(صفحه434)
كيف يمكن توهّم كون الحكم الواقعي في عرض الحكم الظاهري وفي مرتبته؟نعم، الحكم الواقعي يجتمع مع الحكم الظاهري زمانا، ولكنّه لايقتضياجتماعهما رتبة(1). إنتهى.
ولا إشكال في عدم تماميّة هذا الجواب؛ لأنّه يرد عليه: أوّلاً: أنّ كون الجهلبشيء والشكّ فيه متأخّرا عن نفس ذلك الشيء ممنوع، وإلاّ لزم انقلابه علما،مع أنّه خلاف الوجدان، فإنّا نشكّ كثيرا مّا في شيء مع أنّه لا واقعيّة له،وهكذا العلم بشيء يكون مخالفا للواقع، فكما أنّ العلم لايتوقّف على الواقعيّة،وكذا الجهل والشكّ لايتوقّفان عليها.
وثانياً: أنّ معنى الإطلاق ليس هو لحاظ السريان والشمول حتّى يقتصرفيه على الحالات التي كانت في عرض الواقع من حيث الرتبة ـ أي الإيمانوالكفر في مثل: «اعتق رقبة» لا العلم والجهل ـ بل هو عبارة عن مجرّد عدمأخذ القيد في نفس الحكم أو متعلّقه مع كونه بصدد البيان، وحينئذ فلا مانعمن شمول إطلاق الواقع لمرتبة الجهل به، فلا استحالة في ورود الرفع في ظرفالجهل على الواقع الشامل لمرتبة الجهل أيضا.
ومن هنا يظهر: أنّ الحكم الواقعي يكون في مرتبة الحكم الظاهريومحفوظا معه، كما تقدّم تحقيقه في مبحث اجتماع الحكم الظاهري مع الواقعي.
هذا تمام الكلام فيما لو كان الأقلّ والأكثر من قبيل الأجزاء.
- (1) نهاية الأفكار 3: 390 ـ 392.
(صفحه 435)
المطلب الثاني: فيما لو كان الأقلّ والأكثر من قبيل
المطلق والمشروط، أو الجنس والنوع، أو الطبيعي والفرد
كما إذا دار الأمر بين كون الواجب مطلق الصلاة أو هي مشروطة بالطهارةمثلاً، أو دار الأمر بين وجوب إطعام مطلق الحيوان أو الإنسان، أو وجوبإكرام الإنسان أو خصوص زيد، ففي جريان البراءة العقليّة مطلقا أو عدمهكذلك، أو التفصيل بين المطلق والمشروط وغيره بالجريان في الأوّل دونغيره، وجوه، بل أقوال.
وليعلم أنّ الشرط قد يكون متّحدا مع المشروط في الوجود الخارجي،كالإيمان في الرقبة، وقد يكون مغايرا معه في الوجود كالطهارة بالنسبة إلىالصلاة، ولا فرق بينهما في المقام.
وكيف كان، فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية إلى عدم جريان البراءةالعقليّة هنا مطلقا، وأنّه أظهر من عدم الجريان في الأقلّ والأكثر في الأجزاء.
قال في وجهه ما نصّه: «فإنّ الانحلال المتوهّم في الأقلّ والأكثر لايكاديتوهّم ههنا، بداهة أنّ الأجزاء التحليليّة لاتكاد تتّصف باللزوم من بابالمقدّمة عقلاً، فالصلاة ـ مثلاً ـ في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصّة موجودةبعين وجودها وفي ضمن صلاة اُخرى فاقدة لشرطها أو خصوصيّتها تكون
(صفحه436)
متباينة للمأمور بها، كما لا يخفى»(1). إنتهى.
وتوضيح عدم جريان البراءة في المقام يتوقّف على بيان مقدّمتين:
الاُولى: أنّه لابدّ في الانحلال الموجب لجريان البراءة في المشكوك أن يرجعالعلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بأحد الطرفين والشكّ البدوي في الآخر،وبعبارة اُخرى: كان في البين قدر متيقّن تفصيلاً ووقع الشكّ في الزائد علىذلك المقدار؛ ضرورة أنّ بدون ذلك لا وجه للانحلال.
الثانية: أنّ الطبيعي في المتواطيات يتحصّص إلى حصص متعدّدة وآباءكذلك بعدد الأفراد، بحيث كان المتحقّق في ضمن كلّ فرد حصّة وأب خاصّمن الطبيعي المطلق غيرالحصّة والأب المتحقّق في ضمن فرد آخر، كالحيوانيّةالموجودة في ضمن الإنسان بالإضافة إلى الحيوانيّة الموجودة في ضمن نوعآخر كالبقر والغنم، وكالإنسانيّة المتحقّقة في ضمن زيد بالقياس إلى الإنسانيّةالمتحقّقة في ضمن بكر وخالد. فلا محالة في مفروض المقام لايكاد يكونالطبيعي المطلق بما هو جامع الحصص والآباء القابل للانطباق على حصّةاُخرى محفوظا في ضمن زيد؛ لأنّ ما هو محفوظ في ضمنه إنّما هي الحصّةالخاصّة من الطبيعي، ومع تغاير هذه الحصّة مع الحصّة الاُخرى المحفوظة فيضمن فرد آخر كيف يمكن دعوى اندراج البحث في الأقلّ والأكثر ولو بحسبالتحليل؟
بل المراد في مثل المقام ينتهي إلى العلم الإجمالي بتعلّق التكليف إمّبخصوص حصّة خاصّة، أو بجامع الحصص والطبيعي على الإطلاق، بما هوقابل للانطباق على حصّة اُخرى غيرها، فيرجع الأمر إلى الدوران بينالمتباينين، فيجب فيه الاحتياط بإطعام خصوص زيد مثلاً.
- (1) كفاية الاُصول 2: 238.
(صفحه 437)
ويرد على هذه المقدّمة: أنّ التحقيق في باب الكلّي الطبيعي هو كونهموجودا في الخارج بوصف الكثرة، فإنّ زيدا إنسان وعمرا أيضا إنسان،وزيد وعمرو إنسانان؛ لأنّ الكلّي الطبيعي ليس إلاّ نفس الماهيّة، وهي بذاتهلاتكون واحدة ولا كثيرة، وحيث إنّها لاتكون بنفسها كذلك فتجتمع معالواحد ومع الكثير؛ لأنّها لو كانت واحدة لم يكن يمكن أن تجتمع مع الكثير،ولو كانت كثيرة لايكاد يمكن أن تجتمع مع الواحد، فحيث لاتكون كثيرةبذاتها ولا واحدة بنفسها لاتأبى من الاجتماع معهما.
وبالجملة، كلّ فرد من أفراد الإنسان ـ مثلاً ـ هو نفس ماهيّته معخصوصيّة زائدة، فزيد حيوان ناطق، كما أنّ عمرا كذلك أيضا، ولا تكونالماهيّة المتحقّقة ضمن زيد مغايرة للماهيّة المتحقّقة ضمن عمرو أصلاً، فجميعأفراد الإنسان يشترك في هذه الجهة، ولا مباينة بينها من هذه الحيثيّة أصلاً،والطبيعي الجامع بينها يتّحد في الخارج مع كلّ واحد منها، ولا يكون واحدبالوحدة العدديّة كما زعمه الرجل الهمداني الذي صادفه الشيخ الرئيس فيبلدة همدان، حيث إنّه تخيّل أنّ الطبيعي الجامع موجود في الخارج بوصفالوحدة(1).
كما أنّ ما ذكر في المقدّمة الثانية من تحصّصه بحصص متباينة وكونها آباءمتعدّدة ممّا لايكاد يتصوّر وإن أذعن به بعض الأعلام.
مضافا إلى أنّه خلاف ما صرّح به الفلاسفة العظام، وتعبيرهم بأنّ الطبيعي معالأفراد كالآباء مع الأولا د إنّما يريدون به نفي ما زعمه الرجل الهمدانيمن كونه أبا واحدا خارجا وله أولا د متكثّرة، لا كونه ذا حصص متباينة.
إذا عرفت ذلك يظهر لك وجود القدر المتيقّن في مثل المقام، فإنّه لو دار
- (1) رسائل ابن سينا: 463، الحكمة المتعالية 1: 273 ـ 274، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 99.
(صفحه438)
الأمر بين وجوب إكرام مطلق الإنسان أو خصوص زيد، يكون إكرام طبيعةالإنسان التي هي عبارة عن الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الخصوصيّاتالمقارنة معه في الوجود الخارجي معلوما تفصيلاً، والشكّ إنّما هو فيالخصوصيّة الزائدة.
كما أنّه لو دار الأمر بين عتق مطلق الرقبة أو خصوص الرقبة المؤمنة يكونوجوب عتق مطلق الرقبة معلوما تفصيلاً، والشكّ إنّما هو في وجوبالخصوصيّة الزائدة وهي كونها مؤمنة؛ ضرورة أنّ الرقبة الكافرة تشترك معالرقبة المؤمنة في أصل المصداقيّة لمطلق الرقبة. نعم، بينهما افتراق من جهاتاُخرى لاترتبط بالطبيعي.
وحينئذ فلا فرق بين هذه الموارد وبين الأقلّ والأكثر أصلاً. نعم، بين تلكالموارد فرق من جهة وضوح ذلك وخفائه، فإنّ الدوران بين المطلقوالمشروط مع كون الشرط مغايرا في الوجود الخارجي مع المشروطـ كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ـ من أوضح تلك الموارد من جهة احتياجه فيعالم الجعل والثبوت إلى لحاظ آخر، كاحتياجه في عالم الإيصال والإثبات إلىمؤنة زائدة، بخلاف غيره من سائر الموارد.
وأمّا من جهة أصل وجود ما هو المناط في جريان البراءة من ثبوت القدرالمتيقّن فلا فرق بينها أصلاً.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من وجوب الاحتياط فيما إذا كان الأقلّوالأكثر من قبيل الجنس والنوع؛ لأنّ الترديد بينهما وإن كان يرجع بالتحليلالعقلي إلى الأقلّ والأكثر، إلاّ أنّه خارجا بنظر العرف يكون من الترديد بينالمتباينين؛ لأنّ الإنسان بما له من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوانعرفا، فلو علم إجمالاً بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان فاللازم هو