(صفحه 411)
الثاني: أنّ المأمور الذي اُمر بإيجاد مركّب اعتباري إذا قصد امتثال الأمروالإتيان بالمأمور به تتعلّق إرادته أوّلاً بنفس المركّب الذي هو أمر واحد،وربّما لاتكون الأجزاء حينئذٍ ملحوظة له ومتوجّها إليها أصلاً، ثمّ بعد ميتوجّه إلى تلك الأجزاء التي يتحصّل المركّب منها تتعلّق إرادة اُخرى بإيجادهفي الخارج حتّى يتحقّق المجموع. هذا في المأمور.
وأمّا الآمر فالآمر فيه بالعكس، فإنّه يتصوّر أوّلاً الأجزاء والشرائط كلّواحد منها مستقلاًّ، ثمّ يلاحظ أنّ الغرض والمصلحة تترتّب على مجموعها،بحيث يكون اجتماعها مؤثّرا في حصول الغرض، فيلاحظها أمرا واحدا وتعلّقأمره به، ويحرّك المكلّف نحو إتيانه، فهو ينتهي من الكثرة إلى الوحدة، كما أنّالمأمور ينتهي من الوحدة إلى الكثرة.
الثالث: الأمر المتعلّق بالمركّب الاعتباري لايكون إلاّ أمرا واحدا متعلّقبأمر واحد، والأجزاء لاتكون مأمورا بها أصلاً؛ لعدم كونها ملحوظة إلفانية في المركّب، بحيث لايكون لها وجود استقلالي، غاية الأمر أنّ كلّ جزءمقدّمة مستقلّة لتحقّق المأمور به، وهي مقدّمة داخليّة في مقابل المقدّمةالخارجيّة.
والفرق بين قسمي المقدّمة: أنّ المقدّمة الخارجيّة يكون الداعي إلى إتيانهأمر آخر ناش عن الأمر بذي المقدّمة بناء على وجوب المقدّمة، أو اللزومالعقلي بناءً على عدم الوجوب، والمقدّمات الداخليّة يكون الداعي إليها هونفس الأمر المتعلّق بذي المقدمّة؛ لعدم كون المركّب مغايرا لها؛ لأنّه إجمالهوصورتها الوحدانيّة، وهي تفصيله وتحليله، وهو لاينافي مقدميّة الأجزاء؛ لأنّالمقدّمة إنّما هي كلّ جزء مستقلّ لا مجموع الأجزاء.
وبالجملة، فالأمر المتعلّق بالمركّب يدعو بعينه إلى الأجزاء، ولا يلزم من
(صفحه412)
ذلك أن يكون الأمر داعيا إلى غير متعلّقه؛ لأنّ الأجزاء هي نفس المركّب،والفرق بينهما بالإجمال والتفصيل والبساطة والتحليل.
بخلاف ما ذكره المرحوم البروجردي رحمهالله وقرّرته في كتاب صلاته، وهو أنّالأمر متعلّق بالمجموع، وكيفيّته: أنّ الأمر كأنّه أبعاض، وكلّ بعض منه يتعلّقبجزء من أجزاء المركّب المأمور به، كالعباءة الواحدة الواقع على نفرات ـ مثلاً واستدلّ له بأنّ الماء الموجود في الحوض مع وحدته ـ إذ الأتصال مساوق معالوحدة ـ يمكن اتّصاف أبعاضه بالأوصاف المتضادّة بتلوّن كلّ زاوية منالحوض بلون مختلف، فالماء مع كونه واحدا يقع معروضا للأوصاف المتضادّةبلحاظ الأبعاض، فلا مانع من تعلّق الأمر مع كونه واحدا بالأجزاء المتعدّدةوالمتكثّرة للمأمور به، بحيث كان لكلّ جزء منه سهم وبعض من الأمر(1).
وهذا الكلام وإن كان مشابها لما ذكرناه ولكنّه مخالف للواقع؛ إذ الداعيوالمحرّك حين الإتيان بكلّ جزء من المركّب لايكون بعض الأمر، بل هو عبارةعن تمام الأمر، وهذا أمر وجداني ليس قابلاً للإنكار، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فنقول: أنّ الأمر يدعو إلى الأجزاء بعين دعوته إلى المركّب،فالحجّة على الأجزاء إنّما هي بعينها الحجّة على المركّب، لكن مع تعيينالأجزاء التي ينحلّ إليها، وأمّا مع عدم قيام الحجّة على بعض ما يحتملجزئيّته فلا يمكن أن يكون الأمر المتعلّق بالمركّب داعيا إلى ذلك الجزءالمشكوك أيضا بعد عدم إحراز انحلال المأمور به إليه.
وبالجملة، فتماميّة الحجّة تتوقّف على إحراز الصغرى والكبرى معا ـ أيالصلاة المأمور بها وهذه أجزاؤها ـ وإلاّ فمع الشكّ في إحداهما لا معنىلتماميّـتها، فاللازم العلم بتعلّق الأمر بالمركّب وبأجزائه التحليليّة أيضا، وبدون
- (1) نهاية التقرير 1: 332 ـ 333.
(صفحه 413)
ذلك تجري البراءة عقلاً، الراجعة إلى قبح العقاب بلابيان والمؤاخذة بلابرهان.
ودعوى: أنّ مع ترك الجزء المشكوك لايعلم بتحقّق عنوان المركّب، ومنالواضح لزوم تحصيله.
مدفوعة: بأنّ مرجع ذلك إلى كون أسامي العبادات موضوعة للصحيحةمنها، والكلام إنّما هو بناء على القول الأعمّي الذي مرجعه إلى صدق الاسممع الإخلال بالجزء المشكوك.
وكيف كان، فتعلّق الأمر بالمركّب الذي هو أمر وجداني معلوم تفصيللاخفاء فيه، وعدم كون الأجزاء متعلّقة للأمر بوجه أيضا معلومة كذلك، إلأن ذلك الأمر المعلوم إنّما يكون حجّة بالنسبة إلى ما قامت الحجّة على انحلالالمركّب به، وأمّا ما لم يدلّ على جزئيّته له فلا يكون الأمر بالمركّب حجّةبالنسبة إليه ولا يحرّك العبد نحوه. ولسنا نقول بأن متعلّق الأمر معلوم إجمالاً،وهذا العلم الإجمالي ينحلّ إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ والشكّ البدويفي وجوب الأكثر، كيف؟ وقد عرفت أن متعلّق الأمر هو الأمر المركّب وتعلّقهبه معلوم تفصيلاً، والشكّ إنّما هو في أجزاء المركّب، وهي غيرمأمور بها أصلاً،سواء فيه الأقلّ والأكثر، غاية الأمر أنّ هذا الأمر لايكاد يدعو إلاّ إلى ما علمبتركيب المركّب منه، كما عرفت.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الحقّ جريان البراءة العقليّة.
إشكالات جريان البراءة العقليّة عن الأكثر ودفعه
ثمّ إنّ هنا إشكالات على ذلك لابدّ من ذكرها والجواب عنها، وهي:
الأوّل: أنّ دوران الأمر في باب الأقلّ والأكثر هو دوران بين المتباينين؛ لأنّالمركّب من الأقلّ الذي هو الأمر الوحداني الحاصل من ملاحظة أجزائه شيئ
(صفحه414)
واحدا يغاير المركّب من الأكثر الذي مرجعه إلى ملاحظة الوحدة بين أجزائه،فالمركّب من الأقلّ له صورة مغايرة للمركّب من الأكثر، فإذا دار الأمر بينهميجب الاحتياط بإتيان الأكثر.
ويظهر جواب هذا الإشكال ممّا ذكرنا، فإنّ المركّب من الأقلّ ليس لهصورة تغاير نفس الأجزاء المركّبة منه بحيث كان هنا أمران: الأجزاء التييتحصّل منها المركّب، والصورة الحاصلة منها، بل ليس هنا إلاّ أمر واحد وهونفس الأجزاء، ولذا ذكرنا أنّ الأمر يدعو إلى الأجزاء بعين دعوته إلى المركّب؛لعدم التغاير بينهما. وهكذا المركّب من الأكثر ليس له صورة مغايرة للأجزاء،بل هو نفسها، وحينئذ فلا يكون في البين إلاّ الأجزاء التي دار أمرها بين الأقلّوالأكثر، فالمقام لايكون من قبيل دوران الأمر بين المتباينين، مضافا إلى أنّه لوكان من ذلك القبيل لكان مقتضاه الجمع بين الإتيان بالمركّب من الأقلّ مرّةوبالمركّب من الأكثر اُخرى، ولا يجوز الاكتفاء بالثاني، كما أنّه لايجوز الاكتفاءبالأوّل.
الإشكال الثاني: ما نسب إلى المحقّق صاحب الحاشية ـ وإن كانت عبارتهلاتنطبق عليه، بل هي ظاهرة في وجه آخر سيأتي التعرّص له ـ من أن العلمبوجوب الأقلّ لاينحلّ به العلم الإجمالي؛ لتردّد وجوبه بين المتباينين، فإنّه لإشكال في مباينة الماهيّة بشرط شيء للماهيّة لابشرط؛ لأنّ أحدهما قسيمالآخر، فلو كان متعلّق التكليف هو الأقلّ فالتكليف به إنّما يكون لا بشرطعن الزيادة، ولو كان متعلّق التكليف هو الأكثر فالتكليف بالأقلّ إنّما يكونبشرط انضمامه مع الزيادة، فوجوب الأقلّ يكون مردّدا بين المتباينين باعتباراختلاف سنخي الوجوب الملحوظ لابشرط أو بشرط شيء. كما أنّ امتثالالتكليف المتعلّق بالأقلّ يختلف حسب اختلاف الوجوب المتعلّق به، فإنّ
(صفحه 415)
امتثاله إنّما يكون بانضمام الزائد إليه إذا كان التكليف به ملحوظا بشرط شيء،بخلاف ما إذا كان ملحوظا لا بشرط، فإنّه لايتوقّف امتثاله على انضمام الزائدإليه، فيرجع الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي إلى الشكّ بين المتباينين تكليفوامتثالاً(1). إنتهى.
ويرد عليه: أوّلاً: ما ذكرناه في ذيل الجواب عن الإشكال الأوّل: بأنّ لازمكونهما متباينين الجمع بين الإتيان بالمركّب من الأقلّ والمركّب من الأكثر، لالاكتفاء بالأكثر فقط.
وثانياً: أنّ الموصوف باللا بشرطيّة وبشرط الشيئيّة ليس إلاّ متعلّقالتكليف وهو الأقلّ، فإنّه على تقدير تعلّق التكليف به فقط يكون ملحوظلا بشرط، وعلى تقدير تعلّقه بالأكثر يكون ملحوظا بشرط شيء، وأمّالتكليف الذي هو عبارة عن البعث إلى المكلّف به أو الزجر عن المتعلّق فليكون موصوفا لهذين الوصفين.
ثمّ إنّ اتّصاف المتعلّق بهما أيضا محلّ نظر؛ لأنّ مركز البحث هو ما إذا كانالأقلّ والأكثر من قبيل الجزء والكلّ لا الشرط والمشروط، فالأكثر علىتقدير كونه متعلّقا للتكليف يكون بجميع أجزائه كذلك، لا أنّ المتعلّق هوالأقلّ بشرط الزيادة على أن يكون الزائد شرطا.
وثالثاً: أنّ مباينة ماهيّة بشرط شيء للماهيّة اللابشرط ممنوعة، فإنّ ميباين ماهيّة بشرط شيء هو الماهيّة اللابشرط القسمي ـ أي الماهيّة التيلوحظت مع عدم ملاحظة شيء معها، واعتبر معها عدم اللاشتراط بوجودشيء أو نفيه ـ وأمّا الماهيّة اللابشرط المقسمي ـ وهي الماهيّة بذاتها من دونلحاظ شيء معها حتّى لحاظ عدم لحاظ شيء الذي يحتاج إلى لحاظ آخر غير
- (1) هداية المسترشدين: 441.