(الصفحة 209)
العاشر: الكافر: وهو من انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة أو تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو تنقيص شريعته المطهّرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل، من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي، الحربي والذمّي، وامّا النواصب والخوارج لعنهم الله تعالى فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة، وامّا الغالي فإن كان غلوّه مستلزماً لإنكار الإلوهية أو التوحيد أو النبوّة فهو كافر وإلاّ فلا 1 .
1 ـ الكلام في هذا النوع يقع في مقامات:
المقام الأوّل: هل الكافر في الجملة نجس أم لا؟ وبعبارة اُخرى هل يكون الكافر نوعاً من أنواع النجاسات في مقابل الأنواع الاُخر أم لا؟ ونقول: إنّ الحكم بنجاسة الكفّار ـ في الجملة ـ ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، وهو ممّا انفردت به الإمامية ـ كما قال به السيّد المرتضى ـ ، ومن شعار الشيعة بحيث إنّ جميع الشيعة يعرفون انّ هذا مذهبهم ـ كما عن حاشية المدارك ـ ، وممّا انعقد عليه إجماع الشيعة ـ كما عن صريح المنتهى وظاهر التذكرة ـ وعليه إجماع المسلمين المفسّر بالمؤمنين ـ كما عن التهذيب ـ وبالجملة لا يرى مخالف في المسألة من الإمامية.
نعم ذهب العامّة إلى طهارتهم ولم يلتزم بنجاسته منهم إلاّ القليل كالفخر الرازي فانّه نقل عن صاحب الكشّاف عن ابن عبّاس ان أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير ثمّ نقل اتّفاق الفقهاء على الطهارة ثمّ قال ظاهر القرآن يدلّ على كونهم أنجاساً فلا يرجع عنه إلاّ بدليل منفصل ولا يمكن ادّعاء الإجماع فيه لما بيّنا انّ الاختلاف فيه حاصل.
وكيف كان يدلّ على نجاسته ـ في الجملة ـ بعد الإجماع بل ضرورة المذهب، من
(الصفحة 210)
الكتاب، الآية الكريمة: (انّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)(1) الآية. وقد وقعت هذه الآية الكريمة مورد التنازع بين الأصحاب من جهة انّ المراد من المشركين فيها هل هو جميع المشركين، أو صنف مخصوص منهم، ومن جهة انّها هل تدلّ على نجاستهم بالنجاسة المصطلحة عند المتشرّعة أم لا، وبعبارة اُخرى هل المراد من النجس ـ بالفتح ـ هو النجس ـ بالكسر ـ الاصطلاحي أو يكون بينهما فرق؟
والتحقيق في هذه الجهة الأخيرة ثبوت الفرق بينهما فانّ النجس ـ بالكسر ـ صفة مشبهة كالقذر ـ بالكسر ـ ويقوم مقام اسم الفاعل بخلاف النجس ـ بالفتح ـ فانّ الظاهر انّه اسم المصدر وعنوانه عنوان المصدر كالنجاسة، وإذا حمل على ذات فهو من باب حمل المعنى على الذات ويشعر بالمبالغة نحو زيد عدل.
فانّه يدلّ على انّ زيداً متمحّض في العدالة ولا مغايرة بينه وبينها وهذا واضح لا كلام فيه.
انّما الكلام في انّه هل للشارع في النجس ـ بالفتح ـ اصطلاح مخصوص وله معنى عنده غير معناه الحقيقي بأن يكون له حقيقة شرعية مغايرة للمعنى اللغوي والعرفي أم لا؟
والإنصاف: انّه لا دليل لنا على إثبات هذا المطلب ومن البعيد أن يكون للشارع في النجاسة والقذارة اصطلاح خاص مغاير للمعنى المقصود لدى العرف لا سيّما مع ملاحظة انّه لم تستعمل هذه المادّة في الكتاب الكريم إلاّ في هذه الآية الشريفة فانّه كيف يتحقّق مع استعماله دفعة واحدة وكيف يثبت الاصطلاح بمثل ذلك، فمعنى
(الصفحة 211)
النجاسة والقذارة في كلمات الشارع ـ خصوصاً في القرآن الكريم ـ ليس إلاّ المعنى العرفي لهما وهو الأمر المستكره عند العقلاء ومورد التنفّر بينهم، نعم لا تنبغي المناقشة في انّه قد تصرّف الشارع في بعض المصاديق بالتوسعة والتضييق فأدخل بعض ما ليس في نظر أهل العرف قذراً في النجاسات والقذارات كالمشرك والخمر والخنزير ونحوها وإخراج بعض ما كان بنظر العرف قذراً عنهما كالنخامة والوذي ونحوهما.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ حمل النجس ـ بالفتح ـ الذي يكون بمعنى النجاسة على المشركين يفيد انّ المشركين لا يكون لهم شأن وحقيقة إلاّ النجاسة بالمعنى المصدري وحيث إنّ النجاسة في كلام الشارع تكون بالمعنى العرفي لها على ما مرّ، والعرف لا يفهم من النجاسة إلاّ الظاهرية منها فتدلّ الآية الكريمة على انّ المشركين نجس بالنجاسة الظاهرية ولا يناسب كونهم نجاسة مع كونهم طاهراً ظاهراً ونجساً باطناً كما هو شأن المشرك من حيث كونه مشركاً.
وبهذا يندفع ما قد يقال من انّ الآية تدلّ على انّ المشركين نجس معنى وقذر باطناً لا يصلح قربهم إلى المسجد الحرام الذي هو محل العبادة الخالصة لله تعالى فانّ الشرك لا يلائم العبادة الخالصة، فانّه من بشاعة القول أن يقال: إنّ الكافر ليس إلاّ عين النجاسة والقذارة لكنّه طاهر ونظيف في ظاهره كسائر الأعيان الطاهرة.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الآية الكريمة تدلّ على نجاسة المشركين بالنجاسة الظاهرية العرفية فلابدّ وأن لا يقربوا المسجد الحرام لعدم مناسبة الموجود النجس القذر مع البيت الحرام والمسجد الحرام الذي لابدّ وأن يكون طاهراً كما إذا قيل: إنّ الكلب نجس فلا يقرب المسجد.
وقد يستدلّ على نجاسة الكافر بقوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على
(الصفحة 212)
الذين لا يؤمنون)(1) بتقريب انّ الرجس فيها بمعنى النجاسة.
ولكنّه يرد عليه انّ الرجس في هذه الآية كسائر الموارد التي استعمل فيها في الكتاب يكون بمعنى القذارة الباطنية التي يعبّر عنها في الفارسية بـ «پليدى» والإجماع المدّعى على كونه في الآية بمعنى النجاسة غير حجّة لأنّه لا معنى لحجّية الإجماع في اللغة إلاّ أن يرجع إلى الإجماع في الحكم.
المقام الثاني: في أنّه هل الكافر نجس بجميع أقسامه فيشمل الحكم بالنجاسة أهل الكتاب أيضاً كما هو ظاهر المتن أم لا؟ ولابدّ من النظر ـ أوّلاًـ في الآية الكريمة المذكورة، و ـ ثانياً ـ إلى الأقوال الواردة من أصحابنا الإمامية في أهل الكتاب، و ـ ثالثاً ـ في الروايات الكثيرة المختلفة الواردة في أهل الكتاب بعمومهم أو بعض أقسامهم فنقول:
امّا الآية الكريمة فيبحث فيها في هذا المقام من جهتين:
الاُولى: في كلمة «انّما» التي هي من أداة الحصر وان مفادها في الآية الشريفة هل هو حصر المشركين في النجاسة وانّه ليس لهم شأن ولا حقيقة سوى النجاسة فلا ينافي نجاسة غيرهم أيضاً، أو انّ مفادها حصر النجاسة في المشركين وانّه ليس غير المشرك نجساً فتصير الآية دليلاً على طهارة غير المشركين؟
الظاهر هو الأوّل وانّ سياق الآية يعطي كونها في مقام بيان حصر المشركين في النجاسة ولذا فرع عليه قوله: «فلا يقربوا المسجد الحرام...» وبعبارة اُخرى الظاهر كون الآية في مقام بيان حال المشركين ووصفهم وهذا لا يلائم إلاّ مع كون الحصر على النحو الأوّل ضرورة انّه على النحو الثاني لابدّ من الالتزام بكونها مسوقة
(الصفحة 213)
لإفادة نفي نجاسة غير المشرك ـ كما هو شأن الحصر على هذا النحو ـ وهو لا يلائم ظاهر الآية أصلاً، مع انّه يمكن أن يقال بأنّ الحصر على النحو الثاني لا دلالة له على عدم كون غير المشرك نجساً ـ بالكسر ـ فانّ مقتضى الآية على هذا التقرير حصر النجس ـ بالفتح ـ الذي هو بمعنى النجاسة في المشرك فلا يكون غيره نجساً ـ بالفتح ـ وهذا لا ينافي أن يكون نجساً ـ بالكسر ـ لأنّ النجاسة لها مراتب ومن الممكن أن تكون المرتبة الكاملة من النجاسة ثابتة للمشرك بحيث يصحّ أن يقال إنّه نجاسة، وامّا غيره من فرق الكفّار فلا يكون لها هذه المرتبة بل المرتبة المتوسطة أو الضعيفة ولا ينطبق عليه النجاسة بل يطلق عليهالنجس ـ بالكسر ـ فتأمّل.
الثانية: في المراد من المشركين في الآية الكريمة وانّه هل يكون للمشرك معنى وسيع يشمل أهل الكتاب أيضاً فنقول:
المشرك في الحقيقة من يعتقد بثبوت الشريك لله تعالى امّا في الذات ووجوب الوجود وامّا في الفعل، وامّا في العبادة والخضوع لديه كالمشركين الذين كانوا يعيشون في عصر البعثة وزمان نزول الوحي والقرآن الكريم فانّهم كانوا يعتقدون بأنّ الله خالق السماوات والأرضين لقوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله)(1) ومع ذلك كانوا يعبدون غير الله من الأصنام والآلهة ليقرّبوهم إلى الله زلفى قال الله تعالى ـ حكاية عنهم ـ : (ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى)(2) ومن المعلوم انّ اليهود والنصارى ليسا بما هم كذلك بمشركين.
نعم قد يقال إنّ مقتضى بعض الآيات الواردة فيهم انّهم من المشركين وعليه
- 1 ـ لقمان : 25 .
2 ـ الزمر : 3 .