(الصفحة 105)
الخامس: دم ذي النفس السائلة بخلاف دم غيره كالسمك والبق والقمل والبراغيث فانّه طاهر. والمشكوك في انّه في أيّهما محكوم بالطهارة والأحوط الاجتناب عن العلقة المستحيلة من المني حتّى العلقة في البيضة وإن كانت الطهارة في البيضة لا تخلو من رجحان. والأقوى طهارة الدم الذي يوجد فيها، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه بل عن جميع ما فيها إلاّ أن يكون الدم في عرق أو تحت جلدة حائلة بينه وبين غيره 1.
1 ـ نجاسة الدم في الجملة من المسائل الواضحة بل الإجماعية بين الفريقين بل قيل إنّها من ضروريات الدين فضلاً عن كونها من ضروريات الفقه وعليه فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليها لكن حيث إنّ بعض مصاديقه محل الشبهة كالموارد المذكورة في المتن وكالدم المخلوق آية أو المصنوع بتركيب أجزائه لابدّ من ملاحظة الأدلّة ليظهر انّ مقتضاها هل هو اصالة النجاسة في الدم ليرجع إليها في مورد الشكّ أو العكس بحيث تكون النجاسة في كل مورد محتاجة إلى دليل خاص فنقول قد استدلّ على نجاسة الدم مطلقاً بوجوه:
منها: قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانّه رجس)(1). ولابدّ لاستفادة المطلوب من الآية الشريفة من إثبات اُمور أربعة:
الأوّل: عود الضمير في «فانّه رجس» إلى جميع المذكورات حتّى يكون راجعاً إلى الدم أيضاً لأنّه يحتمل عوده إلى خصوص لحم الخنزير المذكور أخيراً.
الثاني: كون «رجس» في الآية بمعنى النجس الشرعي المبحوث عنه في الفقه.
(الصفحة 106)
الثالث: عدم كون قيد المسفوح فيها قيداً احترازياً بل وارداً مورد الغالب كقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)(1) فانّه يحتمل في معنى القيد ثلاث احتمالات: من كون المراد بالدم المسفوح هو الدم السائل في مقابل الدم الذي لا يكون له سيلان كالسمك ونحوه، ومن كون المراد به الدم الخارج من الحيوان المذبوح في مقابل الدم المتخلّف في الذبيحة، ومن كون المراد به الدم الظاهر في مقابل الدم في الباطن فعلى الأولين لابدّ وأن يكون القيد احترازياً فتدبّر.
الرابع: إثبات كون الآية الكريمة في مقام بيان حرمة الدم وأخويه أعني كونها في مقام بيان حكم المستثنى دون المستثنى منه وبعبارة اُخرى كونها في مقام بيان العقد الايجابي أيضاً دون السلبي فقط:
والالتزام بثبوت هذه الاُمور الأربعة مشكل جدّاً: امّا كون الرجس في الآية الكريمة بمعنى النجس الشرعي فدون إثباته خرط القتاد لأنّ الرجس معناه الخبيث والدني وهو المعبّر عنه في الفارسية بـ «پليدى» والشاهد عليه إطلاقه على هذا المعنى في جميع موارد استعماله في الكتاب العزيز كآية التطهير المعروفة ويبلغ تلك الموارد إلى العشرة ولم يوجد في القرآن إطلاقه على المعنى المقصود في المقام أصلاً غاية الأمر انّ الرجس فيها أعمّ من القذر العرفي والقذر بنظر الشارع فكون لحم الخنزير الذي هو المتيقّن من المرجعية للضمير غير قذر في محيط العرف والعقلاء لا يقدح فيما ذكرنا كما انّ ما حكى عن شخى الطائفة (قدس سره) في التهذيب من انّ الرجس هو النجس بلا خلاف ـ وقيل ظاهره انّه لا خلاف بين علمائنا في انّه في الآية بمعنى النجس ـ لا يضرّ بما استظهرناه كما انّ اطلاقه في بعض الروايات على النجس مثل
(الصفحة 107)
ما ورد في الكلب من «انّه رجس نجس» وما ورد في الخمر من قوله (عليه السلام): «لا تصل فيه فانّه رجس» لا دلالة فيه على كون الإطلاق في الآية الكريمة أيضاً كذلك خصوصاً مع كون الإطلاق في الروايات في غاية القلّة مع انّه يمكن أن يقال بأنّ الإطلاق في مثل الروايتين أيضاً ليس بمعنى النجس فانّه يحتمل أن يكون المراد به في رواية الكلب هي القذارة المعنوية وإلاّ يلزم التكرار والتأكيد وهو خلاف الظاهر كما انّه يحتمل أن يكون المراد به في رواية الخمر أيضاً ذلك بحيث تكون العلّة لعدم جواز الصلاة فيها على طبق هذه الرواية هي قذارتها المعنوية وهي لا تنافي النجاسة الشرعية أيضاً فتدبّر.
وبالجملة لا دليل على كون الرجس في الآية الكريمة بمعنى النجس الشرعي أصلاً وإن جعل الماتن ـ دام ظلّه ـ دعواه غير مجازفة.
وامّا كون القيد وارداً مورد الغالب وعدم كونه احترازياً فهو أيضاً خلاف الظاهر لكون الأصل في القيد الاحترازية ولا يمكن لنا رفع اليد عن القيد بمجرّد احتمال كونه وارداً مورد الغالب وهذا ليس من باب الأخذ بمفهوم الوصف بل من باب مدخلية القيد في الموضوع بحيث ينتفي الموضوع بانتفائه.
وامّا الأمران الآخران فالظاهر ثبوتهما لأنّ الظاهر تعليل حرمة جميع المذكورات بكونها رجساً فلا يناسب قصره على الأخير ولحم الخنزير وإن كان ربّما يقال بعدم احتياج الأولين إلى التعليل لاستقذار الناس منهما دون الأخير لكنّه كما ترى فانّ النهي عن أكلهما انّما هو لردع الناس عنه ومع استقذارهم لا يحتاج إليه خصوصاً إذا كان المراد بالميتة غير المذكّى لا ما مات حتف أنفه فانّه ليس بمستقذر عندهم ـ حينئذ ـ مطلقاً كما لا يخفى.
كما انّ تقييد الدم بكونه مسفوحاً والتعليل بقوله: «فانّه رجس» دليل على كون
(الصفحة 108)
الآية بصدد بيان العقد الإيجابي أيضاً وليس نظره إلى بيان العقد السلبي فقط إلاّ أن يقال بعدم كفاية ذلك فإنّ ما تكون الآية بصدد بيانه هو الحرمة والدم مطلقاً وبجميع أنواعه لا يكون مأكولاً حتّى يحكم بحرمته فغاية مفاد الآية هي حرمة الدم المأكول ولا مانع من الالتزام بنجاسته فأين تدلّ على النجاسة مطلقاً ولكنّه مدفوع بأنّ المأكولية لا تكون قيداً للحرمة بل مفاد الآية الحرمة المطلقة للدم المسفوح ومقتضى التعليل النجاسة كذلك فالإشكال من هذه الجهة غير وارد لكن عرفت انّ الاستدلال يتوقّف على تمامية الاُمور الأربعة بأجمعها والمناقشة ولو في واحد تقدح في الاستدلال فتمامية الأمرين غير كافية.
ومنها: الروايات وهي على طائفتين:
الطائفة الاُولى: ما يستفاد منها ذلك من أجل كيفية سؤال السائلين الدالّة على كون نجاسته مرتكزة في أذهانهم ومفروغاً عنها عندهم بحيث كان هو الباعث على السؤال كالسؤال عن حكم ملاقي الدم أو ما وقع فيه الدم من غير تقييده بشيء ولا تخصيصه بخصوصية ولا بأس بإيراد بعضها مثل:
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (عليه السلام) بخطّه في كتابي: ينزح دلاء منها.
ورواية عبدالله بن أبي يعقور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة.
(الصفحة 109)
إلى غير ذلك ممّا يدل على انّ نجاسة طبيعي الدم كانت مفروغاً عنها عندهم لأنّ النجس لو كان هو بعض أقسامه كان عليهم التقييد في مقام السؤال مضافاً إلى انّ نجاسته تكون مرتكزة في أذهان المتشرّعة في عصرنا هذا أيضاً.
وفيه انّ هذه الروايات لا تكون في مقام بيان نجاسة الدم ولم يكن السائل في مقام السؤال عنها مطلقاً فانّه في كلمات السائلين قد فرض دم نجس وسُئل عن حكم ما وقع فيه أو لاقى معه ولذا لا يستفاد من صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع نجاسة طبيعي البول.
وامّا المتشرّعة فلو سُئل عنهم عن انّه هل يكون الدم نجساً مطلقاً لا يحكمون بنجاسته كذلك وعليك بالمراجعة إليهم والسؤال عنهم.
الطائفة الثانية: الأخبار الدالّة بإطلاقها على نجاسة الدم مثل:
النبوي: «يغسل الثوب من المني والبول والدم» فانّه فيها قد أمر بغسل الثوب من طبيعي الدم وهو يكشف عن نجاسته ولكنّه مخدوش سنداً لأنّه لم ينقل في كتب الحديث وعن الجواهر انّه مروي في كتب الفروع.
ورواية دعائم الإسلام عن الباقر والصادق (عليهما السلام) انّهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات. وهذه الرواية أيضاً تامّة الدلالة للأمر بغسل الثوب عن طبيعي الدم، وناقش بعض في دلالتها بأنّها لا تكون في مقام بيان نجاسة الدم أصلاً بل تكون بصدد بيان كيفية غسل الدم.
وفيه عدم تمامية المناقشة بوجه ولا سيما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير ولكنّها أيضاً ضعيفة السند ولهذا لم يروها في الوسائل أصلاً ولم يحرز اتّكال الأصحاب عليها حتّى يجبر ضعف سندها.
وموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال: كلّ ما