(صفحه356)
الأمر الأوّل: تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيّات
لو كان أطراف العلم الإجمالي ممّا يوجد تدريجا، كما إذا صار عالما إمّبوجوب أداء الدَّين فعلاً بنحو الواجب المنجّز، وإمّا بوجوب الحجّ في موسمهبنحو الواجب المعلّق، فهل يجب الاحتياط أيضا بالإتيان بجميعها في الشبهاتالوجوبيّة وبترك الجميع في الشبهات التحريميّة، أم لا؟
ويستفاد من كلام صاحب الكفاية رحمهالله انحصار تدريجيّة الأطراف بدورانالأمر بين المعلّق والمنجّز فقط، وقال: «إنّه لو علم فعليّة التكليف ولو كان بينأطراف تدريجيّة لكان منجّزا ووجب موافقته، فإنّ التدرّج لايمنع عن الفعليّة؛ضرورة أنّه كما يصحّ التكليف بأمر حالي كذلك يصحّ بأمر استقبالي، كالحجّفي الموسم للمستطيع»(1).
ولكن يمكن إضافة مورد آخر إليه أيضا، وهو دوران الأمر بين الواجبالمطلق والمشروط؛ إذ التكليف في الواجب المطلق فعلي وفي الواجب المشروطاستقبالي، فإنّ القيد والشرط في مثل قولنا: «إن جاءك زيد فاكرمه» يرجع إلىمفاد الهيئة، لا إلى مادّة الإكرام، فوجوب الإكرام معلّق على مجيء زيد عندالمشهور، بخلاف ما اختاره الشيخ الأنصاري رحمهالله فلا يكون قبل تحقّق الشرطهناك تكليف.
- (1) كفاية الاُصول 2: 215.
(صفحه 357)
فإذا علمنا بأنّه إمّا هذا الشيء واجب بنحو الواجب المطلق، وإمّا ذاكالشيء بنحو الواجب المشروط، فالظاهر وجوب الاحتياط هنا أيضا؛ لأنّالتكليف ولو كان مشروطا بأمر استقبالي بحيث لميكن متحقّقا قبل تحقّقالشرط، كما هو الشأن في جميع الواجبات المشروطة، إلاّ أنّه لو فرض كونهمعلوما بالتفصيل لكان اللازم على المكلّف الإتيان بمقدّمات المكلّف به التيلايقدر عليها بعد ثبوت التكليف، ولا يكون المكلّف معذورا لو لميفعلها؛ نظرإلى أنّ التكليف لم يكن ثابتا قبل تحقّق الشرط، فكيف يجب على المكلّفتحصيل مقدّماته؟ وبعده وإن تحقّق التكليف إلاّ أنّه معذور في المخالفة لأجلعدم القدرة على فعل متعلّقه؛ لأنّ المفروض عدم القدرة على المقدّمات بعدتحقّق الشرط.
ووجه عدم المعذوريّة: أنّ العقل يحكم بلزوم تحصيل هذه المقدّمات معالعلم بعدم القدرة عليها بعد ثبوت التكليف وإن لميكن التكليف متحقّقا بعد،فإذا كان الأمر كذلك فيما لو كان الواجب المشروط معلوما بالتفصيل فكيف إذدار الأمر بين كون الوجوب مطلقا أو مشروطا؟
وبالجملة، لاينبغي الإشكال في وجوب الاحتياط في التدريجيّات من دونفرق بين أن يكون الأمر دائرا بين المعلّق والمنجّز، وبين أن يكون دائرا بينالمطلق والمشروط.
أمّا في الأوّل فواضح بعد ما عرفت من كون التكليف في الواجب المعلّقيكون ثابتا قبل وجود المعلّق عليه أيضا، فهو عالم إجمالاً بتعلّق تكليف فعليحالي، غاية الأمر أنّ المكلّف به مردّد بين أن يكون حاليّا أو استقباليّا، والعقليحكم بلزوم الاحتياط؛ لعدم الفرق بينه وبين ما هو متحقّق بالفعل.
وأمّا في الثاني فلما عرفت من أنّ حكم العقل بلزوم تحصيل غرض المولى
(صفحه358)
لايتوقّف على صدور أمر فعلي من ناحيته، بل يحكم بذلك ولو كان التكليفاستقباليّا، بل قد عرفت في بعض المباحث السابقة أنّ العقل يحكم بلزومتحصيل الغرض ولو لميكن في البين أمر أصلاً، كما لا يخفى.
(صفحه 359)
(صفحه360)
الأمر الثاني: حكم الاضطرار إلى أحد أطراف العلم الإجمالي
لو اضطرّ بالترك في الشبهات الوجوبيّة أو بالارتكاب في الشبهاتالتحريميّة إلى أحد الأطراف، فتارة يكون الاضطرار إلى طرف معيّن، واُخرىيكون إلى غيرمعيّن، وعلى التقديرين قد يكون الاضطرار قبل تعلّق التكليفوالعلم به، وقد يكون بعدهما، وقد يكون بعد واحد منهما وقبل الآخر، وقديكون مقارنا لهما أو لأحدهما، فههنا صور:
فنقول: أمّا لو كان الاضطرار إلى طرف معيّن وكان الاضطرار قبل تعلّقالتكليف أو بعده وقبل العلم به، فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الطرفالآخر أيضا، سواء قلنا بأنّ الاضطرار من حدود التكليف وقيوده بحيثلايكون فعليّا مع الاضطرار ويكون مشروطا بعدمه، أو قلنا بأنّ الاضطراروكذا سائر الأعذار أعذار عقليّة والتكليف ثابت فعليّ مطلقا، غاية الأمر أنّهلايصحّ للمولى الاحتجاج به مع وجود مثل الجهل والعجز والاضطرارونحوها من الأعذار، كما اختاره اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله ، وقد مرّ تحقيقه فيمواضع متعدّدة، ويأتي أيضا فيما بعد إن شاء اللّه.
أمّا على القول الأوّل فلأنّه يشترط في منجّزيّة العلم الإجمالي أن يكونمتعلّقه التكليف الفعلي الثابت على أيّ تقدير، بحيث لو تبدّل إلى العلمالتفصيلي بثبوته في كلّ واحد من الأطراف لكان منجّزا، وهنا ليس كذلك؛