(صفحه238)
والمصحّح لهذا الإسناد هو رفع جميع الآثار.
وعلى هذا لا يكون معنى عموميّة فقرة «ما لا يعلمون» للشبهاتالموضوعيّة والحكميّة بحيث يكون المستعمل فيه الشبهة الحكميّة والموضوعيّة،بل هو عبارة عن معنى المبهم الموصولي، وإسناد الرفع إلى نفس هذا العنوانمجازي، ولايكون «ما لا يعلمون» بهذا المعنى مرفوعاً حقيقة، فيصحّالاستدلال بهذه الفقرة في باب البراءة.
هذا تمام الكلام في المقام الثاني.
وأمّا المقام الثالث: ففي البحث عن الفقرات الاُخرى، والبحث عنها يقع فيجهات:
الاُولى: أنّ مقتضى الجمود على ظاهر الحديث هو تعلّق الرفع بنفس الخطوالنسيان بلحاظ آثارهما لا بما أخطأ وما نسي، ولكنّ مقتضى التحقيق هوتعلّق الرفع بما أخطأوا وما نسوا، كما هو الحال في بقية الفقرات من تعلّق الرفعفيها بالموصول، والدليل على ذلك اُمور:
الأوّل: ما ذكرناه سابقاً في المقام الأوّل من أنّ الحكم الثابت للشيءبالعناوين المذكورة لا يرفع بحديث الرفع، فلا يرفع وجوب سجدتي السهوالمترتّب على نسيان السجدة في الصلاة، ولا وجوب الدية المترتّب على قتلالخطأ، فلابدّ من تعلّق الرفع بما أخطأوا وما نسوا.
الأمر الثاني: ما مرّ في خبر البزنطي من قول رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «رفع عن اُمّتيما اُكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما أخطأوا»، فالتصريح بما أخطأوا يبيّن لنا أنّالمراد من الخطأ والنسيان في حديث الرفع كذلك؛ لأنّ الأخبار يفسّر بعضهبعضاً كما هو واضح.
الأمر الثالث: استدلال الفقهاء على صحّة الصلاة المنسيّة فيها السجدة أو
(صفحه 239)
التشهّد بتطبيق الرفع على السجدة المنسيّة والتشهّد المنسي.
الجهة الثانية: في البحث عن فقرة «ما نسوا» فنقول: إنّ النسيان قد يتعلّقبالجزئيّة والشرطيّة، فيكون مساوقاً لنسيان الحكم الكلّي التكليفي؛ لأنّالجزئيّة والشرطيّة من الأحكام الوضعيّة، وقد يتعلّق بنفس الجزء والشرطمع العلم بحكمهما، فيكون مساوقاً لنسيان الموضوع.
أمّا الأوّل فلا شكّ في صحّة العبادة الفاقدة للجزء أو الشرط؛ لحديثالرفع، وذلك لحكومة حديث الرفع على أدلّة الأجزاء والشرائط، فيختصّوجوبهما بغير صورة النسيان، ومع الإتيان بالفاقد لهما يسقط التكليف ويكونمجزيّاً، وذلك لوحدة الأمر وانطباق عنوان المأمور به على الفاقد والواجد معاً.
توضيح ذلك: أنّ في مثل الصلاة يوجد أمر واحد قد تعلّق بعنوان الصلاة،كما في قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَوةَ»، ومن الواضح أنّه يشترك في هذا الأمرالحاضر والمسافر، والعالم والجاهل، والذاكر والناسي، وهكذا، وقد دلّت أدلّةالأجزاء والشرائط على جزئيّة اُمور أو شرطيّتها في الصلاة في جميع تلكالحالات، فيجب الإتيان بها في أيّ حال من الأحوال، إلاّ أنّه لمّا كان هناكملاك أقوى عند الجهل والنسيان حكم الشارع برفعها، فتكون النتيجة عدموجوب الأجزاء والشرائط عند عروض الجهل والنسيان، وهذا هو معنىالحكومة.
وأمّا الإجزاء وسقوط التكليف بالمأتي به الفاقد للجزء والشرط فلأنّالأجزاء والشرائط ليست واجبة بالوجوب الغيري أو الضمني كما هوالمشهور، بل هي واجبة بنفس الوجوب المتعلّق بالكلّ، أي الصلاة؛ إذ ليسالكلّ إلاّ نفس الأجزاء والشرائط، فالأمر الواحد المتعلّق بالصلاة يدعو إلىكلّ جزء وشرط بنفس دعوته إلى الصلاة بتمامها.
(صفحه240)
ومن الواضح أنّ عنوان الصلاة مقول بالتشكيك، فيطلق على الفرد الواجدلهما والفرد الفاقد لهما، وعليه فإذا دلّ حديث الرفع في ظرف النسيان علىسقوط بعض الأجزاء أو الشرائط فستبقى داعوية الأمر إلى الباقي على حالها،وبامتثال الأمر بعد انطباق عنوان الصلاة على المأتي به يتمّ الامتثال ويسقطالأمر، وهذا هو معنى الإجزاء.
وأمّا الثاني فلا مانع أيضاً من التمسّك بحديث الرفع لتصحيح العبادة؛ إذ معتعلّق الرفع بنفس ذات الجزء أو الشرط بما لهما من الآثار يكون المأمور به فيحقّ الناسي المركّب الفاقد للجزء والشرط لا الواجد لهما، ومع الإتيان بهيسقط التكليف ويكون مجزياً كما شرحناه.
ومن الواضح أنّ القول بحكومة حديث الرفع على أدلّة الأجزاء والشرائطفي خصوص حال نسيان الحكم من الجزئيّة والشرطيّة، وعدم حكومته عليهفي حال نسيان الموضوع من الجزء والشرط تحكّم محض بعدما كان الرفعمتعلّقاً بعنوان «ما نسوا»، وهو يشمل نسيان الحكم والموضوع معاً.
لايقال: إنّه مع نسيان أصل الجزء أو الشرط لا ترتفع جزئيّة الجزءوشرطيّة الشرط بالنسبة إلى المركّب الفاقد لهما؛ إذ المفروض أنّ المكلّف عالمبالجزئيّة والشرطيّة وإنّما نسي الموضوع، ولا معنى للرفع مع العلم، ومع عدمارتفاع الجزئيّة والشرطيّة لا يكون المركّب الفاقد لهما مصداقاً للمأمور به، وليكون امتثاله مسقطاً للتكليف ومجزياً عنه.
فإنّه يقال: إنّ مرجع رفع الجزء إلى رفع جميع آثاره الشرعيّة التي منهالجزئيّة، كما أنّ مرجع رفع الشرط إلى رفع شرطيّته بالنسبة إلى المركّب، كمأنّ الحرمة تكون أثراً شرعيّاً مجعولاً لشرب الخمر، وترتفع عمّن شربه نسيانمع العلم بحرمته، وعليه فيكون المركّب الفاقد لهما تمام المأمور به، وبإتيان م
(صفحه 241)
هو تمام المأمور به يسقط الأمر.
لا يقال: إنّه إنّما تصحّ عبادة الناسي ويكون المركّب الفاقد لهما تمام المأمور بهفي حقّه فيما إذا أمكن تخصيص الناسي بالخطاب، وأمّا مع عدم إمكانه لانقلابالناسي ذاكراً فلا يمكن تصحيح عبادته.
لأنّه يقال: إنّ تكليف الناسي بالباقي لا يحتاج إلى خطاب خاصّ حتّى يلزمالمحذور من انقلاب الموضوع، وإنّما يكفي في ذلك الخطاب العامّ من قوله تعالى:«أَقِمِ الصَّلَوةَ»، فإنّ هذا الأمر الواحد كما يكون باعثاً نحو الصلاة للذاكريكون باعثاً للناسي أيضاً، فإنّ الذاكر والناسي إنّما يقصدان بقيامهما وقعودهمامتثال ذلك الأمر الوحداني.
نعم، غاية الأمر أنّه يلزم على الذاكر إيجاد الطبيعة في ضمن الفرد الكاملالمشتمل على تمام الأجزاء والشرائط،وعلى الناسي إيجادها في ضمن الفردالناقص الفاقد لهما، وذلك لرفع جزئيّة الجزء وشرطيّة الشرط في حقّه بحديثالرفع.
فقد تحصّل ممّا ذكرناه صحّة العبادة الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائطنسياناً بحديث الرفع، سواء كان المنسي نفس الحكم أو الموضوع.
ولكنّ المحقّق النائيني قدسسره (1) ذهب إلى عدم إمكان تصحيح العبادة الفاقدةللجزء أو الشرط بحديث الرفع، وذلك لوجوه:
الأوّل: أنّ الرفع إنّما يتوجّه على الموجود فيجعله معدوماً، ويلزمه ترتيبآثار العدم على المرفوع، ومن الواضح أنّ السورة المنسيّة في الصلاة ـ مثلاً ـ لمجال لورود الرفع عليها، وذلك لخلوّ صفحة الوجود عنها.
وفيه: أوّلاً: أنّ حديث الرفع لا يختصّ بالاُمور الوجوديّة، بل يشمل الاُمور
- (1) فوائد الاُصول 3: 353.
(صفحه242)
العدميّة أيضاً كما مرّ تحقيقه، مع أنّه ينافي ما ذكره من كون الرفع بمعنى الدفعوعدم الفرق بينهما.
وثانياً: أنّ متعلّق الرفع على ما ذكرناه هو «ما نسوا»، أي الجزء المنسي بما لهمن الآثار، وهو أمر وجودي، وليس متعلّق الرفع ترك الجزء حتّى يكون أمرعدميّاً.
الوجه الثاني: أنّ الأثر المترتّب على السورة هو الإجزاء وصحّة العبادة،وهما ليسا من الآثار الشرعيّة التي تقبل الوضع والرفع، بل هما من الآثارالعقليّة.
وفيه: صحيح أنّ الإجزاء والصحّة من الآثار العقليّة إلاّ أنّ الأثر المترتّبعلى الجزء والشرط إنّما هو الجزئيّة والشرطيّة، وهي ممّا تنالها يد الجعل نفيوإثباتاً باعتبار منشأ انتزاعها.
الوجه الثالث: أنّ رفع السورة بلحاظ الصحّة والإجزاء يقتضي عدمالإجزاء وفساد العبادة، وهذا ينافي الامتنان وينتج عكس المقصود، فإنّالمقصود من التمسّك بحديث الرفع تصحيح العبادة لا إفسادها.
وفيه: أنّ التمسّك بحديث الرفع لا ينتج عكس المقصود، بعدما عرفت منأنّ ما هو متعلّق الرفع هو نفس الجزء والشرط بما لهما من الآثار التي منهالجزئيّة والشرطيّة، ومرجع رفعهما إلى أنّ تمام المأمور به في حقّ الناسي هوالمركّب الفاقد لهما، وبإتيانه يتمّ الإجزاء ويسقط التكليف وتكون العبادةصحيحة.
الوجه الرابع: لا شكّ في أنّ ترك الركن نسياناً يوجب بطلان الصلاة، فلوكان المدرك في صحّة الصلاة الفاقدة للجزء أو الشرط نسياناً حديث الرفعكان اللازم صحّة الصلاة بمجرّد نسيان الجزء أو الشرط مطلقاً، من غير فرق