(صفحه56)
على وجه الصفتيّة بأن يكون القطع بما هو صفة خاصّة قائمة بالنفس دخيلاً فيترتّب الحكم، واُخرى يكون مأخوذاً فيه على وجه الطريقيّة التامّة والكاشفيّةالكاملة، وثالثةً يؤخذ فيه على وجه الطريقيّة والكاشفيّة، مع قطع النظر عنكونها تامّة أم ناقصة، والقطع في هذا اللحاظ يشترك مع سائر الأمارات فيجهة الكاشفيّة والطريقيّة لوجودها فيهما.
والحاصل: أنّ أقسام القطع الموضوعي ستّة، ومع ضمّها إلى القطع الطريقيترقى إلى سبعة أقسام.
ثمّ لا إشكال في إمكان القطع الطريقي عقلاً، والإشكال في إمكان بعضأقسام القطع الموضوعي، والمحقّق الإصفهاني قدسسره (1) قائل بعدم إمكان أخذ القطععلى وجه الصفتيّة في الموضوع، لا بعنوان تمام الموضوع ولا بعنوان جزءالموضوع؛ لأنّ الكاشفيّة ذاتيّة للقطع، بل ليس القطع شيئاً زائداً على الكشفليعقل أخذه بما هو صفة وبقطع النظر عن كاشفيّته؛ لأنّ حفظ الشيء مع قطعالنظر عمّا به هو هو محال، كاستحالة حفظ الإنسان بما هو إنسان منع قطعالنظر عن إنسانيّته، فإذن ليس القطع الموضوعي مأخوذاً إلاّ بنحو الكاشفيّة.
وجوابه: أنّ الكاشفيّة لا تكون من لوازم ماهيّة القطع كما عرفت، فضلاً عنذاتيّتها له، فإنّه في ظرف الوجود الخارجي فقط قد يكون كاشفاً عن الواقع،وتترتّب المنجّزية على القطع في صورة إصابة الواقع، والمعذّرية في صورةالخطأ، لا أنّه في صورة الخطأ ليس بقطع، بل يكون في هذه الصورة أيضاً منمصاديقه وأثره المعذّرية، فلا يكون القطع كاشفاً عن الواقع دائماً وفي جميعالظروف.
وعلى فرض عينيّة الكاشفيّة مع القطع يمكن أن يلاحظ المولى حين اللحاظ
(صفحه 57)
والاعتبار جهة صفتيّته وقيامه بالنفس لا جهة كاشفيّته، فإنّ أخذ شيء فيالموضوع يرتبط باعتبار الجاعل، ويمكن له في مرتبة الاعتبار لحاظ أيّخصوصيّة من خصوصيّاته.
والمحقّق النائيني قدسسره (1) قائل بامتناع أخذ القطع تمام الموضوع على وجهالطريقيّة، بأنّ أخذه تمام الموضوع يستدعي عدم لحاظ الواقع وذي الصورةبوجه من الوجوه، وأخذه على وجه الطريقيّة يستدعي لحاظ ذي الطريقوذي الصورة، ولحاظ القطع طريقاً ينافي أخذه تمام الموضوع.
ويحتمل أن يكون مراده من هذا الكلام في وجه الامتناع هو لزوم اجتماعاللحاظين الاستقلالي والآلي، وهو محال؛ لأنّ لحاظ القطع استقلاليّاً وتمامالموضوع يقتضي عدم لحاظ متعلّقه، ولحاظه طريقاً وآليّاً يقتضي لحاظمتعلّقه، والجمع بين هذين اللحاظين ليس إلاّ جمع بين المتناقضين.
ويحتمل أن يكون مراده من أنّ معنى كون القطع تمام الموضوع أنّه لمدخليّة للواقع في ترتّب الحكم، ومعنى أخذه بعنوان الطريقيّة أنّ له مدخليّةفيه، فلا يمكن الجمع بين مدخليّة الواقع وعدم مدخليّته.
ويحتمل أنّ الظاهر من كلامه قدسسره هو الأوّل.
وجوابه: أوّلاً بالنقض بما التزم به المحقّق النائيني قدسسره نفسه من صحّة أخذالقطع جزءُ الموضوع على وجه الطريقيّة، مع وحدة ملاك الاستحالة في كلتالصورتين، وهو اجتماع اللحاظين؛ لأنّ جزء الموضوع كنفس الموضوع لابدّوأن يتصوّر حتّى يحكم عليه.
وثانياً: بالحلّ، وهو أنّه لا منافاة بين اللحاظين؛ إذ القطع المأخوذ في حكمالمولى بعنوان الموضوع هو قطع له طريقيّة للقاطع والمكلّف، لا قطع المولى
(صفحه58)
حتّى يلزم المحذور المذكور؛ كأنّه قال المولى: أيّها العبد، جعلت قطعك الذي لهكاشفيّة تامّة موضوعاً للحرمة، كما يتحقّق هذا المعنى في قوله: الظنّ الحاصلمن خبر العادل حجّة ـ أي الظنّ الحاصل للمكلّف منه ـ وله طريقيّة إلى الواقعيكون تمام الموضوع للحكم بالحجّية.
وهكذا في مثل القطع حجّة، فإنّ العقل يحكم بأنّ القطع الطريقي الحاصلللمكلّف يكون تمام الموضوع للحكم بالحجّية، يعني إذا صادف الواقع يوجبالمنجّزية، وإذا خالف الواقع يوجب المعذّرية.
والحقّ أنّ ما ذكره الاُستاذ لا يكون جواباً عن الإشكال؛ إذ الإشكال فياجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي في صورة أخذ القطع تمام الموضوع علىنحو الطريقيّة لا في متعلّق اللحاظ، وعلى فرض كون قطع المكلّف موضوعللحكم أيضاً يعود الإشكال؛ إذ لابدّ في كلّ موضوع من تصوّره ولحاظه، فهللاحظه المولى استقلاليّاً كما هو مقتضى كونه تمام الموضوع، أم لاحظه آليّاً كمهو مقتضى طريقيّته، والجواب المذكور ليس بجواب عنه.
وجواب الاحتمال الثاني: أنّ أخذ القطع بعنوان تمام الموضوع سلّمنا أنّمعناه عدم مدخليّة الواقع؛ لعدم الفرق بين صورتي الإصابة والخطأ، وأمّا أخذالقطع على نحو الطريقيّة فليس معناه دخالة الواقع، فإنّ طريقيّة القطعلايستلزم الإيصال إلى الواقع، بل يوصل إليه أكثر الأوقات، ولا يوصل إليهأحياناً، مع أنّ عنوان طريقيّته محفوظ في كلتا الصورتين، فلا مدخليّة للواقعأصلاً، فلا يكون كلامه قدسسره قابلاً للالتزام على كلا الاحتمالين، فالأقسام الستّةالمذكورة للقطع الموضوعي غير قابلة للمناقشة.
واعلم أنّ القطع الموضوعي تارةً يقسّم بلحاظ نفسه كما عرفت أنّه بهذاللحاظ ينقسم إلى ستّة أقسام، واُخرى يقسّم بلحاظ متعلّقه، وبهذا الاعتبار
(صفحه 59)
ينقسم إلى خمسة أقسام:
الأوّل: أن يكون متعلّق القطع أمراً خارجيّاً، كما لو فرض القطع بخمريّةالمائع موضوعاً للحرمة.
الثاني: أن يؤخذ القطع بالحكم موضوعاً لخلاف ذلك الحكم، كما إذا قيل:«إن قطعت بوجوب صلاة الجمعة فيجب عليك التصدّق بكذا».
الثالث: أن يؤخذ القطع بالحكم موضوعاً لضدّ ذلك الحكم، كما إذا قيل:«إن قطعت بوجوب صلاة الجمعة فتحرم عليك».
الرابع: أن يؤخذ القطع بالحكم موضوعاً لمثل ذلك الحكم، كما إذا قيل: «إنقطعت بوجوب صلاة الجمعة فتجب عليك»، أي بوجوب آخر.
الخامس: أن يؤخذ القطع بالحكم موضوعاً لنفس ذلك الحكم، كما إذا قيل:«إن قطعت بوجوب صلاة الجمعة فتجب عليك»، أي بنفس ذلك الوجوبالمقطوع به.
ثمّ إنّه لا إشكال في إمكان أخذ القطع المتعلّق بالموضوع الخارجي فيموضوع الحكم الشرعي، كما لا إشكال في إمكان أخذ القطع المتعلّق بالحكمالشرعي في موضوع حكم شرعي آخر مخالف له، وإنّما الإشكال في إمكانبقية الأقسام وعدمه.
أمّا القسم الثالث: فقد ذكر في وجه استحالته اُمور متعدّدة:
الأوّل: ما ذكره المحقّق الخراساني قدسسره (1) من استلزامه لاجتماع الضدّين، وهومحال.
توضيح ذلك: أنّ اجتماع الضدّين يكون في صورة إصابة القطع الواقع، وأمّفي صورة الخطأ يكون اجتماع الضدّين بحسب نظر القاطع لا بحسب الواقع.
(صفحه60)
وفيه: ما عرفته في مسألة اجتماع الأمر والنهي من أنّ التضادّ يتحقّق فيالاُمور التكوينيّة والواقعيّة، مثل: اجتماع السواد والبياض في جسم واحد، وأمّالأحكام الشرعيّة، فلا يتحقّق فيها مقولة التضادّ ولا غيرها من المقولاتلكونها من الاُمور الاعتباريّة، وقد عرفت عدم إمكان اجتماع الضدّين ولو منناحية الشخصين، مع أنّه يمكن أن تكون طبيعة واحدة حراماً لمكلّف وواجبلمكلّف آخر، أو تكون مأموراً بها من المولى ومنهيّاً عنها من مولى آخر.
الأمر الثاني: ما ذكره في كتاب مصباح الاُصول بقوله: إذا قال المولى: «إذقطعت بوجوب الصلاة تحرم عليك الصلاة»، فلا يمكن للمكلّف الجمع بينهما فيمقام الامتثال؛ إذ الانبعاث نحو عملٍ والانزجار عنه في آن واحد محالٌ، وبعدعدم إمكان امتثالهما لا يصحّ تعلّق الجعل بهما من المولى الحكيم(1).
وفيه: ما عرفت في باب التزاحم من عدم ارتباط مرحلة تعلّق الحكمبمرحلة الامتثال، وعدم سراية الإشكال من هذه المرحلة إلى مرحلة تعلّقالحكم، ومعلوم أنّ متعلّق التكليف أمرٌ ممكن، ولاشكّ في أنّ صلاة الجمعة أمرٌممكن، والمكلّف قادرٌ على إيجادها وتركها، ولكن عدم قدرة المكلّف في مقامالامتثال، بلحاظ تعلّق القطع بوجوبها وترتّب الحرمة عليه لا يرتبط بمقامجعل الحكم، فلا يكشف عن امتناع التكليفين أو أحدهما، كما لا يخفى.
الأمر الثالث: أنّه يستلزم اجتماع المصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة في صلاةالجمعة، مع أنّه لا يمكن أن يكون شيء واحد واجداً لهما معاً.
ونظير ذلك أنّ وجوب شيء كاشف عن محبوبيّته للمولى، وحرمته كاشفعن مبغوضيّته له، والحبّ والبغض أمران واقعيّان متضادّان، ولايمكن اجتماعهمفي شيء واحد.