إنتهى ملخّصا.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة في كلامهغيرقابل للتصوّر، فإنّه كيف يمكن الجمع بين كون المعتبر في جعل ماهيّةالصلاة الركوع المتّصف بوصف الوحدة وبين كونه على نحو لابشرط من جهةالزيادة، فإنّه لو كان قيد الوحدة معتبرا لكان الركوع المعتبر بشرط لا منجهة الزيادة، فيرجع إلى الوجه الأوّل، وإن لم يكن كذلك فمرجعه إلى الوجهالثالث، فلا يكون الوجه الثاني وجها في حيالهما.
على أنّ مقتضى الوجه الثالث ليس كون الزائد أيضا داخلاً في المركّب؛ لأنّهلو فرض كون المعتبر في المركّب هي طبيعة الركوع بما هي هي لكان مقتضىذلك هو صيرورة الوجود الأوّل جزءاً، واتّصاف الوجود الثاني بالجزئيّةموقوف على اعتبار شيء آخر مع الطبيعة، والمفروض عدمه.
مضافا إلى أنّه لو كان الأمر مطابقا للاعتبار الثالث الذي تصوّر فيه الزيادةلايكون أيضا من الزيادة المكتوبة بما أنّها مكتوبة؛ لأنّ الزائد إن اتّصفبوصف الجزئيّة لايكون حينئذ زائدا على المكتوبة؛ وإن لم يتّصف به فلا يكونجزء، ولا يتحقّق زيادة الجزء بناء على ما ذكره في الأمر الأوّل من أنّه يعتبر
في صدق عنوان الزيادة كون الزائد من سنخ المزيد فيه، كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّه لايمكن تصوّر الزيادة الحقيقيّة أصلاً، بل المتصوّر منها إنّمهي الزيادة بنظر العرف، هذا بحسب الموضوع.
مقتضى الأصل في الزيادة
وأمّا الحكم المتعلّق بالزيادة فاعلم أنّ الأصل الأوّلي في الزيادة يقتضيعدم بطلان العمل بسببها، سواء كانت عمديّة أو سهويّة؛ لأنّ المعتبر في مقامالامثتال كون المأتي به مطابقا للمأمور به، والبطلان إنّما ينتزع من عدم تطابقهمعه، والمفروض أنّ الزيادة غير دخيلة في المأمور به.
نعم، يمكن الشكّ في اعتبار عدمهما في الواجب، وحينئذ يرجع إلى الشكّ فيالنقيصة، وقد مرّ حكمها.
وبالجملة، فالزيادة بما أنّها زيادة لاتوجب الفساد والبطلان بخلاف النقيصةالتي عرفت أنّ الأصل الأوّلي فيها هو الفساد والبطلان.
ثمّ إنّه ربّما يتمسّك لصحّة العمل مع الزيادة بالاستصحاب، وتقريره منوجوه:
أحدها: استصحاب عدم مانعيّة الزيادة وعدم كونها مضادّة للمأمور به،بتقريب أنّ ماهيّة الزائد قبل تحقّقها في الخارج لمتكن مانعة وقاطعة، وبعدوجودها فيه نشكّ في اتّصافها بهذا الوصف، فمقتضى الاستصحاب عدمه، وأنّالماهيّة الآن كما كانت قبل وجودها.
هذا، وقد عرفت فيما سبق غيرمرّة أنّ مثل هذا الاستصحاب لايجري بناءعلى ما هو التحقيق كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم التذكية في الحيوانونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضيّة المشكوكة مع القضيّة المتيقّنة؛ لأنّ القضيّة
(صفحه 479)
المتيقّنة هي السالبة الصادقة مع انتفاء الموضوع، وهي الآن متيقّنة أيضا،والقضيّة المشكوكة هي السالبة مع وجود الموضوع، وهي كانت في السابقأيضا مشكوكة، كما هو واضح.
ثانيها: استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة؛ لأنّها قبل إيجاد الزيادة لميقع المانع فيها، والآن نشكّ بسبب إيجاد الزيادة في وقوعه فيها، ومقتضىالاستصحاب العدم.
ولو نوقش في هذا الاستصحاب بتقريب أنّ عدم وقوع المانع في الصلاةلايثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها على المانع، والأثر إنّما يترتّب على ذلكلا على عدم وقوع المانع في الصلاة، نظير استصحاب العدالة لزيد، فإنّه لايثبتالموضوع للحكم الشرعي، وهو كون زيد عادلاً.
فيمكن الجواب عنه: بأنّا نستصحب الصلاة المتقيّدة بعدم وقوع المانع فيهلا مجرّد عدم وقوعه فيها، كما أنّه يستصحب في المثال كون زيد عادلاً، لعدالته حتّى يكون الأصل مثبتا.
هذا، ولكن يرد على هذا التقرير من الاستصحاب أنّه أخصّ من المدّعى؛لأنّ مورده ما إذا حدث ما يشكّ في مانعيّته في أثناء الصلاة، وأمّا لو كانمقارنا لها من أوّل الشروع فيها فلايجري؛ لعدم الحالة السابقة المتيقّنة، كما هوواضح.
ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفة بخلوّها عن المانع إنّما يتمّبناءً على أن يكون المانع عبارة عمّا يكون عدمه معتبرا في المأمور به، وأمّا لوكان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّا للمأمور به ومانعا عن تحقّقه، فليتمّ لأنّ استصحاب أحد الضدّين لايثبت عدم الضدّ الآخر، وكذا استصحابعدم المانع لايثبت وجود الضدّ الآخر الذي هو الصلاة.
(صفحه480)
ولكن لا يخفى أنّ المضادّة بين الحدث ـ مثلاً ـ وبين الصلاة التي هي مركّبةمن التكبير والقراءة ونحوهما من الأقوال والأفعال التي هي من الاُمورالتكوينيّة ممّا لانتصوّرها؛ لأنّ معنى المضادّة هو كون وجود أحد الضدّينمانعا عن تحقّق الضدّ الآخر كما في الاُمور التكوينيّة، فإنّ تحقّق الرطوبة مانععن تحقّق الإحراق. وهذا المعنى مفقود في مثل المقام؛ ضرورة أنّ الصلاة يمكنأن تحقّق مع الحدث وبدونه؛ لأنّها ليست إلاّ عبارة عن بعض الأقوالوالأفعال التي هي من الاُمور التكوينيّة، فعدم تحققّها مع الحدث لابدّ وأنيكون مستندا إلى ثبوت قيد في الصلاة تمنع تحقّقه معه، وإلاّ مع عدم تقيّدها بهلا مجال لعدم تحقّقها معه.
فمانعيّة الحدث ـ مثلاً ـ إنّما هي باعتبار كون الصلاة متقيّدة بعدمه، وإلاّ فليتصوّر أن يكون مانعا أصلاً، ولا يلزم من ذلك أن يكون العدم مؤثّرا حتّىيقال بأنّ الأعدام لاتكون مؤثّرا ولا متأثّرة؛ لأنّا لاندّعي تأثير العدم، بلنقول: إنّ المأمور به محدود بحدّ لايتحقّق إلاّ مع عدم المانع، ولا يترتّب عليهالأثر إلاّ معه.
ألاترى أنّه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء التي من جملتهمقدار خاصّ من السمّ، بحيث كان الزائد على ذلك المقدار موجبا لعدم تأثيرالمعجون، بل مهلكا، فالزائد على ذلك المقدار مانع عن تحقّقه، ومرجعه إلىكونه مقيّدا بعدمه، ومن الواضح أنّ المؤثّر في تحقّق المعجون ليس هو ذلكالمقدار مع عدم الزائد، بل ليس المؤثّر إلاّ ذلك المقدار الخاصّ، والزائد مضادّلتحقّقه من دون أن يكون عدمه مؤثّرا، كما هو واضح.
فانقدح أنّه لا ملازمة بين كون دائرة المأمور به مضيّقة ومحدودة بحدّلايتحقّق إلاّ مع عدم المانع وبين كون عدمه مؤثّرا في تحقّقه، كما لا يخفى.