(صفحه 151)
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى يوم القيامة، كما أنّ المراد منه هو الاجتماع الاختياريلا الاجتماع القهري والإجباري، كأنّه صلىاللهعليهوآله يقول: إنّ من عنايات الباري باُمّتيعصمة اتّفاق مجموع الاُمّة على الضلالة.
إذا عرفت هذا فنقول: كيف يصحّ الإجماع المدّعى على بيعة أبي بكر وأنيجعل أساساً للمذهب، مع أنّه ليس إلاّ اجتماع جمع من الصحابة من أهلالمدينة فقط ومخالفة جمع كثير منهم وعدم بيعتهم حتّى التحق رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالرفيق الأعلى وأخذت البيعة الإجباريّة من جميع المسلمين؟! فنفس هذهالرواية تدلّ على خلاف مقصودهم كما هو واضح.
على أنّه لا دليل لقول المتأخّرين من العامّة من كون الإجماع عبارة عناتّفاق أهل الحلّ والعقد، أو اتّفاق العلماء والمجتهدين، أو اتّفاق أهل المدينةونحو ذلك.
والإجماع المحصّل عند علمائنا الإماميّة لا يكون حجّة إلاّ إذا كشف كشفقطعيّاً عن قول المعصوم عليهالسلام ، وقد ذكر الأصحاب وجوهاً لكيفيّة استكشافقوله عليهالسلام :
الأوّل: أنّ منشأ القطع بقوله عليهالسلام هو الحسّ، كما إذا سمع قوله عليهالسلام في جملةجماعة لا يعرف أعيان بعضهم ويعلم إجمالاً بدخول المعصوم عليهالسلام فيهم،فيحصل له القطع بقوله عليهالسلام في أقوال المجمعين على سبيل القطع من دون أنيعرف بشخصه، ويعبّر عنه بالإجماع الدخولي، ولا يضرّ مخالفة معلوم النسببالإجماع، وهذه الطريقة كانت معروفة عند قدماء الأصحاب إلى زمان السيّدالمرتضى قدسسره .
وفيه: أنّ هذه الطريقة لا تتحقّق غالباً إلاّ لمن كان موجوداً في عصرالإمام عليهالسلام ، وأمّا حال الغيبة فلا، خصوصاً مسألة السماع عن نفس الإمام عليهالسلام .
(صفحه152)
الوجه الثاني: أن يكون منشأ القطع هو الحسّ أيضاً، وذلك للتشرّف عندحضرة الإمام الحجّة عليهالسلام وسماع الحكم منه مباشرةً، كما قد يحصل ذلك لبعضحملة أسرار الأئمّة عليهمالسلام فيظهر ما اطّلع عليه في مقام البيان بصورة الإجماع؛جمعاً بين امتثال الأمر بإظهار الحقّ والنهي عن إفشاء الرؤية.
وفيه: أنّ ترك ذكر منشأ الإجماع والتشرّف ممّن تشرّف بمحضره عليهالسلام يوجبمجهوليّة مستند الإجماع، ومعه يسقط عن درجة الاعتبار؛ إذ ليس لنا دليلقطعي للتشرّف، ومن الممكن أن يكون مستنده أمراً آخر، فلا أثر للإجماعالتشرّفي في مقام العمل.
الوجه الثالث: أن يكون منشأ القطع هو الحدس لا الحسّ، وذلك من جهةالملازمة العقليّة بين الإجماع وموافقة المعصوم عليهالسلام للمجمعين نظراً إلى قاعدةاللطف، فكما أنّ لزوم اللطف على اللّه في حقّ عباده اقتضى إرسال الرُّسلوإنزال الكتب ونصب الإمام في كلّ زمان لهداية الناس إلى السعادة وحفظالدين عن التحريف والزيادة، كذلك يقتضي لزوم إلقاء الخلاف من المعصوم عليهالسلام عند اجتماع الفقهاء والعلماء على الخطأ والباطل، وذلك بإلقاء الخلاف بينهم،فإجماعهم على حكم وعدم ردع الإمام عليهالسلام عنه بالمباشرة أو التسبيب يوجبالقطع بموافقته عليهالسلام لهم.
وهذا هو مااختاره شيخ الطائفة الطوسي قدسسره ونقل إشكالاً عن اُستاذه السيّدالمرتضى قدسسره بأنّ لزوم إلقاء الخلاف على الإمام عليهالسلام إنّما يكون فيما إذا لم تكنغيبة إمام العصر عليهالسلام مستندة إلى الاُمّة، وإلاّ لا دليل للزوم إلقاء الخلاف عليه.
وقال في مقام الجواب عنه: إنّه على فرض تماميّة هذا الكلام ليس لنا طريقلحجّية الإجماع.
وجوابه أوّلاً ـ بعد تحقّق الطريق لحجّية الإجماع كما سنذكره إن شاء اللّه ـ :
(صفحه 153)
أنّ عدم حجّية الإجماع ليس كعدم حجّية الكتاب والسنّة، ولايوجب تعطيلحكم من الأحكام، فإن لم يكن لنا دليل نقول بعدم حجّيته.
وثانياً: أنّ اللطف على تقدير تسليم وجوبه عليه سبحانه إنّما يقتضي إرسالالرسل وإنزال الكتب ونصب الإمام عليهالسلام وإيصال الأحكام إلى الناس، كمتحقّقت جميع هذه الاُمور، ولا دليل لوجوبه بالكيفيّة المذكورة على الإمام عليهالسلام حتّى نستكشف من عدم بيان الإمام موافقة نظره عليهالسلام .
الوجه الرابع: أن يكون منشأ الإجماع هو الحدس أيضاً، وذلك من باب أنّاتّفاقهم في مسألة يكشف عن وجود دليل معتبر استندوا فيها إليه، بعد عدمموافقة نظرهم للقاعدة والاُصول العمليّة، ولكن هذا الدليل لم يصل إلينا، وإللأخذنا به.
وفيه: أنّه كيف يمكن فقدان دليل معتبر استند إليه جميع الفقهاء، مع وجودالكتب الروائية الكثيرة؟!
على أنّه لا يستكشف من إجماعهم اعتبار الدليل عندنا أيضاً؛ إذ يمكناستنادهم إلى دليل لا نرى تماميّته واعتباره من حيث السند أو الدلالة،والشاهد عليه شهرة نجاسة ماء البئر عند المتقدّمين، وطهارته عند المتأخّرينبعد التأمّل في الروايات مثل قوله عليهالسلام : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء»(1).
الوجه الخامس: أن يكون منشأ القطع هو الحدس أيضاً، وذلك من جهةالملازمة العاديّة بين اتّفاق علماء الأعصار والأمصار ـ على اختلاف مبانيهم وبين رأي المعصوم عليهالسلام ، ومن المعلوم أنّ العادة تحكم بأنّ اتّفاق المرؤوسين علىأمر لا ينفك عن رضا الرئيس ورأيه.
واستشكل عليه المحقّق النائيني قدسسره (2) بأنّ اتّفاق المرؤوسين على أمر إن كان
- (1) الوسائل 1: 170، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1.
- (2) فوائد الاُصول 3: 150 ـ 151.
(صفحه154)
نشأ عن تواطئهم على ذلك كان لتوهّم الملازمة العاديّة بين إجماع المرؤوسينورضا الرئيس مجال، وأمّا إذا وقع الاتّفاق بلا تواطؤ منهم على ذلك فهو ممّا ليلازم عادةً رضا الرئيس، ولا يمكن دعوى الملازمة.
ولايخفى غرابة هذا الكلام، فإنّ إنكار الملازمة العاديّة في صورة التواطؤأولى منه في صورة عدم التواطؤ؛ إذ الاتّفاق مع عدم التواطؤ يكشف عنوجود ملاك وسبب في البين، وأمّا مع التواطؤ فيحتمل أن يكون الاتّفاقناشئاً عن أمر غير ما هو الواقع.
وكان لاُستاذنا السيّد المرحوم البروجردي قدسسره (1) هنا كلام جيّد، وهو: أنّالمسائل الفقهيّة على ثلاثة أقسام: قسم منها ما يعبّر عنها بالمسائل الفقهيّةالأصليّة كما نرى الإشارة إليها في بعض الروايات كقوله عليهالسلام : «إنّما علينا أننلقي الاُصول وعليكم التفريع».
وقسم منها: عبارة عن المسائل الفقهيّة الفرعية، وهي ما يستنبطه الفقيه منالإطلاقات والعمومات.
وقسم منها: ما يكون مبتنياً على المسائل العقليّة، مثل: الملازمة بين وجوبذي المقدّمة ووجوب المقدّمة.
ثمّ قال: إنّ الملازمة العاديّة المذكورة تكون قابلة للانطباق في المسائلالفقهيّة الأصليّة فقط، مثل: بطلان العول والتعصيب في مسألة الإرث، فيكوناتّفاق علماء الأعصار والأمصار كاشفاً عن رضا المعصوم عليهالسلام في مثل هذهالمسألة، فاتّصاف الإجماع بالحجّية يكون محدوداً في هذه المحدودة، بخلافالمسائل الفقهيّة الفرعيّة أو العقليّة؛ إذ لم يتحقّق من المعصوم عليهالسلام في هاتين
(صفحه 155)
المسألتين بيان أصلاً، فكيف يستكشف من الإجماع نظره عليهالسلام ؟!
وأمّا الإجماع المنقول فقد ينقل بالتواتر فهو ملحق بالإجماع المحصل، وقدينقل بالخبر الواحد كما إذا نقل العلاّمة الحلّي قدسسره الإجماع على حكم معيّن، وقدوقع البحث في حجّيته، بمعنى أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد هل يكونمشمولاً لأدلّة حجّية الخبر الواحد أم لا؟
ومن هنا كان المناسب تأخير هذا البحث عن مبحث حجّية الخبر الواحدلترتّبه عليه، ولكن تعرّضنا له في المقام تبعاً للعظام.
فنقول: إنّ أهمّ دليل على حجّية الخبر الواحد هو بناء العقلاء، ومن المعلومأنّ بناءهم لمّا كان دليلاً لبّياً فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منه، والقدر المتيقّنفي بنائهم على الأخذ بالخبر والعمل به فيما إذا كان مشتملاً على خصوصيّتين:
الاُولى: أن يكون إخباراً عن حسّ ومشاهدة، كالإخبار عن مجيء زيدمن السفر ونزول المطر، لا إخباراً عن حدس، إلاّ أن يكون الأمر الحدسيقريباً من الحسّ كالإخبار عن سخاوة زيد وشجاعته، وذلك لأنّ حجّية الخبرمتوقّفة على ثبوت أمرين: أحدهما: عدم تعمّد الكذب، والثاني: عدم الخطأ فيالنقل، والأوّل وإن كان مدفوعاً بعدالة المخبر أو وثاقته، سواء كان الخبر عنحسّ أو عن حدس، إلاّ أنّ احتمال الخطأ في النقل فيما إذا كان عن حدس فمّملا دافع له؛ إذ لم يثبت بناء من العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الخطأ فيالاُمور الحدسيّة، فأصالة عدم الخطأ التي استقرّ عليها بناء العقلاء إنّما تجري فيالاُمور الحسّية أو القريبة من الحسّ.
الثانية: أن يكون المنقول بالخبر أمراً متعارفاً حسب العادة كما في الأمثلةالسابقة، وأمّا الإخبار عن الاُمور الغريبة غير المتعارفة فلم يحرز استقراربنائهم على الأخذ به وإن كان عن حسّ، بل الظاهر عدم استقرار بنائهم على