(صفحه66)
إذ يحتمل أن يكون عدم الإعادة من باب التخفيف والتسهيل والإرفاق علىالمكلّفين، وأمّا بحسب أصل الجعل فيكون الحكم مشتركاً بين العالم والجاهل،فالتشبيه ليس في محلّه.
الجهة الثانية: أنّ المراد من الإطلاق في مقابل التقييد اللحاظي هو الإطلاقاللحاظي ـ أي الإطلاق مع قيد اللحاظ ـ فعلى هذا يرد عليه:
أوّلاً: أنّ معنى الإطلاق لا يكون لحاظ السريان والشمول فيه، بل معناه أنّبعد تماميّة مقدّمات الحكمة يستفاد أنّ المولى لم يلحظ في متعلّق الحكمخصوصيّة زائدة على الماهيّة، كما مرّ في محلّه.
وثانياً: سلّمنا أنّ الإطلاق يعني لحاظ السريان والشمول فيكون التقابلحينئذٍ بينهما تقابل التضادّ، لا العدم والملكة؛ إذ التقييد متقوّم بلحاظ القيد،والإطلاق متقوّم بلحاظ السريان، ولحاظ القيد ولحاظ السريان أمرانوجوديّان متضادّان، وعلى المعنى الذي ذكرناه يكون التقابل بينهما تقابلالإيجاب والسلب.
وإن كان المراد من الإطلاق عدم لحاظ شيء في متعلّق الحكم مع كونهقابلاً له فحينئذٍ وإن كان التقابل بينه والتقييد اللحاظي تقابل العدم والملكة،إلاّ أنّنا لا نسلّم ما رتّبه قدسسره على ذلك بنحو القضيّة الكلّية من أنّه كلّما امتنعالتقييد امتنع الإطلاق أيضاً، فإنّ امتناع التقييد قد ينشأ من عدم قابليّة نفسالموضوع وقصوره عن ذلك، فحينئذٍ بامتناع التقييد يمتنع الإطلاق أيضاً، كمفي مثل البصر والعمى بالنسبة إلى الجدار، وقد ينشأ امتناع التقييد لأمرخارج عن نفس الموضوع مع كون الموضوع في نفسه قابلاً ومستعدّاً له، ففيهذه الصورة لا يلزم من امتناع التقييد امتناع الإطلاق أيضاً كما هو واضح،وذلك لاختصاص المانع بالتقييد دون الإطلاق، وهذا مثل ما نحن فيه؛ إذ
(صفحه 67)
المانع من التقييد هو الدور، فلا يلزم من استحالة التقييد استحالة الإطلاق؛لعدم تحقّق الدور في مورده.
القول الثالث: ما اختاره اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1) من التفصيل بين ما إذأُخذ القطع تمام الموضوع أو جزئه، بإمكان الأوّل واستحالة الثاني، أمّا فيالقطع المأخوذ جزء الموضوع فامتناعه يلزم الدور، فإنّ الحكم يتوقّف علىموضوعه، والموضوع يتوقّف على الحكم بلحاظ كون الواقع جزء الموضوع،فالحكم يتوقّف على نفسه، بخلاف ما إذا اُخذ القطع تمام الموضوع؛ لأنّ الحكموإن كان يتوقّف على القطع لتوقّف كلّ حكم على موضوعه، إلاّ أنّه لا يتوقّفالقطع على الحكم؛ إذ لا دخل للواقع في الموضوع، بعدما كان القطع تمامالموضوع للحكم، سواء كان بحسب الواقع حكماً أم لا.
والتحقيق: أنّ التفصيل المذكور لا يكون قابلاً للالتزام، بل يمتنع أخذ القطعبالحكم في موضوع شخص ذلك الحكم مطلقاً، فإنّ أخذ القطع تمام الموضوعليس معناه عدم وجود أيّ واقع في البين، وإلاّ لا يبقى مجال لفرض مطابقةالقطع للواقع تارةً وعدم مطابقته له اُخرى، بل معناه أنّه لا دخل للمطابقةوعدمها لكون القطع تمام الموضوع للحكم، وأمّا أصل الواقع فهو مفروضالوجود، والمفروض فيما نحن فيه جعل الواقع والحكم المجعول بجعل واحد، ولواقعيّة سوى هذا الجعل، فأخذ القطع بالحكم في موضوع شخصه مستحيلٌمطلقاً.
(صفحه68)
قيام الأمارات والاُصول مقام القطع
قيام الأمارات الشرعيّة والاُصول العمليّة مقام القطع
هل الأمارات الشرعيّة والاُصول العمليّة الشرعيّة تقوم مقام القطع بجميعأقسامه أم لا؟ لا إشكال في قيامها مقام القطع الطريقي، بلا فرق بين جريانهفي الموضوعات الخارجيّة والأحكام الشرعيّة، فإذا قال الشارع: «الخمرحرام» لابدّ من إحرازه حكماً وموضوعاً بالقطع ليترتّب عليه الحكم بالحرمة،ومقتضى حجّية البيّنة في الموضوعات الخارجيّة أنّ البيّنة تقوم مقام القطعالطريقي وتكون بمنزلته فيها، كما أنّ مقتضى حجّية خبر العادل واعتبار قولهقيامه مقام القطع لإثبات الأحكام، وهكذا مقتضى أدلّة حجّية الاُصولالعمليّة ـ كالاستصحاب ـ قيامها مقام القطع الطريقي، وإلاّ يلزم لغويّة أدلّتها؛ إذلا أثر لها سوى ذلك.
كما أنّه لا إشكال في عدم قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحوالصفتيّة؛ إذ لا دلالة لأدلّة حجّيتها عليه، بل لا ارتباط بينها وبين أخذ القطعفي الموضوع بعنوان وصف من الأوصاف النفسانيّة، بلا مدخليّة لطريقيّتهوكاشفيّته في الحكم.
وأمّا قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الصفتيّة بدليل خاصّفلا كلام فيه، ولا يستفاد ذلك من نفس أدلّة حجّيتها كما لا يخفى.
وإنّما الإشكال في قيام الأمارات والاُصول الشرعيّة مقام القطع المأخوذ في
(صفحه 69)
الموضوع بنحو الطريقيّة، والمستفاد من كلام الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (1) أنّأدلّة حجّيتها كما تدلّ على قيامها مقام القطع الطريقي كذلك تدلّ على قيامهمقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقيّة.
وحاصل كلامه قدسسره : أنّ معنى أدلّة حجّية الأمارات أنّها وإن لم تفد العلمويتحقّق احتمال خلافها، ولكنّ الشارع جعلها بمنزلة القطع تعبّداً، وكأنّه قال:افرض احتمال الخلاف كالعدم، فيترتّب عليها جميع آثار القطع، فكما أنّها تقوممقام القطع الطريقي، كذلك تقوم مقام القطع الموضوعي المأخوذ على نحوالطريقيّة، فالأمارات بنفس دليل اعتبارها تقوم مقامه.
والمستفاد من كلام صاحب الكفاية قدسسره (2) استحالته لاستلزامه اجتماعالضدّين.
توضيح ذلك: أنّه لابدّ في كلّ تنزيل من لحاظ المنزل والمنزل عليه معاً،والمنزل في المقام هو الأمارة والمنزل عليه هو القطع، وحينئذٍ فتنزيل الأمارةمنزلة القطع الموضوعي موقوفٌ على لحاظ القطع استقلالاً؛ لأنّه مقتضىموضوعيّته، وتنزيلها منزلة القطع الطريقي موقوفٌ على لحاظه آلة للغير ـ أيالواقع ـ ومعلوم أنّ هذين اللحاظين متضادّان، فيمتنع اجتماعهما في إنشاءواحد، فلا يكون الدليل الدالّ على إلغاء احتمال الخلاف كافياً لبيان كلالتنزيلين كما هو واضح، وإلاّ يستلزم اجتماع اللحاظين المتنافيين على ملحوظواحد.
وجوابه: أوّلاً: بالنقض، وهو أنّ الظاهر من كلامه قدسسره إمكان جميع الأقسامالستّة المذكورة للقطع الموضوعي، ومنها أخذ القطع في الموضوع على نحو
(صفحه70)
الطريقيّة، وكيف لا يستلزم الجمع بين اللحاظين المتنافيين هناك، مع جريانهذا الدليل بعينه هناك أيضاً كما عرفته من كلام المحقّق النائيني قدسسره (1)؟!
وثانياً: بالحلّ، وهو أنّ المستفاد من دليل الحجّية موضوعيّة الأمارة للحكمالمترتّب عليها من الشارع، ولكنّها لا تكون إلاّ طريقاً إلى الواقع لمن تقومعنده الأمارة، ويكون حلّ الإشكال بتعدّد النسبة والإضافة.
وهذا نظير حكم العقل بحجّية القطع في قضيّة «القطع حجّة»، فإنّ تمامالموضوع للحجّية عند العقل هو القطع، فلابدّ من كونه ملحوظاً بالاستقلال،كاستقلاليّة لحاظ المحمول، ومعلوم أنّ القطع الذي يكون تمام الموضوع للحجّيةهو القطع الطريقي المحض الحاصل للقاطع، فالحاكم ـ أي العقل ـ يلاحظاستقلالاً ما هو آليٌّ عند القاطع عند حكمه بالحجّية، ولا يحتاج العقل إلىلحاظ عنوان آليّته؛ كأنّه يقول: القطع الطريقي الحاصل للمكلّف ويكونالكاشف عنده: «جعلته موضوعاً للحجّية»، فترتبط موضوعيّته بالعقلوكاشفيّته بالقاطع، وهكذا في مثل: البيّنة حجّة كما عرفت. ولكنّك عرفت أنّهذا لا يكون جواباً عن الإشكال.
وأجاب عن الاستحالة المحقّق النائيني قدسسره (2) بعدما كان البحث في صورةقيام الأمارة مقام القطع الذي اُخذ بعنوان جزء الموضوع على نحو الطريقيّة، لبعنوان تمام الموضوع؛ لاستحالته في نفسه عنده كما عرفت.
وحاصل كلامه هنا: أنّ الجمع بين اللحاظين المتنافيين يلزم بناء على أنيكون المجعول في باب الأمارات تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع، وهذالمبنى فاسدٌ في نفسه، وأمّا على المختار من كون المجعول الشرعي فيه هو