(صفحه 417)
المقسمي، ولا يعقل الجامع بين القسم والمقسم هنا كما هو واضح.
نعم، نفس الماهيّة جامعة للماهيّة بشرط شيء والماهيّة اللابشرط القسمي،وهي التي لوحظت متقيّدة باللابشرطيّة.
وثانياً: أنّه قال في الابتداء بكون التقابل بين الماهيّة اللابشرط والماهيّةبشرط شيء تقابل العدم والملكة، وهو التقابل الواقعي، وقال في الذيل: «إنّالتقابل بينهما إنّما يكون بمجرّد الاعتبار واللحاظ»، ونقول: إنّ البحث في الأقلّوالأكثر وإن كان في الاُمور الاعتباريّة، إلاّ أنّ التقابل بين اعتبار الأقلّواعتبار الأكثر تقابل واقعي، وعلى أيّ تقدير يجب الاحتياط هنا، كما إذا دارالأمر بين إكرام بصير أو أعمى أو بين إكرام (كوسج) أو ذات لحية، فيجبالاحتياط بإكرامهما معا.
وثالثاً: أنّ نفي الجامع في المتضادّين ممنوع، فإنّ المتقابلين بالتّضاد أيضبينهما جامع جنسي كاللون ـ مثلاً ـ جامع جنسي للسواد والبياض، والحيوانجامع جنسي للإنسان والبقر، وعلى فرض كون التقابل بينهما تقابل العدموالملكة لايوجب نفي الاحتياط وجريان البراءة العقليّة، ألا ترى أنّ العبد إذعلم بوجوب إكرام الإنسان وشكّ في أنّ الواجب إكرام الإنسان البصير أوالأعمى، فلا إشكال في حكم العقل بلزوم الاحتياط، كما إذا تردّدت الصلاةالواجبة ظهر يوم الجمعة بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة، فما ذكره المحقّقالنائيني رحمهالله في مقام الجواب عن الإشكال ليس بتامّ، كما لا يخفى.
الإشكال الثالث: أنّ وجوب الأقلّ دائر بين كونه نفسيّا يترتّب على مخالفةالأمر المتعلّق به العقاب وبين كونه غيريّا؛ إذ الواجب إن كان الأكثر يكونالوجوب المتعلّق بالأقلّ غيريّا، فلا يترتّب على مخالفته شيء؛ لأنّ العقاب إنّمهو على ترك الواجب النفسي لا الغيري، وحينئذ فلا يعلم بلزوم الإتيان
(صفحه418)
بالأقلّ على أيّ تقدير وبعنوان القدر المشترك حتّى ينحلّ به العلم الإجماليبالعلم التفصيلي بالنسبة إليه والشكّ البدوي بالنسبة إلى الأكثر، فالعلمالإجمالي باقٍ على حاله، ومقتضاه وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ المركّب كما أنّه ليس له إلاّ وجود واحد هو عين وجودالأجزاء، كذلك لايكون له إلاّ عدم واحد؛ لأنّ نقيض الواحد لايكون إلواحدا، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين، وحينئذ فنقيض، المركّب إنّما هو عدم ذلكالوجود الواحد، غاية الأمر أنّ عدمه تارة بعدم جميع أجزائها، واُخرى بعدمبعضها؛ لوضوح اشتراك تارك الصلاة رأسا مع تارك ركوعها ـ مثلاً ـ في عدمإتيان واحد منهما بالمركّب الذي هو الصلاة.
وحينئذ نقول: ترك الأقلّ يعلم بترتّب العقاب عليه، إمّا من جهة كونه هوتمام المأمور به، وإمّا من جهة أنّ تركه هو عين ترك المأمور به الذي يترتّبعليه العقاب، فيترتّب العقاب على تركه قطعا، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.
نعم، لو كان الواجب في الواقع هو الأكثر، ولميأت المكلّف إلاّ بالأقلّ اعتمادعلى حكم العقل بالبراءة فهو وإن كان تاركا للمأمور به؛ لأنّ تركه عين تركالجزء الزائد أيضا؛ إلاّ أنّ ترك المأمور به هنا إنّما هو لعذر، بخلاف تركه بعدمالإتيان بالأقلّ، فإنّه لايكون لعذر، فهما مشتركان في عدم إتيانهما بالمأمور به،لكن بينهما فرق من حيث العذر وعدمه، نظير ما لو علم المكلّف بوجوب إنقاذأحد الغريقين على سبيل التخيير مع كون الواجب في الواقع واحداً معيّناً منهما؛فإنّه تارة يعصي المولى بعدم إنقاذ واحد منهما، واُخرى ينقذ غير من يجبإنقاذه بحسب الواقع، ففي الصورتين وإن كان المأمور به قد ترك ولم يأتِالمكلّف به، إلاّ أنّه في الصورة الثانية معذور في المخالفة دون الصورة الاُولى.
وثانياً: لو سلّم دوران الأمر الأقلّ بين كونه نفسيّا يترتّب على مخالفته
(صفحه 419)
العقاب أو غيريّا لايترتّب عليه، كدوران شيء بين الواجب والمستحبّ، إلاّ أنّنقول: إنّ الملاك في جريان حكم العقل بالبراءة المستند إلى قبح العقاببلابيان، هل هو عدم بيان التكليف أو عدم بيان العقوبة؟ لا سبيل إلى الثاني،ألاترى أنّه لو ارتكب المكلّف واحدا من المحرّمات بتخيّل ضعف العقابالمترتّب على ارتكابه فلا إشكال في صحّة عقوبته المترتّبة عليه في الواقع وإنكان من الشدّة بمكان.
وبالجملة، فمستند حكم العقل بالبراءة ليس هو عدم البيان على العقاب، بلعدم البيان على التكليف، والبيان عليه موجود بالنسبة إلى الأقلّ قطعا، ولذلايجوز تركه. وحينئذ فدوران أمر الأقلّ بين ترتّب العقاب عليه لو كان نفسيّوعدم ترتّبه لو كان غيريّا لايوجب أن لايكون وجوبه معلوما، ومع العلمبالوجوب لايحكم العقل بالبراءة قطعا، فلزوم الإتيان به معلوم على أيّتقدير، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.
الإشكال الرابع: ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله وهو ينحلّ إلى وجهين:
أحدهما: ما ذكره في صدر كلامه، وملخّصه: أنّ العقل يستقلّ بعدم كفايةالامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي؛ ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيهالتكليف الاحتمالي، وأمّا التكليف القطعي فمقتضاه الامتثال القطعي؛ لأنّ العلمباشتغال الذمّة يستدعي العلم بالفراغ عقلاً ولا يكفي احتمال الفراغ، ففي المقاملايجوز الاقتصار على الأقلّ عقلاً؛ لأنّه يشكّ في الامتثال والخروج عن عهدةالتكليف المعلوم في البين، ولا يحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ الخصوصيّةالزائدة المشكوكة، والعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونه لابشرط أوبشرط شيء هو عين العلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر، ومثلهذا العلم التفصيلي لايعقل أن يوجب الانحلال؛ لأنّه يلزم أن يكون العلم
(صفحه420)
الإجمالي موجبا لانحلال نفسه.
ثانيهما: ما ذكره في ذيل كلامه، وحاصله: أنّ الشكّ في تعلّق التكليفبالخصوصيّة الزائدة المشكوكة من الجزء أو الشرط وإن كان عقلاً لايقتضيالتنجّز واستحقاق العقاب على مخالفته من حيث هو؛ للجهل بتعلّق التكليفبه، إلاّ أنّ هناك جهة اُخرى تقتضي التنجيز والاستحقاق على تقدير تعلّقالتكليف بها، وهي احتمال الارتباطيّة وقيديّة الزائد للأقلّ، فإنّ هذا الاحتمالبضميمة العلم الإجمالي يقتضي التنجيز واستحقاق العقاب عقلاً، فإنّه لا رافعلهذا الاحتمال، وليس من وظيفة العقل وضع القيديّة أو رفعها، بل ذلك منوظيفة الشارع، ولا حكم للعقل من هذه الجهة، فيبقى حكمه بلزوم الخروجعن عهدة التكليف المعلوم على حاله، فلابدّ من ضمّ الخصوصيّة الزائدة(1).
ويرد على التقريب الأوّل: أنّ الاشتغال اليقيني وإن كان مستدعيا للبراءةاليقينيّة إلاّ أنّ ذلك بمقدار ثَبَتَ الاشتغال به وقامت الحجّة عليه، وأمّا ما لم تقمالحجّة عليه فلم يثبت الاشتغال به حتّى يستدعي البراءة اليقينيّة عنه.
وما ذكره من أنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونه لابشرط أوبشرط شيء هو عين العلم الإجمالي محلّ منع؛ لما عرفت من أنّ المرادباللابشرط في المقام هو اللابشرط المقسمي الذي هو عبارة عن نفس الماهيّة،من دون أن يلاحظ معها شيء على نحو السالبة المحصّلة لا الموجبة المعدولة،ومن المعلوم أنّ اللابشرط المقسمي لايغاير مع بشرط شيء أصلاً؛ لأنّاللابشرط يجتمع مع ألف شرط.
وحينئذ فالأقلّ المردّد بين كونه لا بشرط أو بشرط شيء يعلم تفصيلبوجوبه بحيث لا إجمال في ذلك عند العقل، ولا يكون متردّدا فيه أصلاً،
- (1) فوائد الاُصول 4: 159 ـ 161.
(صفحه 421)
والخصوصيّة الزائدة مشكوكة بالشكّ البدوي.
وبالجملة، فالعلم الإجمالي إذا لوحظ طرفاه أو أطرافه يكون كلّ واحدمنهما أو منها مشكوكا من حيث هو، وفي المقام لايكون كذلك؛ لأنّ العقللايرى إجمالاً بالنسبة إلى وجوب الأقلّ أصلاً، والأمر الزائد لايكون إلمشكوكا بالشكّ البدوي.
ويرد على التقريب الثاني: أنّه كما أنّ تعلّق التكليف بالخصوصيّة الزائدةمشكوك، وهو لايقتضي التنجيز واستحقاق العقاب على مخالفته من حيث هو،كذلك احتمال الارتباطيّة وقيديّة الزائد مورد لجريان البراءة بعد عدم قيامالحجّة عليها؛ لعدم الفرق بين نفس الجزء الزائد وحيثيّته الارتباطيّة أصلاً؛لوجود ملاك جريان البراءة العقليّة، وهو الجهل وعدم ثبوت البيان فيهما، وليكون مقتضى جريانها هو رفع القيديّة حتّى يقال بأنّه ليس من وظيفة العقلوضع القيديّة ولا رفعها، بل معنى جريانها هو قبح العقاب على ترك المأمور بهمن جهة الإخلال بالخصوصيّة الزائدة المشكوكة بعد عدم ورود بيان علىثبوتها، وكونها دخيلاً في المأمور به.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن تقريب آخر للاحتياط، وهو أنّتعلّق التكليف بالأقلّ معلوم ضرورة، والاشتغال اليقيني بذلك يقتضي البراءةاليقينيّة، وهي لاتحصل إلاّ بضمّ الجزء الدائر المشكوك؛ ضرورة أنّه مع دخالتهفي المأمور به لا يكون الإتيان بالأقلّ بمجد أصلاً.
والجواب: أنّ الشكّ في حصول البراءة إنّما هو من جهة مدخليّةالخصوصيّة الزائدة، وحيث إنّ دخالتها مشكوكة ولم يرد من المولى بيانبالنسبة إليها، فالعقاب على ترك المأمور به من جهة الإخلال بتلك الخصوصيّةلايكون إلاّ عقابا من دون بيان ومؤاخذة بلابرهان.