(الصفحة 219)
يصافحه، قال: وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن اشتراه من مسلم فليصلِّ فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله.
وهذه الرواية أيضاً لا تكون في مقام بيان نجاسة اليهود والنصارى والمجوس بل تكون مسوقة لبيان ترك الموادّة معهم، والشاهد له ـ مضافاً إلى ما عرفت في بيان مفاد الروايتين السابقتين ـ نفي البأس في هذه الرواية عن النوم على فراش اليهودي والنصراني، والنهي عن إقعاد المجوسي على فراشه أو مسجده فانّه لو كان النهي عن إقعاده عليه لنجاسته فما وجه عدم النهي عن النوم على فراش اليهودي والنصراني ولا مجال لتوهّم الفرق بينهما وبين المجوسي من جهة الطهارة والنجاسة كما انّ النهي عن الصلاة في ثيابنهما أو في ثوب اشتراه من نصراني حتّى يغسله انّما هو لأجل تنجّسه بالنجاسات الاُخر غالباً لا لأجل نجاستهما العينية مع قطع النظر عن النجاسات العرضية، وما ذكرنا من كون الرواية مسوقة لبيان ترك الموادّة معهم لا ينافي نفي البأس عن النوم على فراش اليهودي والنصراني فانّه ليس مجرّد النوم على فراشهما دليلاً على الموادّة والمحابّة لإمكان أن لا يكون مجانياً بل بطريق الإجارة أو شبهها كما انّه يمكن أن يكون بعد الاشتراء منهما كما يدلّ عليه ذيل الرواية. وبالجملة لا دلالة للرواية على ما هو محل البحث في هذا المقام من نجاسة المجوسي واليهودي والنصراني.
ومنها: رواية خالد القلانسي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ألقى الذمّي فيصافحني قال: امسحها بالتراب وبالحائط، قلت: فالناصب؟ قال: اغسلها.
وفي الرواية احتمالات:
أحدها: التفصيل بين الذمّي والناصب في النجاسة وعدمها.
(الصفحة 220)
ثانيها: انّها لا ترتبط بباب النجاسة والطهارة أصلاً بل نظره (عليه السلام) إلى انّه حيث كانت المصافحة المفروضة مبتدئة من جانبهما فأجبهما وصافح معهما ولكنّك اغسل يدك بعد المصافحة مع الناصبي وامسحها بالتراب أو بالحائط بعد المصافحة مع الذمّي انزجاراً وتنفّراً والفرق اختلاف مرتبتي التنفّر والانزجار الظاهر بالغسل والمسح.
ثالثها: أن تكون الرواية في مقام بيان نجاسة الذمّي أيضاً، غاية الأمر انّه لابدّ من حملها على كون المصافحة مقرونة برطوبة إحدى اليدين، والفرق بين نجاسة الذمّي ونجاسة الناصب انّ الاُولى ترتفع بالمسح بالتراب أو الحائط والثانية لا تزول إلاّ بالغسل بالماء.
والاستدلال بالرواية انّما يبتني على هذا الاحتمال الأخير وحمل الرواية عليه مشكل في نفسه وعلى تقدير العدم فلا مرجح له على الاحتمالين الأوّلين فلا مجال للاستدلال بها على المقام.
ومنها: رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في مصافحة المسلم، اليهودي والنصراني، قال: من وراء الثوب، فانّ صافحك بيده فاغسل يدك.
وهذه الرواية نظير الرواية الاُولى من هذه الطائفة في انّه يلزم التصرّف فيها امّا بتقييد المصافحة بكونها مقرونة بالرطوبة في إحدى اليدين، أو بحمل الأمر بالغسل الظاهر في الوجوب على الاستحباب فلا يكشف ـ حينئذ ـ عن النجاسة، ولا مرجح للأوّل لو لم نقل بثبوت الترجيح للثاني في هذه الرواية من جهة وجود القرينة عليه وهي انّه لو كانت المصافحة مقرونة بالرطوبة وكان اليهودي والنصراني نجسين لكان اللازم غسل الثوب أيضاً فيما كانت المصافحة من ورائه مع انّه لم يؤمر بغسله في الرواية فيصير ذلك قرينة على انّ الأمر بالغسل يكون المراد به
(الصفحة 221)
هو الاستحباب لأجل التنفّر والانزجار كما انّ المصافحة من وراء الثوب تشعر بذلك.
فانقدح ممّا ذكرنا انّ هذه الطائفة من الروايات الواردة في أهل الكتاب لم تنهض لإثبات نجاستهم أصلاً.
الطائفة الثانية: ما ورد في المؤاكلة معهم وهي كثيرة أيضاً:
منها: صحيحتا علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمتان في الطائفة الاُولى.
ومنها: صحيحة هارون: قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : انّي اُخالط المجوسي فآكل من طعامهم؟ فقال: لا.
وهذه أيضاً لا دلالة لها على نجاسة المجوس ولا تكون في مقام بيانها أصلاً بل تكون مسوقة لبيان ترك الموادة والمخالطة معهم بحيث ينتهي إلى المواكلة من طعامهم، فإنّ الأكل من طعامهم لا يكون مستلزماً لنجاسة الإنسان دائماً ـ على تقدير نجاستهم ـ لأنّه لا يمكن الحكم بنجاسة طعامهم مطلقاً لاختلاف الأطعمة من حيث مسّ الإنسان لها وعدمه فالنهي عن الأكل من طعامهم مطلقاً ناظر إلى ما ذكرنا من مبغوضية الموادّة والمخالطة بالنحو المذكور فتدبّر.
ومنها: حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال: امّا أنافلا أواكل المجوسي، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون في بلادكم.
وهذه الرواية أيضاً كما ترى ظاهرة في كراهة دعوة المجوسي إلى الطعام كراهة لا يرتكبها الإمام (عليه السلام) لبشاعة شركة إمام المسلمين مع مجوسي مخالف لمرامه في الأكل والجلوس على مائدة واحدة سيّما إذا كانت مسبوقة بدعوته فالرواية لا ارتباط لها بباب النجاسة والطهارة أصلاً وليس في كلام السائل إشعار بكون النظر إلى ذلك
(الصفحة 222)
فانّ مورد السؤال نفس دعوة المجوسي إلى الطعام الكاشفة عن مرتبة من الموادّة والمحابّة كما هو غير خفي.
ومنها: صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي فقال: إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس.
والتقييد بطعام المسلم امّا لأجل حفظ عزّة المسلم وعدم ذلّته من جهة مجي الكافر إلى طعامه دون العكس، وامّا من جهة حلّية طعام المسلم دون الكافر لاشتماله نوعاً على مثل الخنزير والميتة. وعلى أي حال لو لم تكن في الرواية دلالة على طهارة أهل الكتاب ـ من جهة التقييد بالتوضّي الظاهر في غسل اليد ـ لا دلالة فيها على النجاسة قطعاً.
ومنها: صحيحته الاُخرى قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال: لا بأس إذا كان من طعامك، وسألت عن مؤاكلة المجوسي فقال: إذا توضّأ فلا بأس.
والظاهر عدم كونه رواية اُخرى بل هي بعينها الرواية الاُولى لأنّه من البعيد أن يسأل العيص عن حكم مسألة واحدة مرّتين خصوصاً مع وضوح المراد من الجواب وعدم وجود الابهام فيه ويؤيّده بعد الفرق بين المجوسي وبين اليهودي والنصراني بهذه الكيفة المذكورة في هذه الرواية من تقييد نفي البأس فيهما بما إذا كان من طعام المسلم ونفي البأس فيه بما إذا توضّأ وغسل يديه، فالظاهر انّها هي الرواية الاُولى وقد عرفت عدم دلالتها على النجاسة لو لم نقل بظهورهها في الطهارة.
الطائفة الثالثة: ما يدلّ على النهي عن الأكل من آنيتهم.
كصحيحة إسماعيل بن جابر وعبدالله بن طلحة قالا: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تأكل من ذبيحة اليهودي ولا تأكل في آنيتهم.
(الصفحة 223)
وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن آنية أهل الذمّة والمجوس فقال; لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر.
وهذه الرواية لو كان ذيلها مقيّداً لصدرها لتصير من الروايات الدالّة على طهارتهم حيث قيّد النهي عن الأكل في آنيتهم بما إذا كانت الآنية يشرب فيها الخمر فالآنية من حيث هي لا تكون نجسة ولو كانت ممسوسة لهم مع الرطوبة أيضاً ـ على ما هو مقتضى الإطلاق ـ ولو بقى الصدر على إطلاقه لتكون مثل الروايات السابقة في انّه يحتمل أن يكون النهي لترك المعاشرة والاختلاط معهم لا للنجاسة فلا دلالة لها عليها بوجه.
وامّا النهي عن أكل طعامهم الذي يطبخون فيحتمل أن يكون منشأه انّ أهل الكتاب يأكلون لحم الخنزير وشحمه، والمطبوخ من الطعام لا يكون خالياً عن اللحم والشحم عادةً، أو لأنّ آنيتهم التي يطبخون فيها الطعام يتنجّس بطبخ مثل لحم الخنزير فيها ومن المعلوم انّها بعدما تنجّست لا يرد عليه غسل مطهر على الوجه الشرعي نوعاً، ويؤيّد هذا الاحتمال ذيل الرواية خصوصاً لو كان مقيّداً للصدر أيضاً.
ورواية زكريا بن إبراهيم قال: دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقلت: إنّي رجل من أهل الكتاب وانّي أسلمت وبقي أهلي كلّهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم اُفارقهم بعد فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا ولكنّهم يشربون الخمر فقال لي: كُلْ معهم واشرب. وفيما رواه الكليني انّه قال: فأكون معهم في بيت واحد وآكل من آنيتهم.
وهذه الرواية لها دلالة ظاهرة على عدم نجاسة النصرانية من حيث هم كذلك