على وجه الصفتيّة بأن يكون القطع بما هو صفة خاصّة قائمة بالنفس دخيلاً فيترتّب الحكم، واُخرى يكون مأخوذاً فيه على وجه الطريقيّة التامّة والكاشفيّةالكاملة، وثالثةً يؤخذ فيه على وجه الطريقيّة والكاشفيّة، مع قطع النظر عنكونها تامّة أم ناقصة، والقطع في هذا اللحاظ يشترك مع سائر الأمارات فيجهة الكاشفيّة والطريقيّة لوجودها فيهما.
والحاصل: أنّ أقسام القطع الموضوعي ستّة، ومع ضمّها إلى القطع الطريقيترقى إلى سبعة أقسام.
ثمّ لا إشكال في إمكان القطع الطريقي عقلاً، والإشكال في إمكان بعضأقسام القطع الموضوعي، والمحقّق الإصفهاني قدسسره (1) قائل بعدم إمكان أخذ القطععلى وجه الصفتيّة في الموضوع، لا بعنوان تمام الموضوع ولا بعنوان جزءالموضوع؛ لأنّ الكاشفيّة ذاتيّة للقطع، بل ليس القطع شيئاً زائداً على الكشفليعقل أخذه بما هو صفة وبقطع النظر عن كاشفيّته؛ لأنّ حفظ الشيء مع قطعالنظر عمّا به هو هو محال، كاستحالة حفظ الإنسان بما هو إنسان منع قطعالنظر عن إنسانيّته، فإذن ليس القطع الموضوعي مأخوذاً إلاّ بنحو الكاشفيّة.
والاعتبار جهة صفتيّته وقيامه بالنفس لا جهة كاشفيّته، فإنّ أخذ شيء فيالموضوع يرتبط باعتبار الجاعل، ويمكن له في مرتبة الاعتبار لحاظ أيّخصوصيّة من خصوصيّاته.
والمحقّق النائيني قدسسره (1) قائل بامتناع أخذ القطع تمام الموضوع على وجهالطريقيّة، بأنّ أخذه تمام الموضوع يستدعي عدم لحاظ الواقع وذي الصورةبوجه من الوجوه، وأخذه على وجه الطريقيّة يستدعي لحاظ ذي الطريقوذي الصورة، ولحاظ القطع طريقاً ينافي أخذه تمام الموضوع.
ويحتمل أن يكون مراده من هذا الكلام في وجه الامتناع هو لزوم اجتماعاللحاظين الاستقلالي والآلي، وهو محال؛ لأنّ لحاظ القطع استقلاليّاً وتمامالموضوع يقتضي عدم لحاظ متعلّقه، ولحاظه طريقاً وآليّاً يقتضي لحاظمتعلّقه، والجمع بين هذين اللحاظين ليس إلاّ جمع بين المتناقضين.
ويحتمل أن يكون مراده من أنّ معنى كون القطع تمام الموضوع أنّه لمدخليّة للواقع في ترتّب الحكم، ومعنى أخذه بعنوان الطريقيّة أنّ له مدخليّةفيه، فلا يمكن الجمع بين مدخليّة الواقع وعدم مدخليّته.
ويحتمل أنّ الظاهر من كلامه قدسسره هو الأوّل.
وجوابه: أوّلاً بالنقض بما التزم به المحقّق النائيني قدسسره نفسه من صحّة أخذالقطع جزءُ الموضوع على وجه الطريقيّة، مع وحدة ملاك الاستحالة في كلتالصورتين، وهو اجتماع اللحاظين؛ لأنّ جزء الموضوع كنفس الموضوع لابدّوأن يتصوّر حتّى يحكم عليه.
وثانياً: بالحلّ، وهو أنّه لا منافاة بين اللحاظين؛ إذ القطع المأخوذ في حكمالمولى بعنوان الموضوع هو قطع له طريقيّة للقاطع والمكلّف، لا قطع المولى
(صفحه58)
حتّى يلزم المحذور المذكور؛ كأنّه قال المولى: أيّها العبد، جعلت قطعك الذي لهكاشفيّة تامّة موضوعاً للحرمة، كما يتحقّق هذا المعنى في قوله: الظنّ الحاصلمن خبر العادل حجّة ـ أي الظنّ الحاصل للمكلّف منه ـ وله طريقيّة إلى الواقعيكون تمام الموضوع للحكم بالحجّية.
وهكذا في مثل القطع حجّة، فإنّ العقل يحكم بأنّ القطع الطريقي الحاصلللمكلّف يكون تمام الموضوع للحكم بالحجّية، يعني إذا صادف الواقع يوجبالمنجّزية، وإذا خالف الواقع يوجب المعذّرية.
والحقّ أنّ ما ذكره الاُستاذ لا يكون جواباً عن الإشكال؛ إذ الإشكال فياجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي في صورة أخذ القطع تمام الموضوع علىنحو الطريقيّة لا في متعلّق اللحاظ، وعلى فرض كون قطع المكلّف موضوعللحكم أيضاً يعود الإشكال؛ إذ لابدّ في كلّ موضوع من تصوّره ولحاظه، فهللاحظه المولى استقلاليّاً كما هو مقتضى كونه تمام الموضوع، أم لاحظه آليّاً كمهو مقتضى طريقيّته، والجواب المذكور ليس بجواب عنه.
وجواب الاحتمال الثاني: أنّ أخذ القطع بعنوان تمام الموضوع سلّمنا أنّمعناه عدم مدخليّة الواقع؛ لعدم الفرق بين صورتي الإصابة والخطأ، وأمّا أخذالقطع على نحو الطريقيّة فليس معناه دخالة الواقع، فإنّ طريقيّة القطعلايستلزم الإيصال إلى الواقع، بل يوصل إليه أكثر الأوقات، ولا يوصل إليهأحياناً، مع أنّ عنوان طريقيّته محفوظ في كلتا الصورتين، فلا مدخليّة للواقعأصلاً، فلا يكون كلامه قدسسره قابلاً للالتزام على كلا الاحتمالين، فالأقسام الستّةالمذكورة للقطع الموضوعي غير قابلة للمناقشة.
واعلم أنّ القطع الموضوعي تارةً يقسّم بلحاظ نفسه كما عرفت أنّه بهذاللحاظ ينقسم إلى ستّة أقسام، واُخرى يقسّم بلحاظ متعلّقه، وبهذا الاعتبار