(الصفحة 6)
الثوب يدلّ على وجوبه ولو بعد زوال العين وجفافه، ولو لم يكن الأمر لأجل النجاسة بل لأجل المانعية عن الصلاة مستقلّة كعرق الجنب عن الحرام ـ على قول قوي ـ لما كان إطلاق الأمر بالغسل وجيهاً.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرّتين. والمراد من البول فيها امّا بول الإنسان فلا دلالة لها ـ حينئذ ـ على نجاسة مطلق البول ـ التي نحن بصدد إثباتها ـ وامّا طبيعة البول فتدلّ على المدّعى. غاية الأمر انّه خرجت منها الأبوال الطاهرة وقد ورد بهذا المضمون روايات متعدّدة مذكورة في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب النجاسات.
وامّا ما وردت في الغائط:
فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله أو موثقته قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد. ودلالتها على نجاسة العذرة في الموارد المذكورة فيها بل وكونها مفروغاً عنها ومورد الشكّ هو الإعادة وعدمها واضحة لكن لا يثبت بها العموم المدعى كما لا يخفى.
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ مرّ على عذرة يابسة فوطئ عليها فأصابت ثوبه، فقلت: جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك فقال: أليس هي يابسة؟ فقلت: بلى، قال: لا بأس انّ الأرض يطهِّر بعضهاً بعضاً. والاستدلال بها على عموم الحكم يتوقّف على أن يكون العذرة مدفوع مطلق الحيوان إنساناً أو غيره، طائراً أو غيره كما هو الظاهر من كلمات كثير من اللغويين حيث يستفاد منها عدم الفرق بين العذرة والغائط والخرء، ويؤيّده ما يظهر من جمع من الفقهاء في المكاسب المحرّمة من الجمع بين الروايات المختلفة
(الصفحة 7)
الواردة في بيع العذرة بحمل الناهية منها على عذرة غير مأكول اللحم أو خصوص الإنسان وحمل المجوزة على غيرها فانّ ظاهرهم صحّة إطلاق العذرة على مطلق خرء الحيوان.
ولكن يمكن الايراد على ذلك أوّلاً بعدم ثبوت كون العذرة لغة بمعنى مطلق الخرء فانّه يظهر من جماعة منهم الاختصاص بفضلة الآدمي مضافاً إلى قرب احتمال انصرافها إليها لو فرض كونها أعمّ لغة، وثانياً انّه لا دلالة في الرواية على نجاسة مطلق العذرة فانّ السؤال فيها دليل على كون مورده هي العذرة النجسة ضرورة انّه لا معنى للسؤال عن وطي العذرة الطاهرة وإصابتها الثوب كما هو ظاهر.
ومنها: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء؟ قال: لا، ولكن يغسل ما أصابه. والكلام فيها هو الكلام في الصحيحة المتقدّمة.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام وأشباهها تطأ العذرة ثمّ تطأ الثوب أيغسل؟ قال: إن كان استبان من أثره شيء فاغسله وإلاّ فلا بأس. ونظيرها ما رواه أيضاً عن أخيه (عليه السلام)قال: سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ثمّ تدخل في الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال: لا إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء.
وقد انقدح من ذلك عدم تمامية الاستدلال بالروايات لعموم المدعى لكن الإجماع المحكي على ذلك بضميمة ارتكاز المتشرّعة على عدم الفرق بين البول والغائط يكفي في ذلك ويؤيّده تعليق الحكم بعدم البأس بما يخرج من الحيوان في بعض الروايات على مأكولية اللحم وبعض المؤيّدات الاُخر. هذا في غير الطير.
وامّا الطيور المحرّمة الأكل ففيها أقوال مختلفة:
(الصفحة 8)
أحدها: ما ذهب إليه المشهور من نجاسة بولها وخرئها.
ثانيها: ما ذهب إليه العماني والجعفي والصدوق وجملة من المتوسطين والمتأخّرين كالعلاّمة وصاحب الحدائق من طهارة مدفوعها مطلقاً.
ثالثها: ما ذهب إليه المجلسي وصاحب المدارك ـ على ما حكى ـ من التفصيل والحكم بطهارة خرئها والتردّد في نجاسة بولها. ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المقام فنقول:
منها: رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة الدالّة على وجوب غسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه فانّها بعمومها تدلّ على نجاسة أبوال الطيور المحرّمة أيضاً وبضميمة عدم القول بالفصل تثبت نجاسة خرئها أيضاً.
ومنها: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه. والنسبة بين هذه الرواية والرواية المتقدّمة عموم من وجه لأنّها أخصّ منها من جهة اختصاصها بالطير وعمومها لكل ما لا يؤكل طيراً كان أم غيره، وأعمّ منها من جهة عمومها لكل طير محللاً كان لحمه أم محرّماً فيقع بينهما التعارض في مادّة الاجتماع ـ التي هي محل البحث في المقام ـ وهو الطير الذي يكون أكل لحمه حراماً. نعم قد أفاد الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالة النجاسات انّه لا تعارض بينهما لثبوت الجمع العقلائي لأنّ الأمر بالغسل من بول ما لا يؤكل من الطير الذي هو مقتضى الإطلاق الثابت في روياة عبدالله بن سنان أو العموم الثابت في روايته الاُخرى المشتملة على لفظة «كل» وإن كان فيها اخرسال لعدم كون الراوي عن ابن سنان ممّن يمكن له النقل عنه ـ حجّة على الإلزام والوجوب ما لم يرد الترخيص ونفي البأس ترخيص، ولو سلم ظهوره في الوجوب لغة يجمع بينهما بحمل الظاهر على النص، والتفكيك في مفاد الهيئة ممّا لا مانع منه سواء قلنا بأنّ مفادها هو البعث
(الصفحة 9)
والإغراء كما هو الحق أو قلنا بأنّ مدلولها هو الوجوب لأنّه بناءً على الأوّل قد استعملت في مفادها وعلى الثاني في مطلق الرجحان مع انّه يحتمل أن يكون المراد ممّا لا يؤكل لحمه في رواية ابن سنان ما لا يعد للأكل ولا يكون أكله متعارفاً لا ما يحرم أكله شرعاً بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك فيضعف ظهورها في الوجوب حتّى يستفاد منها النجاسة ويؤيّد هذا الاحتمال بل يشهد له بعض الروايات كالروايات الآمرة بالغسل عن أبوال البهائم الثلاث مع معلومية عدم نجاستها من الصدر الأوّل خصوصاً في زمان الصادقين (عليهما السلام) مع انّه لو أغمض عن ذلك وقيل بتعارض الروايتين وعدم شمول أدلّة العلاج للعامين من وجه كما هو الأقرب فالقاعدة تقتضي سقوطهما والرجوع إلى أصالة الطهارة إلاّ أن يقال بإطلاق الروايات الواردة في البول كصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الدالّة على وجوب الغسل في مطلق البول وكذا إطلاق ما وردت في العذرة.
أقول: منشأ اختلاف الأقوال هو الاختلاف في المتقدّم من هاتين الروايتين فذهب القائلون بعدم الفرق بين الطيور وغيرها ـ وهو القول المشهور على ما عرفت ـ إلى ترجيح الاُولى على الثانية بدعوى انّها أشهر وأصحّ سنداً بل حكى عن العلاّمة في التذكرة انّ أحداً لم يعمل برواية أبي بصير وعليه فلا محيص عن الأخذ بعموم الرواية الاُولى أو إطلاقها.
وامّا القائلون بالطهارة فقد ذكروا انّه لا وجه لتقديم الاُولى على الثانية امّا أوّلاً فلأنّ الشهرة الفتوائية لا تصلح للمرجحيّة إذ لم يعلم بل ولم يظنّ باستنادهم إليها في فتواهم حتّى يرجح بذلك سندها، وامّا ثانياً فلأنّ الثانية صريحة في نفي البأس وكالصريحة في العموم أي عموم كل شيء يطير بل يتعذّر ارتكاب التخصيص فيها بحملها على خصوص مأكول اللحم من الطير لأنّ تقييد الموضوع بوصف الطيران
(الصفحة 10)
من غير أن يكون له مدخلية في الحكم ولا في إحراز موضوعه لكون المناط حلّية الأكل من غير فرق في ذلك بين الطير وغيره مستهجن عند العقلاء لأنّ الطير إن اُخذ مستقلاًّ عنواناً للموضوع في مقام إعطاء القاعدة، وامّا تخصيص الاُولى فلا استهجان فيه عند العرف لأنّ مرجعه إلى وجوب غسل الثوب من جميع أبوال ما لا يؤكل لحمه إلاّ الطيور، والتخصيص غير الموجب للاستهجان العرفي شائع حتّى قيل ما من عامّ إلاّ وقد خصّ.
واستدلّ القائل بالتفصيل بين الخرء والبول في الطيور المحرّمة بالحكم بالطهارة في الأوّل والتردّد في الثاني بأنّ نجاسة الخرء في مطلق الحيوان غير المأكول انّما ثبتت بعدم القول بالفصل وهو غير متحقّق في الطيور لوجود القول بالفصل فيها وعليه فلا مدرك لنجاسة خرء الطيور، مع انّ تعارض الروايتين انّما هو في البول لعدم اشتمال الاُولى على حكم الخرء والمفروض صراحة الثانية في نفي البأس به فلا تعارض بينهما في الخرء أصلاً فلا موجب لرفع اليد عن الثانية الدالّة على طهارته، وامّا التردّد في البول فللتردّد في تقديم إحدى الروايتين على الاُخرى.
والحقّ تقديم الثانية على الاُولى امّا لما أفاده ـ دام ظلّه ـ من صراحتها في عدم البأس وظهور الاُولى في الوجوب مطلقاً أو عند عدم الدليل على الترخيص كما عرفت من ا لرسالة، وامّا لما ذكرنا من انّ تقديم الثانية على الاُولى لا يوجب التخصيص المستهجن، وامّا العكس فهو يوجب الاستهجان ولغويّة أخذ قيد الطيران في موضوع الحكم. نعم رواية عمّار الآتية بظاهرها تعارض الرواية الثانية إلاّ انّه حيث تدلّ هذه الرواية على عدم البأس بخرء مطلق الطير صريحاً وتلك الرواية تدلّ على ثبوت البأس في خرء ما لا يؤكل لحمه لا يبقى مجال لتقديمها عليها أيضاً لأنّ نفي البأس صريح في الطهارة وثبوته ليس بصريح في النجاسة لملائمته مع