(صفحه 395)
لايكون كاشفا فعليّا على تقدير كون النجس هو الطرف الآخر؛ لأنّه صارمكشوفا بالعلم الإجمالي الأوّل، وقد عرفت أنّه لايعقل عروض الكشف علىالكشف وتحقّقه مرّتين، كما أنّه لايكون هذا العلم الإجمالي مؤثّرا في التنجّزفعلاً بعد كونه مسبوقا بما أثّر فيه، وحينئذ فلا أثر له أصلاً، فالشكّ في نجاسةالملاقي ـ بالكسر ـ شكّ بدوي.
وأمّا إذا علم أوّلاً بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف، ثمّ حصل العلمبالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف، وأنّ منشأ العلم الإجماليبنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ هو العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فذهبالمحقّق الخراساني في الكفاية إلى عدم وجوب الاجتناب حينئذ عن الملاقىـ بالفتح ـ لأنّ حكم الملاقي في هذه الصورة حكم الملاقي في الصورة السابقةبلافرقٍ بينهما أصلاً، فكما أنّ الملاقي هناك لم يكن طرفا للعلم الإجماليبالنجاسة، كذلك الملاقي هنا لايكون طرفا له، كما هو المفروض.
وذهب أيضا إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ فيما إذا علمبالملاقاة، ثمّ حدث العلم الإجمالي، ولكن كان الملاقي خارجا عن محلّ الابتلاءفي حال حدوثه وصار مبتلى به بعده، وإلى وجوب الاجتناب عن الملاقيوالملاقى معا فيما لو حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة مستدلاًّ بقوله:ضرورة أنّه حينئذ نعلم إجمالاً إمّا بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر،فيتنجّز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين، وهو الواحد أو الاثنين(1).إنتهى.
أقول: والتحقيق أيضا يوافق هذا التفصيل؛ لما مرّ من الوجه في الصورةالاُولى، فإنّه بعد ما علم إجمالاً بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف صار
- (1) كفاية الاُصول 2: 227.
(صفحه396)
مقتضى هذا العلم تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب على أي تقدير، فلو كانالنجس هو الطرف لكان منكشفا بهذا العلم وتنجّز التكليف المتعلّق به بسببه،وبعد ذلك لا معنى لتأثير العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف؛ إذلايعقل الانكشاف مرّتين وتنجّز التكليف مرّة بعد اُخرى، كما لا يخفى.
فهذا العلم الإجمالي لايكون واجدا لشرط التأثير وهو التنجيز على أيّتقدير، فالشكّ في نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ شكّ بدوي كالملاقي في الصورةالسابقة.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الإشكال إنّما هو من ناحية الطرف لا الملاقي والملاقى:لعدم انكشافه مرّتين وتنجّز التكليف به كذلك، وحينئذ فلا وقع لما أوردهالمحقّق النائيني رحمهالله (1) على هذا التفصيل من أنّه لابدّ من ملاحظة حال المعلوموالمنكشف من حيث التقدّم والتأخّر بحسب الرتبة، وفي الصورة الثانية تكونرتبة العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف متقدّمة على العلمالإجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف وإن كان حدوثه متأخّرا عنحدوثه؛ لأنّ التكليف بالملاقى إنّما جاء من قبل التكليف بالملاقي.
وذلك ـ أي وجه عدم الورود ـ ما عرفت من أنّ الإشكال إنّما هو منناحية الطرف، لا من ناحية تقدّم أحد العلمين على الآخر حدوثا حتّى يوردعليه بما ذكر.
هذا، مضافا إلى أنّ هذا الإيراد فاسد من أصله، والمثال الذي ذكرهلايرتبط بالمقام أصلاً، حيث قال: «لو علم بوقوع قطرة من الدم في أحدالإنائين، ثمّ بعد ذلك علم بوقوع قطرة اُخرى من الدم في أحد هذين الإنائينأو في الإناء الثالث، ولكن ظرف وقوع القطرة المعلومة ثانيا أسبق من ظرف
- (1) فوائد الاُصول 4: 86 .
(صفحه 397)
وقوع القطرة المعلومة أوّلاً، فلا ينبغي التأمّل في أنّ العلم الإجمالي الثانييوجب انحلال الأوّل لسبق معلومه عليه»(1). إنتهى.
والإشكال عليه كما ذكره اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله يتّضح بعد ملاحظةأمرين: الأوّل: أنّ المنجّزيّة من آثار العلم بوجوده الخارجي؛ لأنّه ما لم يوجدفي الخارج لايؤثّر في التنجيز كما هو واضح.
الثاني: أنّ التقدّم والتأخّر إنّما هو من أوصاف العلمين عند العقل؛ ضرورةأنّ العلّة والمعلول متقارنان بحسب الوجود الخارجي، وتقدّمها عليه وتأخّرهعنها إنّما هو بحسب الرتبة وفي نظر العقل، ففي ظرف ثبوت وصف التقدّموالتأخّر لايكون العلم بمنجّز، وفي وعاء التنجيز لا معنى للتقدّم والتأخّر.
والمفروض في المقام في الصورة الثانية حدوث العلم الإجمالي بنجاسةالملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف قبل العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف،فهو ـ أي العلم ـ أوّلاً يؤثّر في التنجيز بمجرّد حدوثه؛ لأنّ التنجيز من آثاروجوده الخارجي كما عرفت، ومع التأثير في التنجيز لا مجال لتأثير العلمالإجمالي الثاني بعد عدم كونه واجدا لشرطه؛ لعدم إمكان التأثير بالنسبة إلىالطرف؛ لأنّه لو كان التكليف متعلّقا بهلتنجّز بالعلم الأوّل، ولا معنى للتنجّزمرّتين كما مرّ.
وأمّا وجه عدم ارتباط المثال بالمقام فهو أنّ في المثال بعد العلم الإجماليبوقوع القطرة في أحدهما أو في الإناء الثالث يعلم أنّ العلم الإجمالي الحادثأوّلاً لم يكن واجدا لشرط التنجيز؛ لأنّه لم يكن متعلّقا بالتكليف، لثبوته قبلهالمنكشف بالعلم الإجمالي الثاني.
وبالجملة، فالعلم الإجمالي الأوّل وإن كان حين حدوثه متعلّقا بالتكليف
- (1) فوائد الاُصول 4: 87 .
(صفحه398)
ومؤثّرا في تنجيزه بنظر العالم، إلاّ أنّه بعد استكشاف ثبوته قبله بالعلم الثانييعلم عدم تعلّقه بالتكليف وعدم كونه مؤثّرا في تنجيزه، كما لا يخفى. وهذبخلاف المقام؛ فإنّ العلمين حيث تعلّق أحدهما بوجوب الاجتناب عن الملاقيأو الطرف، والآخر بوجوب الاجتناب عن الملاقى أو الطرف لا إشكال فيتأثيرهما في تنجيز متعلّقهما من حيث هو.
نعم، قد عرفت الإشكال في تأثير العلم الثاني من ناحية الطرف لالمتلاقيين، فمن حيث التقدّم والتأخّر من جهة الرتبة لا إشكال في تأثيرهمأصلاً، كما لا يخفى.
فانقدح بذلك وقوع الفرق بين المثال والمقام، فإنّ هنا لايكون شيء منالعلمين فاقدا لشرط التأثير في التنجيز؛ لأنّ كلاًّ منهما تعلّق بتكليف فعليّ،والتقدّم والتأخّر من جهة الرتبة لايمنع من ذلك، وهناك لايكون العلم الإجماليالحادث أوّلاً متعلّقا بتكليف فعلي بحسب الواقع وإن كان كذلك بنظر العالم ملم يحدث له العلم الإجمالي الثاني(1).
وممّا ذكرنا يظهر الوجه في وجوب الاجتناب عن المتلاقيين والطرف فيالصورة الثالثة المفروضة في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله (2)؛ لأنّه علم إجمالبنجاستهما أو الطرف، ولم يكن هذا العلم مسبوقا بالعلم بنجاسة الملاقىـ بالفتح ـ أو الطرف حتّى لايجب الاجتناب عن الملاقي، ولا بالعلم بنجاسةالملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف حتّى لايجب الاجتناب عن الملاقى، بل حدث منحين حدوثه هكذا ـ أي مردّدا بين المتلاقيين والطرف ـ فيؤثّر في التنجيز علىأيّ تقدير، فافهم واغتنم.
- (1) معتمد الاُصول 2: 152 ـ 154.
- (2) كفاية الاُصول 2: 227.
(صفحه 399)
مقتضى الأصل الشرعي في صور الملاقاة
إلى هنا تمّ البحث في حكم العقل، وأمّا مقتضى الاُصول الشرعيّة فقد يقالـ كما قيل ـ بأنّه لا مانع من جريان أصالة الطهارة في الملاقي؛ لأنّ طهارة الملاقيونجاسته مسبّبة عن طهارة الملاقى ونجاسته، والأصل الجاري في السبب وإنكان حاكما على الأصل الجاري في المسبّب، إلاّ أنّه حيث لايجري الأصل فيالسبب؛ لأنّه يسقط بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر، فلا مانعمن جريان الأصل في المسبّب، فيكون الملاقي ـ بالكسر ـ محكوما شرعبالطهارة والحلّيّة.
هذا، ولا يخفى أنّه لم ترد آية ولا رواية على ما ذكروه من أنّ مع جريانالأصل في السبب لا مجال لجريانه في المسبّب، بل المستند في ذلك هو أنّه معجريان الأصل في السبب يرتفع الشكّ في ناحية المسبّب تعبّدا، ومع ارتفاعه فيعالم التشريع لا مجال لجريان الأصل فيه أيضا.
ولكن لا يخفى أنّ هذا لايتمّ بإطلاقه، بل إنّما يصحّ فيما إذا كان الشكّ فيناحية المسبّب في الأثر الشرعي المترتّب على السبب شرعا، كالشكّ في نجاسةالثوب المغسول بالماء المشكوك الكرّيّه، فإنّ مقتضى استصحاب الكرّيّة تحقّقموضوع الدليل الشرعي الذي يدلّ على أنّ الكرّ مطهّر مثلاً.
والسرّ في ذلك: أنّ معنى الاستصحاب الجاري في الموضوعات هو الحكمبإبقاء الموضوع تعبّدا في زمان الشكّ، وحيث إنّه لا معنى لذلك فيما لو لم يكنالموضوع مترتّبا عليه أثر شرعي فلابدّ من أن يكون الموضوع المستصحبموضوعا لأثر شرعي، ومن هنا يكون الاستصحاب الجاري في الموضوعاتحاكما على الأدلّة الواقعيّة لأنّه ينقّح به موضوعاتها، وتفصيل الكلام يأتي في