والجاهل بها، فإنّ العالم يجري استصحاب النجاسة فيكون نجسا بالإضافةإليه، والجاهل يجري أصالة الطهارة فلا يكون نجسا بالإضافة إليه، ولا يمكنالالتزام بهذا المعنى في الأحكام الواقعيّة.
أمّا ما ذهب إليه اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله من أنّ الخطابات الشرعيّةخطابات كلّيّة متوجّهة إلى عامّة المكلّفين، بحيث يكون الخطاب في كلّ واحدمنها واحدا والمخاطب متعدّدا حسب تعدّد المكلّفين، والمصحّح لهذا النوع منالخطاب العامّ إنّما هو ملاحظة حال نوع المخاطبين دون كلّ واحد منهم، فإنكانوا بحسب النوع قادرين بالقدرة العقليّة والعاديّة صحّ خطاب الجميعبخطاب واحد، ولا يكون عجز البعض عقلاً أو عادة موجبا لاستهجانالخطاب العامّ بعد عدم خصوصيّة مميّزة للعاجز، وهكذا بالنسبة إلى العاصيوالكافر، فإنّ المصحّح لتوجيه الخطاب العامّ الشامل للعاصي والكافر أيضإنّما هو احتمال التأثير بالنسبة إلى النوع وإن علم بعدم تأثيره بالنسبة إلى بعضالمخاطبين.
وبالجملة، لا وجه للقول بانحلال الخطابات الشرعيّة إلى خطابات متعدّدةحسب تعدّد المخاطبين المكلّفين، خصوصا بعد كون مقتضى ظواهرها هووحدة الخطاب وتعدّد المخاطب، فاللازم إبقاؤها على ظاهرها، وبه تندفعالإشكالات المتقدّمة، كما أنّه يظهر به الوجه في وجوب الاحتياط في صورة
الشكّ في القدرة الذي هو مورد للاتّفاق.
وإذا اتّضح ذلك تعرف أنه لو كان بعض الأطراف في الشبهة المحصورةخارجا عن محلّ الابتلاء غير مقدور بالقدرة العاديّة لا يكون ذلك موجبلعدم تنجّز التكليف المعلوم إجمالاً؛ لأنّ التكليف يكون ثابتا ولو كان متعلّقهخارجا عن محلّ الابتلاء؛ لأنّ الخروج عن محلّ ابتلاء بعض المكلّفينلايوجب استهجان الخطاب العامّ والتكليف بنحو العموم، بل الملاك فيالاستهجان ما عرفت من خروجه عن محلّ ابتلاء عامّة المكلّفين أو أكثرهم،وحينئذ فلابدّ من الاحتياط بترك ما هو محلّ للابتلاء أيضا. هذا مع العلمبالخروج.
وأمّا مع الشكّ في ذلك فالأمر أوضح إذا كان منشأ الشكّ هي الشبهةالحكميّة لا الشبهة الموضوعيّة، فإنّ الشكّ يتصوّر على وجهين:
الأوّل: أن تكون ماهيّة الابتلاء وعدمه وحدود مورد الابتلاء واضحة،ولكن لا نعلم أنّ الخمر المتحقّق ـ مثلاً ـ هل يكون داخلاً في الحدّ حتّى يكونموردا للابتلاء أو خارجا عنه حتّى يكون خارجا عن مورد الابتلاء، وهذهالشبهة موضوعيّة.
الثاني: أن تكون ماهيّة الابتلاء وعدمه مشكوكة من حيث المفهوم، وأنّالخمر المتحقّق في محلّ كذا خارج عن مورد الابتلاء أم لا؟ وهذه الشبهةحكميّة، وفعليّة التكليف وعدمها دائر مدار هذا القسم من الابتلاء وعدمه،وفي هذه الصورة يجب الاحتياط والاجتناب عمّا هو محلّ الابتلاء، وذكرالاُصوليّون أدلّة مختلفة له:
منها: ما ذكره المحقّق الحائري وهو: «أنّ البيان المصحّح للعقاب عند العقلـ وهو العلم بوجود مبغوض المولى بين اُمور ـ حاصل، وإن شكّ في الخطاب
(صفحه 371)
الفعلي من جهة الشكّ في حسن التكليف وعدمه.
وهذا المقدار يكفي حجّة عليه، نظير ما إذا شك في قدرته على إتيان المأموربه وعدمها بعد إحراز كون ذلك الفعل موافقا لغرض المولى ومطلوبا له ذاتا،وهل له أن لايقدم على الفعل بمجرّد الشكّ في الخطاب الفعلي الناشيء من الشكّفي قدرته؟ والحاصل: أنّ العقل بعد إحراز المطلوب الواقعي للمولى أومبغوضه لايري عذرا للعبد في ترك الامتثال»(1). إنتهى.
وجوابه: ـ بعد عدم صحّة تشبيه ما نحن فيه بالشبهة الموضوعيّة، أي الشكّفي القدرة العقليّة ـ أنّ طريق استكشاف غرض المولى عبارة عن تحقّقالتكليف والعلم به، والتكليف مشروط بالقدرة العاديّة، والشكّ في كون بعضالأطراف موردا للابتلاء وعدمه يرجع إلى الشكّ في التكليف الفعلي، فكيفيمكن إحراز غرض المولى، فلا يكون العلم بالغرض مع الشكّ في توجّهالتكليف الفعلي قابلاً للاجتماع، فلا يمكن إثبات وجوب الاحتياط بهذا الدليل.
ويستفاد من كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله استدلالاً مختصرا، وهو قوله: «وأمّلو شكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات»(2).
وكان للمحقّق النائيني رحمهالله في مقام توضيح كلام الشيخ بيان مفصّل، ونذكرههنا ملخّصا: لا إشكال في إطلاق ما دلّ على حرمة الخمر ـ مثلاً ـ وشمولهلصورتي الابتلاء وعدمه، والقدر الثابت من التقييد عقلاً هو ما إذا كان الخمرخارجا عن مورد الابتلاء بحيث يلزم استهجان النهي عنه بنظر العرف، فإذشكّ في استهجان النهي وعدمه لأجل الشكّ في إمكان الابتلاء وعدمهفالمرجع هو الإطلاق؛ لأنّ التخصيص بالمجمل مفهوما المردّد بين الأقلّ
- (2) فرائد الاُصول 2: 516.