أصالة الاشتغال
المقام الأوّل
في تردّد المكلّف به بين أمرين متباينين أو اُمور متباينة
وقبل الخوض في ذلك لابدّ من تقديم أمرين:
الأوّل: في ملاك حكم العقل لجريان قاعدة الاشتغال
إنّ تمام الملاك لجريان قاعدة الاشتغال التي يحكم بها العقل هو أن يكونالشكّ في المكلّف به مع العلم بأصل التكليف، وأن يكون الاحتياط ممكنا، وإذتحقّق هذان الأمران يحكم العقل بالاشتغال ووجوب الاحتياط، بلافرقٍ بينأن يكون التكليف المعلوم الذي شكّ في متعلّقه تكليفا وجوبيّا أو تحريميّا،وبلافرقٍ بين أن يكون التكليف المعلوم هو نوع التكليف ـ كما إذا علم بأنّهمكلّف بتكليف وجوبيّ بعد الزوال من يوم الجمعة وشكّ في أنّ الواجب هلهو صلاة الجمعة أو صلاة الظهر ـ أو جنس التكليف، كما إذا علم أنّه مكلّفبتكليف إلزامي، ولكنّه لايعلم هل هو وجوب هذا أو حرمة ذاك؟
وبلا فرق أيضا بين أن تكون الشبهة موضوعيّة والشكّ مستندا إلىالاشتباه في الاُمور الخارجيّة، كما في تردّد الخمر بين الإنائين، أو كانت الشبهةحكميّة منشؤها فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النّصين.
(صفحه332)
(صفحه 333)
الثاني: في إمكان الترخيص في أطراف العلم الإجمالي
إنّ تردّد المكلّف به قد يكون مع العلم الجازم بالتكليف الواقعي الفعلي،بحيث تعلّقت الإرادة الحتميّة من المولى بذلك، ففي مثل ذلك لافرق بين الشبهةالمحصورة وغيرها في عدم إمكان الترخيص ولو في بعض الأطراف؛ ضرورةمناقضة الترخيص ولو كذلك مع الإرادة الجدّيّة الواقعيّة، ولا يمكن اجتماعهما،فالمولى إذا أراد حفظ ولده جدّا بحيث لم يرض بقتله أصلاً كيف يمكن لهحينئذ أن يرخّص في قتل فرد مشتبه ولو كانت الشبهة غير محصورة، فضلعمّا إذا كانت الشبهة محصورة، سيّما إذا رخّص في جميع الأطراف؟!
والحاصل: أنّه لا شكّ في أنّ مع العلم بالتكليف الفعلي الواقعي الناشئ عنالإرادة الجدّيّة الحتميّة لايعقل الترخيص من المولى أصلاً، فتحرم مخالفتهالقطعيّة، كما أنّه يجب موافقته القطعيّة. ولا أظنّ أنّ أحدا يخالف في ذلك،ومخالفة العلمين المحقّقين الخوانساري والقمّي رحمهماالله في حرمة المخالفة القطعيّة إنّمهو في غير هذه الصورة؛ إذ وضوح ما ذكرنا بمكان لايظنّ معه أنّ أحدا منالعلماء يتوهّم المخالفة فضلاً عن مثل هذين العظيمين، وإن وقع الخلافوالاشتباه في بعض الكلمات.
وقد يكون تردّد المكلّف به مع العلم القطعي لا بالتكليف الفعلي الواقعي،بل بقيام حجّة معتبرة شرعيّة عليه، كشمول عموم أو إطلاق أو قيام أمارة