(صفحه 475)
مشتملاً على حدّ مخصوص ولو اعتبارا حتّى يصدق بالإضافة إليه عنوانالزيادة وعدمها، كما في ماء النهر ـ مثلاً ـ ، فإنّه لابدّ في صدق هذا العنوان منأن يفرض للماء حدّ مخصوص، ككونه بالغا إلى نقطة كذا ليكون الزائد موجبلانقلاب حدّه الخاصّ إلى حدّ آخر، وإلاّ فبدون ذلك لايصدق عليه هذالعنوان، وكذلك الأمر في المركّبات، ففيها أيضا لابدّ من اعتبار حدّ خاصّ فيماعتبر جزء لها في مقام اختراع المركّب.
الثالث: أنّ أخذ الجزء أو الشرط في المركّب في مقام اعتباره واختراعهيتصوّر على وجه ثلاثة:
أحدها: اعتبار كونه جزء أو شرطا على نحو «بشرط لا» من جهة الزيادةفي مقام الوجود والتحقّق.
ثانيها: اعتبار كونه جزء على نحو «لا بشرط» من طرف الزيادة، على معنىأنّه لو زيد عليه لكان الزائد خارجا عن ماهيّة المركّب باعتبار عدم تعلّقاللحاظ بالزائد في مقام اعتباره جزءاً للمركّب، كما لو فرض أنّه اعتبر في جعلماهيّة الصلاة الركوع الواحد لا مقيّدا كونه بشرط عدم الزيادة ولا طبيعةالركوع، فإنّ في مثله يكون الوجود الثاني من الركوع خارجا عن حقيقةالصلاة؛ لعدم تعلّق اللحاظ في مقام جعل ماهيّة الصلاة.
ثالثها: اعتبار كونه جزءاً على نحو «لا بشرط» بنحو لو زيد عليه لكانالزائد أيضا من المركّب، وداخلاً فيه لا خارجا عنه، كما لو اعتبر في جعلماهيّة الصلاة طبيعة الركوع في كلّ ركعة منها الجامعة بين الوحدة والمتعدّد.
وبعد ما عرفت ذلك نقول: إنّه على الاعتبار الأوّل لا شبهة في أنّه لا مجاللتصوّر تحقّق الزيادة، فإنّه من جهة اشتراطه بعدم الزيادة في مقام اعتبارهجزءاً للمركّب تكون الزيادة فيه موجبة للاخلال بقيده، فترجع إلى النقيصة.
(صفحه476)
وكذلك الأمر على الاعتبار الثاني، فإنّه وإن لم ترجع الزيادة فيه إلىالنقيصة، إلاّ أنّ عدم تصوّر الزيادة الحقيقيّة، إنّما هو لمكان عدم كون الزائد منسنخ المزيد عليه، فإنّه بعد خروج الوجود الثاني عن دائرة اللحاظ في مقامجعل ماهيّة الصلاة يستحيل اتّصاف الوجود الثاني بالصلاتيّة، فلا يرتبطحينئذ بالصلاة حتّى يصدق عليه عنوان الزيادة.
وأمّا على الاعتبار الثالث فالظاهر أنّه لا قصور في تصوّر الزيادة الحقيقيّة،فإنّ المدار في زيادة الشيء في الشيء على ما عرفت إنّما هو بكون الزائد منسنخ المزيد فيه مع كونه موجبا لقلب حدّ إلى حدٍّ آخر، وهذا لافرق فيه بينأن يكون الجزء مأخوذا في مقام الأمر والطلب بشرط لا، أو على نحولا بشرط بالمعنى الأوّل، أو اللابشرط بالمعنى الثاني.
وذلك على الأوليين ظاهر، فإنّ الوجود الثاني من طبيعة الجزء ممّا يصدقعليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى ما اعتبر في المأمور به من تحديد الجزءبالوجود الواحد، حيث إنّه بتعلّق الأمر بالصلاة المشتملة على ركوع واحدتتحدّد طبيعة الصلاة بالقياس إلى دائرة المأمور به منها، بحدّ يكون الوجودحدّاً آخر وإن لم يصدق عليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى المأمور به بما هومأمور به، غاية ما هناك أنّه على الأوّل يكون الوجود الثاني من الزياداتالمضرّة بالمأمور به من جهة رجوعه إلى الإخلال به من جهة النقيصة، بخلافهعلى الثاني، فإنّه لايكون من الزيادات المبطلة وإنّما غايته كونه لغوا.
وكذلك الأمر على الأخير؛ إذ بانطباق صرف الطبيعي على الوجود الأوّلفي الوجودات المتعاقبة تتحدّد دائرة المركّب والمأمور به قهرا بحدّ يكونالوجود الثاني بالقياس إليه من الزيادة في المركّب والمأمور به، فتأمّل(1).
- (1) نهاية الأفكار 3: 436 ـ 438.
(صفحه 477)
إنتهى ملخّصا.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة في كلامهغيرقابل للتصوّر، فإنّه كيف يمكن الجمع بين كون المعتبر في جعل ماهيّةالصلاة الركوع المتّصف بوصف الوحدة وبين كونه على نحو لابشرط من جهةالزيادة، فإنّه لو كان قيد الوحدة معتبرا لكان الركوع المعتبر بشرط لا منجهة الزيادة، فيرجع إلى الوجه الأوّل، وإن لم يكن كذلك فمرجعه إلى الوجهالثالث، فلا يكون الوجه الثاني وجها في حيالهما.
على أنّ مقتضى الوجه الثالث ليس كون الزائد أيضا داخلاً في المركّب؛ لأنّهلو فرض كون المعتبر في المركّب هي طبيعة الركوع بما هي هي لكان مقتضىذلك هو صيرورة الوجود الأوّل جزءاً، واتّصاف الوجود الثاني بالجزئيّةموقوف على اعتبار شيء آخر مع الطبيعة، والمفروض عدمه.
وثانياً: أنّ الزيادة التي هي مورد للبحث هي الزيادة في المكتوبة ـ أيالمأمور به ـ وحينئذ فلابدّ من ملاحظة مقام الأمر والطلب، ومجرّد تصويرالزيادة بناءً على الاعتبار الثالث في مقام التحديد والاعتبار لايجدي بالنسبةإلى مقام الأمر والطلب، فلو كان في هذا المقام قد اُخذ الجزء بشرط لا أو لبشرط بالمعنى الأوّل لايمكن تحقّق الزيادة بناءً على ما ذكره من عدم تصوّرهفي الوجهين الأوّلين.
مضافا إلى أنّه لو كان الأمر مطابقا للاعتبار الثالث الذي تصوّر فيه الزيادةلايكون أيضا من الزيادة المكتوبة بما أنّها مكتوبة؛ لأنّ الزائد إن اتّصفبوصف الجزئيّة لايكون حينئذ زائدا على المكتوبة؛ وإن لم يتّصف به فلا يكونجزء، ولا يتحقّق زيادة الجزء بناء على ما ذكره في الأمر الأوّل من أنّه يعتبر
(صفحه478)
في صدق عنوان الزيادة كون الزائد من سنخ المزيد فيه، كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّه لايمكن تصوّر الزيادة الحقيقيّة أصلاً، بل المتصوّر منها إنّمهي الزيادة بنظر العرف، هذا بحسب الموضوع.
مقتضى الأصل في الزيادة
وأمّا الحكم المتعلّق بالزيادة فاعلم أنّ الأصل الأوّلي في الزيادة يقتضيعدم بطلان العمل بسببها، سواء كانت عمديّة أو سهويّة؛ لأنّ المعتبر في مقامالامثتال كون المأتي به مطابقا للمأمور به، والبطلان إنّما ينتزع من عدم تطابقهمعه، والمفروض أنّ الزيادة غير دخيلة في المأمور به.
نعم، يمكن الشكّ في اعتبار عدمهما في الواجب، وحينئذ يرجع إلى الشكّ فيالنقيصة، وقد مرّ حكمها.
وبالجملة، فالزيادة بما أنّها زيادة لاتوجب الفساد والبطلان بخلاف النقيصةالتي عرفت أنّ الأصل الأوّلي فيها هو الفساد والبطلان.
ثمّ إنّه ربّما يتمسّك لصحّة العمل مع الزيادة بالاستصحاب، وتقريره منوجوه:
أحدها: استصحاب عدم مانعيّة الزيادة وعدم كونها مضادّة للمأمور به،بتقريب أنّ ماهيّة الزائد قبل تحقّقها في الخارج لمتكن مانعة وقاطعة، وبعدوجودها فيه نشكّ في اتّصافها بهذا الوصف، فمقتضى الاستصحاب عدمه، وأنّالماهيّة الآن كما كانت قبل وجودها.
هذا، وقد عرفت فيما سبق غيرمرّة أنّ مثل هذا الاستصحاب لايجري بناءعلى ما هو التحقيق كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم التذكية في الحيوانونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضيّة المشكوكة مع القضيّة المتيقّنة؛ لأنّ القضيّة
(صفحه 479)
المتيقّنة هي السالبة الصادقة مع انتفاء الموضوع، وهي الآن متيقّنة أيضا،والقضيّة المشكوكة هي السالبة مع وجود الموضوع، وهي كانت في السابقأيضا مشكوكة، كما هو واضح.
ثانيها: استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة؛ لأنّها قبل إيجاد الزيادة لميقع المانع فيها، والآن نشكّ بسبب إيجاد الزيادة في وقوعه فيها، ومقتضىالاستصحاب العدم.
ولو نوقش في هذا الاستصحاب بتقريب أنّ عدم وقوع المانع في الصلاةلايثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها على المانع، والأثر إنّما يترتّب على ذلكلا على عدم وقوع المانع في الصلاة، نظير استصحاب العدالة لزيد، فإنّه لايثبتالموضوع للحكم الشرعي، وهو كون زيد عادلاً.
فيمكن الجواب عنه: بأنّا نستصحب الصلاة المتقيّدة بعدم وقوع المانع فيهلا مجرّد عدم وقوعه فيها، كما أنّه يستصحب في المثال كون زيد عادلاً، لعدالته حتّى يكون الأصل مثبتا.
هذا، ولكن يرد على هذا التقرير من الاستصحاب أنّه أخصّ من المدّعى؛لأنّ مورده ما إذا حدث ما يشكّ في مانعيّته في أثناء الصلاة، وأمّا لو كانمقارنا لها من أوّل الشروع فيها فلايجري؛ لعدم الحالة السابقة المتيقّنة، كما هوواضح.
ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفة بخلوّها عن المانع إنّما يتمّبناءً على أن يكون المانع عبارة عمّا يكون عدمه معتبرا في المأمور به، وأمّا لوكان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّا للمأمور به ومانعا عن تحقّقه، فليتمّ لأنّ استصحاب أحد الضدّين لايثبت عدم الضدّ الآخر، وكذا استصحابعدم المانع لايثبت وجود الضدّ الآخر الذي هو الصلاة.