(الصفحة 14)
نجاسة ذرق الدجاج الجلال، وعن التذكرة والمفاتيح نفي الخلاف عن إلحاق الجلال من كل حيوان والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة.
وأنت خبير بعدم تمامية هذا الوجه لعدم اتصاف الإجماع ـ على تقدير ثبوته ـ بالأصالة بل من المحتمل لولا الظاهر كون مستندهم هو الأدلّة اللفظية الآتية لأنّه من البعيد وصول شيء آخر إليهم غير ما وصل إلينا.
الثاني: دعوى كون المراد من عنوان «ما لا يؤكل لحمه» في مثل رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة هو كون الموضوع نفس هذا العنوان فهو علّة للحكم بوجوب الغسل ومن الواضح شموله لما لا يؤكل بالعارض أيضاً.
وفيه انّ الظاهر كون هذا العنوان مشيراً إلى الذوات الخارجية والأنواع المحرّمة بالأصل فهو عنوان انتزاعي جامع بينها وليس له مدخلية في الحكم بل الموضوع هو ذوات تلك الأنواع وعناوينها ويشهد لذلك مضافاً إلى الظهور العرفي أولاً وإلى انّ عدم الظهور في الخلاف يكفي لسقوط الاستدلال ثانياً رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الحمار والفرس والبغل فامّا الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله. فانّه يظهر منها انّ الموضوع في الطرفين هي العناوين الأوّلية الثابتة للأنواع لا العنوان العام الانتزاعي كما هو غير خفي. وقد وقع نظير هذا الكلام في موثقة ابن بكير المعروفة الواردة في الصلاة الدالّة على النهي عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه.
الثالث: ما ورد ممّا يدلّ على غسل عرق الجلال بضميمة أولوية البول والخرء من العرق فإذا كان عرقه نجساً فنجاستهما بطريق أولى.
وفيه مضافاً إلى انّ نجاسة عرق الجلال بنحو العموم محلّ إشكال وسيأتي الكلام
(الصفحة 15)
فيه انّ الأولوية ممنوعة والقياس محرم.
الرابع: إطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الظاهرة في نجاسة مطلق البول والقدر المتيقّن من الخروج هو بول المأكول بالفعل، وامّا المأكول الذي عرض له وصف التحريم فلا دليل على خروجه من إطلاق الصحيحة أصلاً.
وفيه انّ الدليل على الخروج هي إطلاق الأدلّة الآتية الظاهرة في طهارة بول العناوين المحلّلة والأنواع التي تكون بالذات كذلك فلا وجه للاقتصار على القدر المتيقّن، مع انّك عرفت قوّة احتمال كون المراد من البول في مثلها هو بول الإنسان للانصراف إليه فتدبّر.
نعم لا وجه للاستشهاد على الطهارة بتعارض دليل النجاسة الظاهر في ثبوتها لعنوان غير المأكول ـ أصلياً كان أم عارضياً ـ مع دليل طهارة البول والخرء في مثل الغنم والبقر تعارض العموم من وجه فيرجع بعد التساقط إلى استصحاب الطهارة أو قاعدتها.
فانّه يرد عليه وضوح عدم التعارض وتقدّم الأوّل على الثاني بنحو الحكومة لتقدّم الدليل الوارد في العنوان الانتزاعي الزائد على الذات على الدليل الوارد في العنوان الأوّلي كما هو ظاهر.
ويؤيّد ما ذكر من عدم الوجه لتعميم النجاسة انّ اللازم بناءً عليه ـ خصوصاً على الوجه الثاني من الوجه الأربعة ـ الالتزام بطهارة البول والخرء من الحيوان المحرم بالذات المحلّل بالعرض كما إذا صار حلالاً بسبب الاضطرار ونحوه مع انّه مشكل جدّاً.
ويمكن دفع هذا الإشكال بما دفع به عكس مورد الفرض وهو ما إذا كان الحيوان حراماً للضرر أو الغصب أو النذر أو نحو ذلك فانّه لا مجال لتوهّم النجاسة
(الصفحة 16)
في أمثال ذلك مع انّها محرّمة الأكل بالعنوان الثانوي نظير عنوان الجلل والمطوئية للإنسان، ودفع الإشكال هو ثبوت الفرق فإنّ هذه العناوين لا توجب صيرورة الحيوان محرماً بنحو تكون الحيوانية دخيلة في الموضوع ضرورة انّ التصرّف في المغصوب بما هو مغصوب حرام لا بما انّه حيوان وهذا بخلاف مثل الجلل فانّ الموضوع للحكم بالحرمة هو الحيوان الجلال والحيوان الذي صار موطوء الإنسان، وفي المقام يقال إنّ الاضطرار لا يوجب حلّية الحيوان بل موضوعها هو عنوان ما اضطرّوا إليه بلا دخل للحيوانية فيه أصلاً فلا مجال للإشكال أصلاً لكن الكلام في أصل الدليل على النجاسة وان شيئاً من الوجوه المذكورة غير تامّ يبقى على حاله.
الأمر الثاني: لا ينبغي الإشكال في طهارة البول والغائط من حلال اللحم للإجماع بل الضرورة في الجملة ويدلّ عليه أيضاً روايات كثيرة.
منها: موثّقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه.
ومنها: صحيحة زرارة أو حسنته انّهما قالا: لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه. والنهي عن الغسل إرشاد إلى عدم النجاسة.
ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة. الدالّة على انّ الشاة وكل ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله.
ومنها: رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا بأس ببول ما اُكل لحمه.
وبالجملة: الطهارة في مثل الشاة ونحوها ممّا يكون معدّاً للأكل ويتعارف أكله ممّا لا ينبغي الإشكال فيه. نعم في خصوص خرء الدجاجة حكى عن المفيد والشيخ القول بنجاسته ولعلّه للاستناد إلى رواية فارس قال: كتبت إليه: رجل يسأله عن
(الصفحة 17)
ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب: لا. مع وضوح انّه لو كان خرء الدجاجة نجساً لصار من الضروري بعد شدّة الابتلاء به في جميع الأزمنة والأمكنة، وامّا الرواية فمردودة إلى راويها فارس الذي وصِف بأنّه الكذّاب اللعين المختلط الحديث وشاذه وقد قتل بأمر أبي الحسن (عليه السلام) كما هو المروي.
وامّا الحيوانات المحلّلة التي لا يتعارف أكل لحومها كالخيل والبغال والحمير فقد ذهب المشهور إلى طهارة أبوالها وأرواثها وخالفهم في ذلك من المتقدّمين ابن الجنيد والشيخ في بعض كتبه ومن المتأخّرين الأردبيلي فذهبوا إلى نجاستهما منه» واختار صاحب الحدائق نجاسة أبوالها دون أرواثها.
ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة فيها; ففي صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة قد أمر بالغسل من بول الحمار والفرس والبغل، ومقتضى الفهم العرفي انّ الأمر بالغسل إرشاد إلى النجاسة.
وفي موثقة سماعة قال: سألته عن أبوال السنور والكلب والحمار والفرس قال: كأبوال الإنسان.
وفي رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها. وهذه الرواية صريحة في التفصيل بين الروث والبول، وامّا السابقتان فلا تعرض فيهما لحكم الروث أصلاً لو لم نقل باحتمال كون ذكر البول من باب المثال والمقصود مطلق ما يخرج منها وفي مقابل هذه الأخبار وردت روايتان تدلاّن على طهارتهما:
إحداهما: رواية أبي الأغر النخاس قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أعالج الدواب فربّما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله، أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه؟ فقال: ليس عليك شيء. والظاهر انّ المراد بالدابة ـ عند الإطلاق ـ الخيل وأخواتها.
(الصفحة 18)
ثانيتهما: رواية معلى بن خنيس وعبدالله بن أبي يعفور قالا: كنّا في جنازة وقدامنا حمار فقال فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا ودخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فأخبرناه؟ فقال: ليس عليكم بأس.
وهاتان الروايتان وإن قيل بضعفهما إلاّ انّه ينجبر بعمل الأصحاب واعتماد المشهور عليهما فتعارضان مع الأخبار الدالّة على النجاسة بالنسبة إلى الأبوال، وامّا الأرواث فلا دلالة لشيء من الأخبار على نجاستها بل قد صرّح في رواية الحلبي ـ المتقدّمة ـ بنفي البأس عن روث الحمير فمورد المعارضة هي الأبوال فقط. فحينئذ نقول: يمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الأخبار الآمرة بالغسل عن أبوالها على حكم استحبابي لكونها ظاهرة في الحكم الوجوبي وصراحة أخبار الطهارة فيها فهي قرينة على التصرّف في تلك الأخبار وحملها على خلاف ظاهرها سيّما على مبنى الماتن ـ دام ظلّه ـ من كون ظهور الأمر في الإلزام والوجوب معلّقاً على عدم الترخيص في الترك، ونتيجة هذا الحمل هو التفصيل بين البول والروث بالحكم باستحباب الغسل في الأوّل دون الثاني، هذا بالنسبة إلى غير الموثقة من أخبار النجاسة، وامّا هي فتكون صريحة في النجاسة للتشبيه بأبوال الإنسان فيها أولاً وجعلها في رديف بول الكلب والسنّور ثانياً فيشكل الأمر في الموثّقة لمعارضتها مع أخبار الطهارة والحق تقديم أخبار الطهارة عليها للشهرة الفتوائية على طبقها التي تكون أوّل المرجحات في باب التعارض وتأيّدها بذيل موثقة ابن بكير حيث قال (عليه السلام): يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إلى أن قال: وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه.