(صفحه408)
النزاع؛ لأنّ الطبيعي باعتبار قابليّته للانطباق على حصّة اُخرى منه المبائنةللحصّة المتحقّقة في ضمن زيد لايكون محفوظا بمعناه الإطلاقي في ضمنالأكثر، فيدخل في التعيين والتخيير الراجع إلى المتباينين(1).
ففيه أنّه لا فرق بين الطبيعي والحصّة وبين الجنس والنوع، فإنّ الملاك فيالجميع هو كون الأقلّ القدر المشترك مأخوذا في التكليف على أيّ تقدير،وهذا الملاك موجود في الطبيعي والحصّة.
نعم، المثال الذي ذكره ـ وهو الإنسان وزيد ـ خارج عن موضوع البحث،كما أنّ أخذ النوع لو كان بعنوان واحد يكون أيضا خارجا، كما إذا دار الأمربين إطعام الحيوان أو إطعام الإنسان؛ لعدم كون الأقلّ ـ أي الإنسان وهكذزيد ـ مأخوذا في التكليف على أيّ تقدير.
نعم، لوكان بنحو أخذ الجنس أيضا يكون داخلاً، كماإذا دارالأمر بين إطعامالحيوان أو إطعام الحيوان الناطق، وكما أنّ الطبيعي والحصّة أيضا كذلك.
وبالجملة، لو كانت الحصّة وكذا النوع مأخوذا بعنوان واحد لايكونالطبيعي أو الجنس في ضمنه لما كان وجه لجريان البراءة أصلاً، ولو لم يكنعلى هذا النحو يكون داخلاً في مورد النزاع، فتدبّر.
ثمّ إنّا نتكلّم عن تلك الاقسام الكثيرة المتقدّمة في مهمّاتها، وهي الأقلّوالأكثر الذي كان من قبيل الكلّ والجزء، وما كان من قبيل الشرطوالمشروط، وما كان في الأسباب والمحصّلات والأقلّ والأكثر في الشبهةالموضوعيّة، فهنا مطالب:
- (1) نهاية الأفكار 3: 373.
(صفحه 409)
(صفحه410)
المطلب الأوّل: في الأقلّ والأكثر الذي يكون من قبيل الكلّ والجزء
وهو معركة للآراء، فمن قائل بجريان البراءة فيه مطلقا، ومن قائل بعدمجريانها مطلقا، ومن قائل بالتفصيل بين البراءة الشرعيّة والعقليّة بجريانالاُولى دون الثانية، كما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله (1) وتبعه بعض أجلاّءتلامذته(2)، ومقتضى التحقيق هو الوجه الأوّل.
في جريان البراءة العقليّة
وتنقيحه يتمّ برسم اُمور:
الأوّل: أنّ المركّبات الاعتباريّة في عالم الاعتبار واللحاظ تكون كالمركّباتالخارجيّة الحقيقيّة في الخارج، فكما أنّ التركيب الحقيقي إنّما يحصل بالكسروالانكسار الحاصل بين الأجزاء بحيث صار موجبا لانخلاع صورة كلّ واحدمنها وحصول صورة اُخرى للمجموع، كذلك المركّب الاعتباري في عالمالاعتبار لا يكون ملحوظا إلاّ شيئا واحدا وأمرا فاردا تكون له صورةواحدة اعتبارا، فكأنّه لايكون له إلاّ وجود واحد هو وجود المجموع،والأجزاء لايكون لها وجود مستقلّ، بل هي فانية في المركّب.
- (2) فوائد الاُصول 4: 163.
(صفحه 411)
الثاني: أنّ المأمور الذي اُمر بإيجاد مركّب اعتباري إذا قصد امتثال الأمروالإتيان بالمأمور به تتعلّق إرادته أوّلاً بنفس المركّب الذي هو أمر واحد،وربّما لاتكون الأجزاء حينئذٍ ملحوظة له ومتوجّها إليها أصلاً، ثمّ بعد ميتوجّه إلى تلك الأجزاء التي يتحصّل المركّب منها تتعلّق إرادة اُخرى بإيجادهفي الخارج حتّى يتحقّق المجموع. هذا في المأمور.
وأمّا الآمر فالآمر فيه بالعكس، فإنّه يتصوّر أوّلاً الأجزاء والشرائط كلّواحد منها مستقلاًّ، ثمّ يلاحظ أنّ الغرض والمصلحة تترتّب على مجموعها،بحيث يكون اجتماعها مؤثّرا في حصول الغرض، فيلاحظها أمرا واحدا وتعلّقأمره به، ويحرّك المكلّف نحو إتيانه، فهو ينتهي من الكثرة إلى الوحدة، كما أنّالمأمور ينتهي من الوحدة إلى الكثرة.
الثالث: الأمر المتعلّق بالمركّب الاعتباري لايكون إلاّ أمرا واحدا متعلّقبأمر واحد، والأجزاء لاتكون مأمورا بها أصلاً؛ لعدم كونها ملحوظة إلفانية في المركّب، بحيث لايكون لها وجود استقلالي، غاية الأمر أنّ كلّ جزءمقدّمة مستقلّة لتحقّق المأمور به، وهي مقدّمة داخليّة في مقابل المقدّمةالخارجيّة.
والفرق بين قسمي المقدّمة: أنّ المقدّمة الخارجيّة يكون الداعي إلى إتيانهأمر آخر ناش عن الأمر بذي المقدّمة بناء على وجوب المقدّمة، أو اللزومالعقلي بناءً على عدم الوجوب، والمقدّمات الداخليّة يكون الداعي إليها هونفس الأمر المتعلّق بذي المقدمّة؛ لعدم كون المركّب مغايرا لها؛ لأنّه إجمالهوصورتها الوحدانيّة، وهي تفصيله وتحليله، وهو لاينافي مقدميّة الأجزاء؛ لأنّالمقدّمة إنّما هي كلّ جزء مستقلّ لا مجموع الأجزاء.
وبالجملة، فالأمر المتعلّق بالمركّب يدعو بعينه إلى الأجزاء، ولا يلزم من
(صفحه412)
ذلك أن يكون الأمر داعيا إلى غير متعلّقه؛ لأنّ الأجزاء هي نفس المركّب،والفرق بينهما بالإجمال والتفصيل والبساطة والتحليل.
بخلاف ما ذكره المرحوم البروجردي رحمهالله وقرّرته في كتاب صلاته، وهو أنّالأمر متعلّق بالمجموع، وكيفيّته: أنّ الأمر كأنّه أبعاض، وكلّ بعض منه يتعلّقبجزء من أجزاء المركّب المأمور به، كالعباءة الواحدة الواقع على نفرات ـ مثلاً واستدلّ له بأنّ الماء الموجود في الحوض مع وحدته ـ إذ الأتصال مساوق معالوحدة ـ يمكن اتّصاف أبعاضه بالأوصاف المتضادّة بتلوّن كلّ زاوية منالحوض بلون مختلف، فالماء مع كونه واحدا يقع معروضا للأوصاف المتضادّةبلحاظ الأبعاض، فلا مانع من تعلّق الأمر مع كونه واحدا بالأجزاء المتعدّدةوالمتكثّرة للمأمور به، بحيث كان لكلّ جزء منه سهم وبعض من الأمر(1).
وهذا الكلام وإن كان مشابها لما ذكرناه ولكنّه مخالف للواقع؛ إذ الداعيوالمحرّك حين الإتيان بكلّ جزء من المركّب لايكون بعض الأمر، بل هو عبارةعن تمام الأمر، وهذا أمر وجداني ليس قابلاً للإنكار، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فنقول: أنّ الأمر يدعو إلى الأجزاء بعين دعوته إلى المركّب،فالحجّة على الأجزاء إنّما هي بعينها الحجّة على المركّب، لكن مع تعيينالأجزاء التي ينحلّ إليها، وأمّا مع عدم قيام الحجّة على بعض ما يحتملجزئيّته فلا يمكن أن يكون الأمر المتعلّق بالمركّب داعيا إلى ذلك الجزءالمشكوك أيضا بعد عدم إحراز انحلال المأمور به إليه.
وبالجملة، فتماميّة الحجّة تتوقّف على إحراز الصغرى والكبرى معا ـ أيالصلاة المأمور بها وهذه أجزاؤها ـ وإلاّ فمع الشكّ في إحداهما لا معنىلتماميّـتها، فاللازم العلم بتعلّق الأمر بالمركّب وبأجزائه التحليليّة أيضا، وبدون
- (1) نهاية التقرير 1: 332 ـ 333.