كان متعدّياً بـ «عن» معناه رفع ما هو متحقّقاً وموجوداً في الخارج، كقولنا:وضع الكتاب عن الأرض، بخلاف ما إذا كان متعدّياً بـ «على»، فلابدّ في معنىالرفع من ملاحظة الوجود في الزمان السابق، فالرفع والدفع متباينان.
مع أنّ ظاهر كلامه قدسسره هو التساوي بين عنواني الرفع والدفع، وما يستفادمن كلامه قدسسره صدراً وذيلاً: أنّ كلّ رفع دفعٌ، وليس كلّ دفع رفعاً، والنسبةبينهما العامّ والخاصّ المطلق، وهذا مخالف للمعنى اللغوي والعرفي.
بالشريعة والمبيّن لها عبارة عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والأئمّة المعصومين عليهمالسلام وإن كانتفويض تشريع بعض الاُمور إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ممّا لا شبهة فيه.
وثانياً: أنّ المتّبع هو لسان الدليل، فإن كان لسانه إسناد الشيء إلى ما هو لهفلا حاجة إلى التقدير والادّعاء، وإن كان لسانه إسناد الشيء إلى غير ما هو لهفيحتاج إلى المصحّح والتقدير لا محالة بلا فرق بين الإنشاء والإخبار، ومعلومأنّ إسناد الرفع إلى الاُمور التسعة يحتاج إلى العناية والتقدير، بعد عدم رفعالاُمور التسعة عن الاُمّة الإسلاميّة خارجاً، فيكون الإسناد مجازيّاً ويحتاجإلى المصحّح.
الأمر الرابع ـ في بيان مصحّح الادّعاء: وهناك عدّة اتّجاهات لبيان المصحّح:
الأوّل: أنّ مصحّح تعلّق الرفع بهذه الاُمور التسعة هو رفع المؤاخذة فيموردها للمناسبة والسنخيّة المتحقّقة بين رفع هذه العناوين والمؤاخذة.
وفيه: أوّلاً: أنّ المؤاخذة من الاُمور التكوينيّة ـ أي فعل المولى ـ وليست منالآثار الشرعيّة حتّى يتعلّق الرفع التشريعي بها، وأمّا استحقاق المؤاخذة فهومن الأحكام العقليّة، وليس من الآثار الشرعيّة أيضاً.
وثانياً: أنّ ظاهر بعض الأخبار عدم اختصاص المرفوع عن الاُمّةبخصوص المؤاخذة، فعن أبي الحسن عليهالسلام في الرجل يستكره على اليمين فيحلفبالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال عليهالسلام : «لا»، ثمّ قال: «قالرسول اللّه صلىاللهعليهوآله : وضع عن اُمّتي: ما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا».(1)
فإنّ المرفوع في هذا الحديث هو الحكم الوضعي من طلاق الزوجة وانعتاقالعبد وصيرورة الأموال ملكاً للفقراء، فلا وجه حينئذٍ لاختصاص المصحّحبرفع المؤاخذة، مع أنّ اليمين بكون زوجته مطلّقة يكون باطلاً وإن لم يكن
- (1) الوسائل 23: 237، الباب 16 من كتاب الأيمان، الحديث 6.
(صفحه228)
إكراهيّاً، كما قال به الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (1).
وثالثاً: أنّ اختصاص المصحّح بالمؤاخذة لا يلائم إطلاق الرفع لأصلالعناوين المذكورة.
الاتّجاه الثاني: أنّ المصحّح هو رفع خصوص الأثر الظاهر في كلّ فقرة منالفقرات التسع، كالحدّ عن شرب الخمر الإكراهي، وحصول البينونة عنالطلاق الإكراهي.
وفيه: أوّلاً: أنّه مخالف لإطلاق الرفع الظاهر برفع الموضوع بجميع آثاره.
وثانياً: أنّ رفع الموضوعات برفع بعض آثارها لا تمامها ليس بصحيحعرفاً؛ إذ رفع الموضوعات مع بقاء بعض آثارها يعدُّ من التناقض الباطل،فكون الموضوع مرفوعاً إنّما يصحّ فيما إذا كانت جميع آثاره مرفوعة لا بعضها.
ومن هنا يظهر: أنّ رفع الموضوع بلحاظ مرفوعيّة بعض آثاره يتوقّف علىتصحيح ادّعاءين: دعوى أنّ رفع بعض الآثار رفع لجميع الآثار، ودعوى أنّرفع جميع الآثار وخلوّ الموضوع من كلّ أثر مساوق لرفع نفس الموضوع.
الاتّجاه الثالث: أنّ المصحّح هو رفع جميع الآثار، وهذا الاتّجاه هوالصحيح؛ إذ أوّلاً: أنّ الرفع في الحديث وقع موقع الامتنان المناسب لارتفاعجميع الآثار، وثانياً: أنّ ذلك مقتضى إطلاق الرفع، وثالثاً: أنّ هذا الاتّجاه ليحتاج إلاّ إلى ادّعاء واحد، وهو ادّعاء أنّ رفع جميع الآثار وخلوّ الموضوععن أيّ أثر مساوق لرفع نفس الموضوع.
الأمر الخامس ـ في شمول الحديث للاُمور العدميّة: بعد أن أثبتنا أنّ المرفوعهو عموم الآثار يقع البحث في أنّ المرفوع هل هو خصوص الآثار الوجوديّةأو يعمّ الآثار العدميّة أيضاً؟
(صفحه 229)
ذهب المحقّق النائيني قدسسره (1) إلى الأوّل، فالمكلّف إذا اُكره على الترك أو اضطرّإليه أو نسي الفعل لا يشمله حديث الرفع، وعليه لو نذر المكلّف أن يشربمن ماء الفرات فاُكره على العدم أو اضطرّ إليه أو نسي أن يشرب، فمقتضىالقاعدة وجوب الكفّارة عليه لو لم تكن أدلّة وجوب الكفّارة مختصّة بصورةتعمّد الحنث ومخالفة النذر عن إرادة والتفات، فإنّ شأن الرفع تنزيل الموجودمنزلة المعدوم، لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود؛ لأنّ تنزيل المعدوم منزلةالموجود إنّما يكون وضعاً لا رفعاً، والمفروض أنّ المكلّف قد ترك الفعل عنإكراه أو نسيان، فلم يصدر منه أمر وجودي قابل للرفع، ولايمكن أن يكونعدم الشرب في المثال مرفوعاً وجعله كالشرب. ومن الواضح أنّ حديثالرفع لا يتكفّل الوضع بل مفاده الرفع.
وقد اُجيب عنه بوجوه:
الأوّل: ما أفاده المحقّق العراقي قدسسره (2) من أنّ مرجع رفع الشيء ـ بعد أن كان إلى الرفع بالعناية الراجع إلى خلوّ صفحة التشريع عن حكمه وعدم أخذهموضوعاً لأحكامه، ولايكاد يفرّق بين رفع الفعل أو الترك؛ إذ كما أنّ رفعالوجود في عالم التشريع عبارة عن رفع الأثر المترتّب عليه وخلوّه عن الحكمفي عالم التشريع كذلك في رفع العدم، حيث إنّ مرجع رفعه إلى رفع الأثرالمترتّب على هذا العدم الراجع إلى عدم أخذه موضوعاً للحكم بالفسادووجوب الإعادة ـ مثلاً ـ بملاحظة دخل نقيضه وهو الوجود في الصفحة، لأنّ مرجع رفعه إلى قلب العدم بالوجود وتنزيله منزلة الموجود، أو تنزيلالموجود منزلة المعدوم كي يشكل بأنّ رفع المعدم لا يكون إلاّ بالوضع،
- (1) فوائد الاُصول 3: 352 ـ 353.
- (2) نهاية الأفكار 3: 219.