(الصفحة 261)
ناصبي، وظاهر بعضها الآخر انّه ليس الناصب من نصب للأئمّة (عليهم السلام) بل الناصب من نصب لشيعتهم، وفي بعضها الاشتمال على التعليل بأنّك لا تجد أحداً يقول إنّي أبغض محمّداً وآل محمّد ـ عليه وعليهم السلام ـ .
والإنصاف: انّها مجملة يرد علمها إلى أهلها ومصادرها ولا نفهمها نحن لأنّه لو أبغض أحد للشيعة ونصب لهم لكونهم موالين لأهل البيت (عليهم السلام) كيف يمكن أن لا يكون مبغضاً للأئمّة (عليهم السلام) ، مع انّ بغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعداوته لا يكون له مدخل في النصب لأنّ الناصب هو المسلم ظاهراً فما معنى قوله (عليه السلام) : «لأنّك لا تجد أحداً يقول انّي أبغض محمّداً وآل محمّد» مع انّه لا يمكن القول بأنّ كلّ عامّي ناصب فانّ النواصب طائفة مخصوصة منهم وهم الذين يتديّنون بنصبهم ويتقرّبون إلى الله بعداوتهم كما يشهد به ما في القاموس: «انّ الناصب من يبغض علياً ويتديّن بذلك» وهو المتيقّن من معاقد الإجماعات وموارد الروايات.
وامّا الغلاة فهم على طوائف:
الاُولى: من يعتقد الرّبوبية لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو لأحد من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)فيعتقد بأنّه هو الله تعالى وانّه الربّ الجليل والإله المجسّم الذي نزل إلى الأرض وهذه الطائفة لو ثبت اعتقادهم بذلك فلا إشكال في كفرهم ونجاستهم لأنّه إنكار لإلوهيته سبحانه وهو من أحد الأسباب الموجبة للكفر والنجاسة.
الثانية: من يعتقد بشركة عليّ أو أحد الائمّة ـ عليه وعليهم السلام ـ مع الله تعالى في تدبير العالم وإدارته وهو أيضاً نجس لكونه مشركاً كما عرفت.
الثالثة: من اعتقد بأنّ الله تعالى قد اتّحد مع عليّ (عليه السلام) أو حلَّ فيه، وهذه الطائفة لو اعتقوا انّ علياً (عليه السلام) قد صار بعد الحلول أو الاتّحاد إلهاً في مقابل الله تعالى فهم مشركون لا إشكال في نجاستهم، ولو اعتقدوا انّ العبد قد يفنى في الله فناء الظلّ في
(الصفحة 262)
ذي الظلّ بحيث تزول الاثنينية وتجيء الوحدة وقد تحقّق هذا في عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فهذه العقيدة وإن كانت باطلة واقعاً إلاّ انّها لا توجب الكفر والنجاسة.
الرابعة: المفوّضة وهم الين يعتقدون انّ الله تعالى هو خالق السماوات والأرضين وما بينهما وبارئها ويعترفون بإلوهيته سبحانه مع الاعتقاد بأنّ الاُمور الراجعة إلى التشريع والتكوين كلّها بيد أمير المؤمنين أو أحدهم (عليهم السلام) وانّه هو الُمحيي والمُميت والرازق وانّ الله قد عزل نفسه عمّا يرجع إلى تدبير العالم وفوّض الاُمور إليه (عليه السلام)كسلطان عزل نفسه عمّا يرجع إلى تدبير مملكته وفوّض اُمورها إلى أحد وزرائه، وهذه العقيدة وإن كانت باطلة وإنكاراً للضروري لأنّ الاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع كلّها مختصّة بذات الواجب تعالى إلاّ انّها لا توجب الكفر مستقلّة ولا تكون من أسبابه كذلك، نعم لو رجع إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) كما إذا كان المعتقد بها عالماً بأنّ ما ينكره ممّا ثبت بالدين ضرورة فهو كافر لذلك، وإلاّ فلا.
الخامسة: من لا يعتقد بربوبية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يعتقد بتفويض الاُمور إليه أو إلى أحد من ولده وانّما يعتقد بأنّه وغيره من المعصومين بعده ولاة الأمر وانّهم كما ثبت لهم الولاية التشريعية ثبت لهم الولاية التكوينية فيقدرون على الإماتة والإحياء والشفاء والإغناء بإذن الله تبارك وتعالى وإقداره لهم مع حفظ كمال قدرته واستقلاله وعدم انعزاله وإنّ كلّ شيء بيده ولا حول ولا قوّة إلاّ به وكون أزمّة الاُمور طرّاً بيده فهذا مع انّه لا يكون مستلزماً للكفر يكون كمال التوحيد لأنّ المعتقد بهذه العقيدة الصحيحة يعتقد بأنّ دائرة قدرة الله ليس لها حدّ محدود وانّه تعالى كما يقدر نفسه المقدّسة على الإماتة والإحياء ونحوهما كذلك يقدر على إقدار الغير على ذلك وإعطاء هذه المزية له مع حفظ قدرته وثبوت المزية لنفسه فكيف يكون هذا من الكفر والشرك مع انّه لا محيص عن الالتزام بذلك بالإضافة إلى
(الصفحة 263)
طائفة اصطفاهم الله من بين الناس وفضّلهم على غيرهم بمقتضى الآيات والروايات الكثيرة في هذا الباب أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
ومن العجب بعد ذلك من بعض المنتحلين للتشيّع المعتقدين بالإمامة كيف يرى انّه لا فضيلة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم وانّ امتيازهم في مجرّد استجابة الدعاء وانّهم لا يقدرون على شيء من الاُمور المذكورة فإذا كان المسيح قادراً على إحياء الموتى غاية الأمر بإذن الله كيف لا يكون الإمام قادراً عليه وتأويل الآية الظاهرة في ذلك من دون قيام دليل على خلاف ظاهره لا مجال له أصلاً، ودعوى رجوعه إلى الشرك واضحة الفساد فإنّ الشرك لا يتحقّق إلاّ بالاعتقاد باتّحاد الرتبة في الذات أو في الفعل أو في العبادة وما نعتقده في أئمّتنا (عليهم السلام) لا يرجع إلى ذلك بوجه فانّ قدرتهم تابعة لقدرة الله ولا تكون واقعة في عرضها وهذا من الوضوح بمكان فإنّ قدرة العبد من شؤون قدرة المولى وقدرة الوكيل في طول قدرة الموكّل ولا وجه لجعل القدرتين في عرض واحد مع التحفّظ على مقاميّ العبودية والمولوية والوكيلية والموكلية.
وبالجملة لابدّ للنافي من الالتزام بأحد أمرين: امّا بأنّ الله تعالى مع عموم قدرته وشمولها لكلّ شيء لا يقدر على إعطاء مزية الإماتة والإحياء وشبههما لبعض المخلوقات ولا يمكن له إقدار غيره على ذلك ومن المعلوم انّ هذا يرجع إلى تحديد قدرته ونفي ما فرض من عموم القدرة وشمولها ودعوى انّ عدم العموم انّما هو لعدمن قابلية المقدور لاستلزامه الشرك مدفوعة بما عرفت من عدم الاستلزام بل كونه مؤيّداً للتوحيد وانحصار منبع القدرة فيه تعالى.
وامّا بأنّه تعالى مع ثبوت القدرة له على ذلك لم يتحقّق منه هذا الأمر المقدور فنقول: لا وجه ـ حينئذ ـ لعدم التحقّق بعدما نرى من فضل الأئمّة (عليهم السلام) على جميع
(الصفحة 264)
المخلوقين وامتيازهم عليهم وقابليتهم لهذه العناية العظيمة.
وحيث إنّ الالتزام بالأمرين على ما عرفت ممّا لا مجال له فلا محيص عن الرجوع إلى محض الحقيقة والصراط المستقيم الذي دلَّ عليه الكتاب والسنّة في عليّ والأئمّة (عليهم السلام) وعند ذلك نسأل الله القول الثابت والعقيدة الراسخة المستقيمة وأن يخرج عن قلوبنا حبّ الدنيا الذي هو الأساس للانحرافات والداعي إلى الضلالة والغواية كما هو غير خفيّ على أهل البصيرة والدراية.
(الصفحة 265)
مسألة 12 ـ غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة(عليهم السلام) الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وامّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب 1.
1 ـ والأولى طرح البحث بهذه الصورة وهي انّ إنكار الولاية لجميع الأئمّة (عليهم السلام)أو لبعضهم هل يكون مثل إنكار الرسالة موجباً للكفر والنجاسة أم لا؟ فنقول: المشهور بين الأصحاب طهارة أهل الخلاف وغيرهم من الفرق المخالفة للشيعة الاثنى عشرية المعروفة بالإمامية، ولكن صاحب الحدائق (قدس سره) قد اعتقد بكفرهم ونجاستهم ونسبه إلى المشهور بين المتقدّمين وإلى السيّد المرتضى (قدس سره)وغيره ولم يقتصر على الحكم بنجاسة غير الشيعة بل عمّم الحكم بها للشيعة غير الاثنى عشرية وقال: بأنّ أوّل من قال بالطهارة هو المحقّق (قدس سره) ثمّ اعترض عليه شديداً قائلاً بأنّه لا دليل على طهارتهم أصلاً.
وليعلم انّه يكون هناك دليلان قطعيان مقتضاهما طهارة كلّ مسلم ـ إمامياً كان أم غيره من فرق المسلمين:
الأوّل: ما ورد في غير واحد من الروايات من انّ المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح انّما هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله)رسول الله، وفي بعضها زيادة «انّه هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها».
الثاني: السيرة القطعية المستمرّة القائمة على معاملة الطهارة مع المخالفين بأجمعهم حيث إنّ المتشرّعة في زمان الأئمّة (عليهم السلام) وكذلك الأئمّة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللحم ويرون حلّية ذبائحهم ويباشرونهم ويعاملون معهم معاملة الطهارة مطلقاً ويفرّقون بينهم وبين الكفّار بل ولا يفرّقون بينهم وبين متابعيهم في الجهات الراجعة إلى أصل الإسلام والطهارة المترتّبة عليه كما هو واضح. وعليه