(صفحه 481)
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه بناءً على كون المانع عبارة عمّا يكون وجودهمضادّا للممنوع ومانعا من تحقّقه، لا مانع من جريان استصحاب الصلاة؛لأنّها متقيّدة بعدمها وهذا المقيّد كان موجودا، وبعد الإتيان بما يشكّ فيمانعيّته نشكّ في بقائه، والأصل يقتضي البقاء ولا يكون الأصل مثبتا.
ومن هنا يظهر أنّه لا مانع من استصحاب الهيئة الاتّصاليّة مع الشكّ فيقاطعيّة الأمر الموجود؛ إذ مرجع القاطعيّة إلى تقيّد الهيئة الاتّصاليّة بعدمالقاطع، وإلاّ فلو فرض عدم التقيّد فلا وجه لكونه قاطعا لها، وحينئذفيستصحب هذا الأمر المقيّد.
نعم، بناءً على القول بعدم رجوع المانع إلى تقييد في الممنوع بعدمه لا مجالللاستصحاب؛ لأنّ استصحاب عدم الضدّ لايثبت وجود الضدّ الآخر، وكذالعكس.
ثالثها: استصحاب الصحّة التأهّليّة للأجزاء السابقة، بتقريب أنّ الأجزاءالسابقة كانت صحيحة تأهّلاً، وقابلة للحوق الأجزاء الاُخرى بها، وبعد تحقّقما يشكّ في مانعيّته نشكّ في بقاء صحّتها وقابليّتها، فمقتضي الاستصحاببقاؤها.
وأورد على هذا التقرير الشيخ رحمهالله في الرسائل بأنّ المستصحب إن كان صحّةمجموع الصلاة فلمتتحقّق بعد، وإن كان صحّة الأجزاء السابقة فهي غيرمجدية؛لأنّ صحّة تلك الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها، وإمّا ترتّبالأثر عليها، والمراد بالأمر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّة مع باقيالأجزاء والشرائط، ولا يخفى أنّ الصحّة بكلا المعنيين ثابتة للأجزاء السابقة؛لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر المتعلّق بها لاتنقلب عمّا وقعت عليه، وهي بعدوقوعها على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ، فعدم
(صفحه482)
حصوله لعدم انضمام تمام مايعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء لا يخلّ بصحّتها(1).إنتهى.
والإنصاف أنّه بيان جيّد وعلمي ولكن يمكن دفعه بأنّه لا دليل على كونإيجاد المانع في الصلاة مانعا عن قابليّة لحوق الأجزاء اللاحقة بالسابقةمن دون أن يكون تأثير في الأجزاء السابقة أيضا، بل يمكن أن يقال: بأنّالمانع كما يخرج الأجزاء اللاحقة عن اللحوق إلى السابقة، كذلك يخرج الأجزاءالسابقة عن قابليّة اللحوق بها، فالمانع كالقاطع للحبل الرابط بين أجزاءالسبحة يمنع عن القابليّة في جميع الأجزاء.
وحينئذ فمع تحقّق مايشكّ في مانعيّته لا مانع من استصحاب التأهّليّة الثابتةللأجزاء السابقة قبل وجوده يقينا، فتدبّر.
فمقتضى الأصل الأوّلي في باب الزيادة عدم البطلان، وهكذا مقتضىالاستصحاب أيضا أنّ الزيادة لاتوجب بطلان المأمور به.
المقام الرابع: فيما تقتضيه القواعد الثانويّة في الزيادة والنقيصة
قد عرفت: أنّ مقتضى الأصل العقلي في باب النقيصة هو البطلان، وفي بابالزيادة هو العدم، إلاّ أنّه قد ورد في الزيادة في خصوص الصلاة رواياتظاهرة في أنّها توجب الإعادة، وبإزائها حديث «لاتعاد» الدالّ على أنّ الصلاةلاتعاد من غير الاُمور الخمسة المذكورة في عقد المستثنى، فلابدّ أوّلاً من بيانمدلول روايات الزيادة الدالّة على وجوب الإعادة، ثمّ بيان مدلول حديث«لاتعاد» ثمّ ملاحظة النسبة بينهما، كلّ ذلك على سبيل الإجمال، والتفصيل فيمحلّه.
- (1) فرائد الاُصول 2: 488.
(صفحه 483)
مقتضى الروايات الواردة في الزيادة
فنقول: إنّ الروايات الواردة في الزيادة كثيرة، وأشملها من حيث الدلالةرواية أبى بصير، قال: قال أبو عبداللّه عليهالسلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1).
ولا يخفى أنّ عنوان الزيادة لايتحقّق إلاّ مع قصد كون الزائد من الصلاة،وإلاّ فبدون ذلك القصد يكون الزائد كالأجنبي، فاللعب بالأصابع في أثناءالصلاة لايكون زيادة فيها، ولا يشترط أن يكون الزائد ركعة لا أقلّ، كما أنّهلايعتبر أن يكون من سنخ الصلاة، بل كلّ ما يؤتى به بعنوان الصلاة ممّا يكونخارجا عنها يكون زيادة فيها، سواء كان ركعة وجزءً أو أمرا خارجكالتأمين التكفير ونحوهما.
وما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته في وجه عدمدلالة الحديث على زيادة غيرالركعة من أنّ الظاهر كون الزيادة في الصلاة منقبيل الزيادة في العمر في قولك:«زاد اللّه في عمرك» فيكون المقدّر الذي جعلتالصلاة ظرفا له هو الصلاة، فينحصر المورد بما كان الزائد مقدارا يطلق عليهالصلاة مستقلاًّ(2).
لايخلو عن نظر، بل منع؛ لأنّ العمر أمر بسيط لايكون له أجزاء، ولا يعقلأن يكون الزائد من غيره كالزمان وبعض الزمانيّات وكالماء ونحوه، وهذبخلاف المركّب، فإنّ الزيادة فيه إنّما تتحقّق بإضافة أمر إلى أجزائه وإن لميكنمن سنخها.
ألاترى أنّه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء معيّنة، فزاد عليه
- (1) وسائل الشيعة 8 : 231، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
- (2) الصلاة للمحقّق الحائري رحمهالله : 312.
(صفحه484)
العبد شيئا آخر من سنخها أو من غيرها يطلق عليه الزيادة بنظر العرفقطعا.
وبالجملة، فلا ينبغي الارتياب في أنّ النظر العرفي لايساعد على ما أفاده رحمهالله وأنّ عنوان الزيادة عامّ شامل في المقام لزيادة الركعة وغيرها.
نعم، يبقى على ما ذكرنا من اعتبار القصد في تحقّق عنوان الزيادة في الصلاةأنّ ذلك مخالف لظاهر صحيحة زرارة(1) الناهية عن قراءة شيء من سورالعزائم في الصلاة المعلّلة بأنّ السجود ـ أي السجود الواجب بسبب قراءة آيةالسجدة ـ زيادة في المكتوبة، لأنّها تدلّ على أنّ السجود زيادة، مع أنّه لم يؤتبه بعنوان الصلاة وأنّه منها، كما هو واضح.
هذا، ولكن لابدّ من توجيه الرواية إمّا بكون المراد هو الإلحاق بالزيادة فيالحكم المترتّب عليها، وإمّا بوجه آخر.
وقد تخلّص عن هذا الإشكال المحقّق المتقدّم بأنّ الزيادة عبارة عمّا منعالشارع إيجاده في الصلاة، فالمرجع في تشخيص موضوعها هو الشرع لالعرف(2).
ولكن يرد عليه بأنّ ذلك يستلزم جواز إطلاق الزيادة على جميع موانعالصلاة، كالحدث والاستدبار والتكلّم والقهقهة ونحوها، مع أنّه لايعهد منأحد هذا الإطلاق، كما هو غير خفيّ. هذا فيما يتعلق بأخبار الزيادة.
مقتضى حديث «لا تعاد»
وأمّا حديث «لا تعاد»(3) فيقع الكلام في مدلوله من جهات:
- (1) وسائل الشيعة 6: 105، الباب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 314.
- (2) الصلاة للمحقّق الحائرى رحمهالله : 314.
(صفحه 485)
الاُولى: في شموله لحال العمد وعدمه:
فاعلم أنّ شموله لهذا الحال ممّا لا محذور فيه عقلاً، ولا يلزم منه كون أدلّةالأجزاء والشرائط غير الخمسة المذكورة في الحديث ـ أي الطهور، والوقت،والقبلة، والركوع، والسجود ـ واعتبارهما لغوا خاليا عن الفائدة؛ لإمكان أنتكون الصلاة المشتملة على تلك الخمسة سببا لحصول مرتبة من المصلحةناقصة، بحيث لايبقى معه مجال لاستيفائها بالمرتبة التامّة ثانيا.
فالمصلّي إذا ترك بعض الأجزاء الغير الركنيّة عمدا يكون الإتيان بمثل هذهالصلاة موجبا لاستيفاء مرتبة ناقصة من المصلحة، ولا يتمكّن من إعادةالصلاة المشتملة على تلك الأجزاء لاستيفاء جميع مراتب المصحلة، ومع ذلكيعاقب على عدم استيفاء المصحلة بمرتبتها الكاملة؛ لأنّ المفروض أنّ فواتتلك المرتبة كان بسوء اختياره.
وهذا ـ أي عدم استيفاء المرتبة العليا من المصلحة وجواز عقوبته علىذلك ـ هو نتيجة اعتبار تلك الأجزاء الغير الركنيّة في الصلاة، فلميكن شمولالحديث لصورة العمد منافيا لاعتبار الأجزاء الغير الركنيّة، إلاّ أنّ الإنصافانصراف الحديث عن هذه الصورة واختصاصه بغيرها، فإنّ مورد استعمالكلمة الإعادة وعدم الإعادة عبارة عمّن كان قاصدا لإتيان الصلاة الصحيحةوتحقّق المأمور به في الخارج وامتثال الأمر الواقعي، ولكنّ عروض بعضالحالات ـ كالسهو والنسيان ونحو ذلك ـ كان مانعا عن إيصاله إلىمراده، وهذا المعنى يتحقّق في الجاهل المقصّر أيضا كما سيأتي، بخلاف منلم يكن قاصدا لإتيان المأمور به صحيحا من الابتداء مع الالتفات والتوجّه،كما لا يخفى.
- (1) وسائل الشيعة 7: 234، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.