيه وجهان من انّ الرواية الواردة في العفو الذي هو حكم على خلاف القاعدة قد وردت في المربية ولا دليل على الإلحاق ومن انّ العلّة الموجبة للعفو في المرأة هي المشقة والحرج وهي متحقّقة في الرجل ولكن ذلك لا يوجب القطع بالاشتراك والظنّ به لا دليل على اعتباره فالظاهر اختصاص الحكم بالمربية.
بقي الكلام في انّه ذهب جماعة ـ كما حكى ـ إلى إلحاق من كثر وتواتر بوله بالمربية في العفو وعدم لزوم الغسل إلاّ مرّة في كل يوم واستدلّ له ـ تارةًـ بالحرج
(الصفحة 505)
والمشقّة و ـ اُخرى ـ برواية عبد الرحيم القصير قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في الخصي يبول فيلقى من ذلك شدّة، ويرى البلل بعد البلل، قال: يتوضّأ وينتضح في النهار مرّة واحدة. ورواه الكليني عن الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن عبد الرحمان قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) وذكر مثله، ورواه الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) مثله إلاّ انّه قال ثمّ ينضح ثوبه.
أقول: امّا الحرج والمشقّة فمع تحقّقه شخصاً في مورد يوجب العفو نظراً إلى قاعدته ولكن المدعى أعمّ من ذلك، وامّا الرواية ـ التي ليست إلاّ رواية واحدة والاختلاف في طريق النقل وكذا في المتن لا يوجب التعدّد بوجه ـ فربّما يشكل في سندها من جهة انّ عبد الرحيم القصير لم يوثق في الرجال وكذا سعدان بن مسلم الراوي عنه، وانّ سعدان بن عبد الرحمان مجهول لعدم ذكره في الرجال والطريق الأخير مرسل ولكنّه:
ربما يقال: إنّ رواية صفوان وابن أبي عمير عن سعدان بن مسلم ورواية ابن أبي عمير وغيره عن عبد الرحيم القصير تدلّ على وثاقتهما والاعتماد على روايتهما.
وامّا من جهة الدلالة فمضافاً إلى عدم دلالتها على وجوب الغسل كل يوم بل غاية مفادها وجوب النضح وإلى انّ النظر في الرواية إلى جهة الوضوء لا الغسل يرد عليها انّه يحتمل قوياً أن يكون المراد منها وجوب التوضي عقيب البول المعلوم واستحباب النضح عقيب البلل المشتبه بين البول وغيره لعدم ظهورها في كون البلل معلوم البولية بل هو مشتبه مردّد بين البول وغيره وفي صورة الاشتباه لا يجب الوضوء لعدم إحراز ناقضه ويستحب نضح الثوب من جهة احتمال نجاسته ويؤيّده استحباب النضح في موارد شبهة النجاسة كما في الأخبار الكثيرة فالرواية
(الصفحة 506)
لا دلالة لها على حكم المقام أصلاً.
هذا تمام الكلام في أحكام النجاسات وبه يتمّ هذا الجزء وقد وقع الفراغ من إتمامه بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربه الغني محمد الموحدي اللنكراني الشهير بالفاضل ابن العلاّمة الفقيه فاضل اللنكراني حشره الله مع نبيّه وأوليائه عليه وعليهم أفضل صلوات وتحيّاته، ومن الله أسأل التوفيق لإتمام باقي الأجزاء من هذا الشرح وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من شهر شعبان المعظّم من شهور سنة 1398 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء والتحية والسلام خير ختام.