(الصفحة 144)
مرّات. فانّها ظاهرة في نجاسة الخمر لأنّ نجاسة أكثر النجاسات قد استفيدت من الأمر بغسل ملاقيها.
وموثّقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تصل في بيت فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله ولا تصلِّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله. والمتفاهم العرفي منها أيضاً نجاسة الخمر.
ومرسلة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث النبيذ قال: ما يبلّ الميل ينجس حباً من ماء يقولها ثلاثاً.
ومرسلة يونس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك.
ورواية زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، واللحم اغسله وكله. والظاهر منها أيضاً نجاسة الخمر لأنّ الأمر باهراق المرق لا يكون له وجه إلاّ تنجّسه بوقوع قطرة الخمر فيه، ودعوى انّه يمكن أن يكون الأمر باهراقه لأجل اشتماله على الخمر لا لأجل نجاسته مدفوعة بأنّ الخمر قد صارت مستهلكة في المرق الكثير، مع ظهور الأمر بغسل اللحم أيضاً في تنجّسه بذلك.
وصحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث (أجناب خ ل) وهم يشربون الخمر ونسائهم على تلك الحال البسها ولا أغسلها واُصلّي فيها؟ قال: نعم. وظاهرها مفروغية نجاسة الخمر عند السائل لأنّه قد سُئل عن الشبهة الموضوعية وهو فيما إذا كان الحكم الإلهي
(الصفحة 145)
الكلّي معلوماً كما هو واضح.
وصحيحة عبدالله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر: انّي اُعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليَّ فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فانّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجّسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن انّه نجّسه. وهذه الرواية صحيحة سنداً وظاهرة دلالة لأنّ السائل قد جعل نجاسة الخمر مفروغاً عنها وقرّره الإمام (عليه السلام) على ذلك بل صرّح بأن إصابة الخمر الثوب موجبة لتنجّسه كما لا يخفى.
ومرسلة يونس عن هشام بن الحكم انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفقاع فقال: لا تشربه فانّه خمر مجهول، وإذا أصاب ثوبك فاغسله. وغير ذلك من الروايات الدالّة على نجاسة الخمر.
الطائفة الثانية ما يستدلّ بها على طهارة الخمر مثل:
صحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أصاب ثوبي نبيذ اُصلّي فيه؟ قال: نعم، قلت: قطرة من نبيذ قطر في حب أشرب منه؟ قال: نعم، انّ أصل النبيذ حلال وانّ أصل الخمر حرام.
وفيه انّها تدلّ على خلاف مطلوبهم لأنّه لو جعلت العلّة أي قوله (عليه السلام): «انّ أصل النبيذ حلال وانّ أصل الخمر حرام» مرتبطة بالفقرة الثانية وهي قوله: «قطرة من نبيذ...» فتدلّ على انّ الخمر لو قطرت قطرة منها في حب ماء لا يجوز شرب ذلك الماء مع استهلاكها فيه ـ على ما هو لازم القطرة والماء في الحب ـ ولا يكون ذلك إلاّ لنجاسة الخمر وتنجّس الماء بوقوع قطرة من الخمر فيه، ولو جعلت العلّة مرتبطة بالفقرتين فتدلّ على انّ ما أصاب الثوب لو كان هو الخمر فلا تجوز الصلاة فيه وما
(الصفحة 146)
قطر في حب الماء لو كان هو الخمر أيضاً فلا يجوز شربه ومن المعلوم انّه لا وجه لعدم جواز الصلاة فيه وعدم حلّية شرب ذلك الماء إلاّ نجاسة الخمر وتنجّس الثوب والماء به.
ورواية حسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن أصاب ثوبي شيء من الخمر اُصلّي فيه قبل أن أغسله؟ قال: لا بأس انّ الثوب لا يسكر.
وفي الاستدلال بها نظر لأنّها ضعيفة من حيث السند لأجل الحسين بن أبي سارة فانّه غير مذكور في الكتب الرجالية، وعن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) انّ الشيخ قد روى هذه الرواية في موضعين من التهذيب عن الحسين بن أبي سارة، وفي الاستبصار عن الحسن بن أبي سارة وهو موثق مذكور في الرجال، وحيث إنّ الحسين لا يكون له عنوان في تلك الكتب فيكشف ذلك عن انّ ما وقع في التهذيب في موضعين يكون من اشتباه النساخ وإنّ الصحيح هو الحسن بن أبي سارة.
وفيه انّ اشتباه النسّاخ يحتمل في نقل الاستبصار أيضاً بل هو أقوى من احتمال وقوع الاشتباه في نقل التهذيب لأنّ نقله وقع في موضعين منه، وامّا عدم ذكر الحسين في كتب الرجال فلا دلالة فيه على عدم وجوده وكم له من نظير فيمكن أن يكون لأبي سارة ولد آخر مسمّى بالحسين وقد أهمله أصحاب الرجال لجهالته خصوصاً مع وجود روايات اُخر له كما سيأتي في الرواية الآتية.
وربّما يقال: إنّ ذلك لا يوجب طرح رواية الاستبصار التي في سندها الحسن فيمكن أن يستدلّ بما في الاستبصار مع قطع النظر عمّا في التهذيب ولكنّه مدفوع بأنّ كون ما في الاستبصار حديثاً آخر غير ما في التهذيب مع اتحادهما من جميع الجهات إلاّ هذه الجهة بعيد جدّاً، أضف إلى ذلك كلّه انّ اشتمال المتن على التعليل غير الملائم للحكم وللسؤال وإن نفى البأس عن الصلاة فيه أعمّ من الطهارة يوجب
(الصفحة 147)
وهن الرواية كما هو غير خفي.
ورواية ابن بكير عن صالح بن سيابة عن الحسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصبّ على ثيابي الخمر؟ فقال: لا بأس به إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره.
وفيه انّها ضعيفة للحسين والصالح مع انّ تقرير الإمام (عليه السلام) ذهاب الحسين في مجلس الشراب والمخالطة مع أهل الكتاب يوجب وهناً آخر في الرواية مضافاً إلى انّه لم يثبت إطلاق نفي البأس من جهة الصلاة وغيرها حتّى يكون نفيه من جهة الصلاة دليلاً على الطهارة وإن كانت دلالته على هذا التقدير أيضاً ممنوعة لما عرفت من كونه أعمّ من الطهارة.
وبالجملة: الإطلاق غير ثابت ومن المحتمل قوياً أن يكون محطّ نظر السائل السؤال عن نفس لبس الثوب الملوّث بالخمر وانّه هل يكون محرّماً تكليفاً أم لا، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى انّ اهتمام الشارع بالخمر والمبارزة معها والاجتناب عنها بمرتبة أوجبت الشكّ والترديد في جواز لبس الثوب الذي أصابه الخمر ـ قوله (عليه السلام)في مرسلة الصدوق الآتية: «إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرم مسّه ولبسه».
وإن أبيت إلاّ عن ثبوت الإطلاق لهذه الرواية ودلالة نفي البأس من جهة الصلاة فيه على الطهارة وعدم نجاسة الخمر حتّى يتنجّس الثوب بسببها نقول الإطلاق قد قيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على نجاسة الخمر فلابدّ من حمله على نفي البأس من جهة اللبس وغيره فتدبّر جيّداً.
وموثقة ابن بكير قال: سألرجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال: لا بأس.
(الصفحة 148)
ويرد على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدّمة.
ومرسلة الصدوق قال: سُئل أبو جعفر وأبو عبدالله (عليهما السلام) فقيل لهما: انّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها أنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا: نعم، لا بأس انّ الله انّما حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه.
وهذه الرواية تامّة سنداً ـ لاسناد الصدوق إيّاها إلى الإمام (عليه السلام) دون الرواية والنقل ـ وظاهرة دلالة إلاّ من الجهة التي أشرنا إليها من كون تجويز الصلاة فيه أعمّ من الطهارة مع انّها متضمّنة لما لا يمكن الالتزام به بوجه وهو تجويز الصلاة في ودك الخنزير أي شحمه فإنّ فيه ثلاث جهات يكفي كل واحدة منها للمنع عن الصلاة فيه وهي كونه جزء من الميتة أوّلاً ونجساً ثانياً لأنّ البحث في نجاسة الخمر دون الخنزير الذي فرغنا عن ثبوت نجاسته، وجزء ممّا لا يؤكل لحمه ثالثاً فتصير الرواية موهونة بذلك جدّاً.
وحسنة علي الواسطي قال: دخلت الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبدالله (عليه السلام) وكانت صالحة ، فقالت: إنّي أتطيّب لزوجي فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر وأجعله في رأسي؟ قال: لا بأس.
وفي الاستدلال بها نظر لاحتمال أن تكون شبهة السائلة في حلّية الانتفاع بالخمر وجواز جعلها في المشطة التي تمتشط بها فلا دلالة فيها على جواز الصلاة المستلزم للطهارة على ما هو المتفاهم عند العرف وإن كان فيه نظر أيضاً كما مرّ، وبهذا يتحقّق الجمع بين هذه الرواية وبين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها؟ قال: لا حتّى تغتسل منه. فإنّ مقتضى الجمع بين الروايتين أن يقال بكون الاُولى مسوقة لبيان الحكم التكليفي والثانية لبيان الحكم الوضعي أي النجاسة.