(صفحه478)
في صدق عنوان الزيادة كون الزائد من سنخ المزيد فيه، كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّه لايمكن تصوّر الزيادة الحقيقيّة أصلاً، بل المتصوّر منها إنّمهي الزيادة بنظر العرف، هذا بحسب الموضوع.
مقتضى الأصل في الزيادة
وأمّا الحكم المتعلّق بالزيادة فاعلم أنّ الأصل الأوّلي في الزيادة يقتضيعدم بطلان العمل بسببها، سواء كانت عمديّة أو سهويّة؛ لأنّ المعتبر في مقامالامثتال كون المأتي به مطابقا للمأمور به، والبطلان إنّما ينتزع من عدم تطابقهمعه، والمفروض أنّ الزيادة غير دخيلة في المأمور به.
نعم، يمكن الشكّ في اعتبار عدمهما في الواجب، وحينئذ يرجع إلى الشكّ فيالنقيصة، وقد مرّ حكمها.
وبالجملة، فالزيادة بما أنّها زيادة لاتوجب الفساد والبطلان بخلاف النقيصةالتي عرفت أنّ الأصل الأوّلي فيها هو الفساد والبطلان.
ثمّ إنّه ربّما يتمسّك لصحّة العمل مع الزيادة بالاستصحاب، وتقريره منوجوه:
أحدها: استصحاب عدم مانعيّة الزيادة وعدم كونها مضادّة للمأمور به،بتقريب أنّ ماهيّة الزائد قبل تحقّقها في الخارج لمتكن مانعة وقاطعة، وبعدوجودها فيه نشكّ في اتّصافها بهذا الوصف، فمقتضى الاستصحاب عدمه، وأنّالماهيّة الآن كما كانت قبل وجودها.
هذا، وقد عرفت فيما سبق غيرمرّة أنّ مثل هذا الاستصحاب لايجري بناءعلى ما هو التحقيق كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم التذكية في الحيوانونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضيّة المشكوكة مع القضيّة المتيقّنة؛ لأنّ القضيّة
(صفحه 479)
المتيقّنة هي السالبة الصادقة مع انتفاء الموضوع، وهي الآن متيقّنة أيضا،والقضيّة المشكوكة هي السالبة مع وجود الموضوع، وهي كانت في السابقأيضا مشكوكة، كما هو واضح.
ثانيها: استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة؛ لأنّها قبل إيجاد الزيادة لميقع المانع فيها، والآن نشكّ بسبب إيجاد الزيادة في وقوعه فيها، ومقتضىالاستصحاب العدم.
ولو نوقش في هذا الاستصحاب بتقريب أنّ عدم وقوع المانع في الصلاةلايثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها على المانع، والأثر إنّما يترتّب على ذلكلا على عدم وقوع المانع في الصلاة، نظير استصحاب العدالة لزيد، فإنّه لايثبتالموضوع للحكم الشرعي، وهو كون زيد عادلاً.
فيمكن الجواب عنه: بأنّا نستصحب الصلاة المتقيّدة بعدم وقوع المانع فيهلا مجرّد عدم وقوعه فيها، كما أنّه يستصحب في المثال كون زيد عادلاً، لعدالته حتّى يكون الأصل مثبتا.
هذا، ولكن يرد على هذا التقرير من الاستصحاب أنّه أخصّ من المدّعى؛لأنّ مورده ما إذا حدث ما يشكّ في مانعيّته في أثناء الصلاة، وأمّا لو كانمقارنا لها من أوّل الشروع فيها فلايجري؛ لعدم الحالة السابقة المتيقّنة، كما هوواضح.
ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفة بخلوّها عن المانع إنّما يتمّبناءً على أن يكون المانع عبارة عمّا يكون عدمه معتبرا في المأمور به، وأمّا لوكان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّا للمأمور به ومانعا عن تحقّقه، فليتمّ لأنّ استصحاب أحد الضدّين لايثبت عدم الضدّ الآخر، وكذا استصحابعدم المانع لايثبت وجود الضدّ الآخر الذي هو الصلاة.
(صفحه480)
ولكن لا يخفى أنّ المضادّة بين الحدث ـ مثلاً ـ وبين الصلاة التي هي مركّبةمن التكبير والقراءة ونحوهما من الأقوال والأفعال التي هي من الاُمورالتكوينيّة ممّا لانتصوّرها؛ لأنّ معنى المضادّة هو كون وجود أحد الضدّينمانعا عن تحقّق الضدّ الآخر كما في الاُمور التكوينيّة، فإنّ تحقّق الرطوبة مانععن تحقّق الإحراق. وهذا المعنى مفقود في مثل المقام؛ ضرورة أنّ الصلاة يمكنأن تحقّق مع الحدث وبدونه؛ لأنّها ليست إلاّ عبارة عن بعض الأقوالوالأفعال التي هي من الاُمور التكوينيّة، فعدم تحققّها مع الحدث لابدّ وأنيكون مستندا إلى ثبوت قيد في الصلاة تمنع تحقّقه معه، وإلاّ مع عدم تقيّدها بهلا مجال لعدم تحقّقها معه.
فمانعيّة الحدث ـ مثلاً ـ إنّما هي باعتبار كون الصلاة متقيّدة بعدمه، وإلاّ فليتصوّر أن يكون مانعا أصلاً، ولا يلزم من ذلك أن يكون العدم مؤثّرا حتّىيقال بأنّ الأعدام لاتكون مؤثّرا ولا متأثّرة؛ لأنّا لاندّعي تأثير العدم، بلنقول: إنّ المأمور به محدود بحدّ لايتحقّق إلاّ مع عدم المانع، ولا يترتّب عليهالأثر إلاّ معه.
ألاترى أنّه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء التي من جملتهمقدار خاصّ من السمّ، بحيث كان الزائد على ذلك المقدار موجبا لعدم تأثيرالمعجون، بل مهلكا، فالزائد على ذلك المقدار مانع عن تحقّقه، ومرجعه إلىكونه مقيّدا بعدمه، ومن الواضح أنّ المؤثّر في تحقّق المعجون ليس هو ذلكالمقدار مع عدم الزائد، بل ليس المؤثّر إلاّ ذلك المقدار الخاصّ، والزائد مضادّلتحقّقه من دون أن يكون عدمه مؤثّرا، كما هو واضح.
فانقدح أنّه لا ملازمة بين كون دائرة المأمور به مضيّقة ومحدودة بحدّلايتحقّق إلاّ مع عدم المانع وبين كون عدمه مؤثّرا في تحقّقه، كما لا يخفى.
(صفحه 481)
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه بناءً على كون المانع عبارة عمّا يكون وجودهمضادّا للممنوع ومانعا من تحقّقه، لا مانع من جريان استصحاب الصلاة؛لأنّها متقيّدة بعدمها وهذا المقيّد كان موجودا، وبعد الإتيان بما يشكّ فيمانعيّته نشكّ في بقائه، والأصل يقتضي البقاء ولا يكون الأصل مثبتا.
ومن هنا يظهر أنّه لا مانع من استصحاب الهيئة الاتّصاليّة مع الشكّ فيقاطعيّة الأمر الموجود؛ إذ مرجع القاطعيّة إلى تقيّد الهيئة الاتّصاليّة بعدمالقاطع، وإلاّ فلو فرض عدم التقيّد فلا وجه لكونه قاطعا لها، وحينئذفيستصحب هذا الأمر المقيّد.
نعم، بناءً على القول بعدم رجوع المانع إلى تقييد في الممنوع بعدمه لا مجالللاستصحاب؛ لأنّ استصحاب عدم الضدّ لايثبت وجود الضدّ الآخر، وكذالعكس.
ثالثها: استصحاب الصحّة التأهّليّة للأجزاء السابقة، بتقريب أنّ الأجزاءالسابقة كانت صحيحة تأهّلاً، وقابلة للحوق الأجزاء الاُخرى بها، وبعد تحقّقما يشكّ في مانعيّته نشكّ في بقاء صحّتها وقابليّتها، فمقتضي الاستصحاببقاؤها.
وأورد على هذا التقرير الشيخ رحمهالله في الرسائل بأنّ المستصحب إن كان صحّةمجموع الصلاة فلمتتحقّق بعد، وإن كان صحّة الأجزاء السابقة فهي غيرمجدية؛لأنّ صحّة تلك الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها، وإمّا ترتّبالأثر عليها، والمراد بالأمر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّة مع باقيالأجزاء والشرائط، ولا يخفى أنّ الصحّة بكلا المعنيين ثابتة للأجزاء السابقة؛لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر المتعلّق بها لاتنقلب عمّا وقعت عليه، وهي بعدوقوعها على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ، فعدم
(صفحه482)
حصوله لعدم انضمام تمام مايعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء لا يخلّ بصحّتها(1).إنتهى.
والإنصاف أنّه بيان جيّد وعلمي ولكن يمكن دفعه بأنّه لا دليل على كونإيجاد المانع في الصلاة مانعا عن قابليّة لحوق الأجزاء اللاحقة بالسابقةمن دون أن يكون تأثير في الأجزاء السابقة أيضا، بل يمكن أن يقال: بأنّالمانع كما يخرج الأجزاء اللاحقة عن اللحوق إلى السابقة، كذلك يخرج الأجزاءالسابقة عن قابليّة اللحوق بها، فالمانع كالقاطع للحبل الرابط بين أجزاءالسبحة يمنع عن القابليّة في جميع الأجزاء.
وحينئذ فمع تحقّق مايشكّ في مانعيّته لا مانع من استصحاب التأهّليّة الثابتةللأجزاء السابقة قبل وجوده يقينا، فتدبّر.
فمقتضى الأصل الأوّلي في باب الزيادة عدم البطلان، وهكذا مقتضىالاستصحاب أيضا أنّ الزيادة لاتوجب بطلان المأمور به.
المقام الرابع: فيما تقتضيه القواعد الثانويّة في الزيادة والنقيصة
قد عرفت: أنّ مقتضى الأصل العقلي في باب النقيصة هو البطلان، وفي بابالزيادة هو العدم، إلاّ أنّه قد ورد في الزيادة في خصوص الصلاة رواياتظاهرة في أنّها توجب الإعادة، وبإزائها حديث «لاتعاد» الدالّ على أنّ الصلاةلاتعاد من غير الاُمور الخمسة المذكورة في عقد المستثنى، فلابدّ أوّلاً من بيانمدلول روايات الزيادة الدالّة على وجوب الإعادة، ثمّ بيان مدلول حديث«لاتعاد» ثمّ ملاحظة النسبة بينهما، كلّ ذلك على سبيل الإجمال، والتفصيل فيمحلّه.
- (1) فرائد الاُصول 2: 488.