(الصفحة 290)
الدرهم من الدم ـ مثلاً ـ فانّه على قول الفخر تكون الصلاة باطلة لفقدانها لشرط طهارة المكان التي تكون خالية عن الاستثناء وعلى قول غيره لا تبطل الصلاة لكونها معفوّاً عنها على ما هو المفروض.
وكيف كان فالدليل على اعتبار طهارة موضع الجبهة ـ مضافاً إلى كون المسألة إجماعية لم يقع فيها خلاف بين الأصحاب وإن كان ربّما يتوهّمالخلاف من جماعة منهم المحقّق (قدس سره) حيث استجود ما حكاه في المعتبر عن الراوندي وصاحب الوسيلة من القول بجواز السجدة على الأرض والبواري والحصر المتنجّسة بالبول فيما إذا تجفّفت بالشمس مع عدم كون الشمس عندهم من المطهّرات لكن التوهّم في غير محلّه لاحتمال كون الترخيص انّما هو من جهة ثبوت العفو عن السجود في خصوص الفرض المذكور، ومن هنا لم يرخصوا في السجود عليها فقط فهو مؤكّد للإجماع على عدم جواز السجود على النجس الذي لم يثبت العفو عنه ـ صحيحة حسن بن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) انّه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليَّ بخطّه: إنّ الماء والنار قد طهّراه. فانّ ظهور السؤال في كون المنع عن السجود على النجس من الاُمور المسلّمة المفروغ عنها لدى السائل وتقرير الإمام (عليه السلام) له على هذا الاعتقاد وتصريحه بحصول الطهارة للجص بسبب النار والماء الظاهر في أنّه لولا حصول الطهارة لما جاز السجود عليه ممّا لا ينبغي أن ينكر فالصحيحة تامّة الدلالة على اعتبار طهارة موضع السجدة وقد مرّت انّ المسألة إجماعية فلا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم. نعم ربّما يشكل معنى الرواية وانّ الماء والنار كيف طهّرا الجصّ وما المراد بالماء والنار المطهّرين وإن كان الجهل بذلك لا يكاد يقدح في الاستدلال بالرواية على اعتبار الطهارة في موضع السجدة بعد ظهور السؤال في المفروغية
(الصفحة 291)
والجواب في التقرير والدلالة على انّه لولا الطهارة لما جاز السجود على الجص مع النجاسة كما لا يخفى على اُولي الدراية.
إلاّ انّه ربّما يقال: إنّ المراد بالنار حرارة الشمس وبالماء رطوبة الجص الحاصلة بصبّ الماء عليه لعدم إمكان التجصيص بالجص اليابس فمرجع الرواية إلى انّ الجصّ المشتمل على الرطوبة والمتنجّس بالعذرة وعظام الموتى يطهر بإشراق الشمس عليه.
ولا يخفى عدم تمامية هذا القول لأنّ حمل النار على حرارة الشمس مع عدم إشعار في الصحيحة بوقوع ذلك في محلّ تراه الشمس ويصل إليه نورها بعيد جدّاً خصوصاً مع ملاحظة انّ النار والشمس عنوانان متغايران عند العرف كما انّ حمل الماء على الرطوبة الحاصلة بصبّ الماء عليه أيضاً كذلك.
وذكر بعض الأعلام في الشرح انّ الماء والنار في الصحيحة باقيان على معناهما الحقيقي وانّ الجص قد طهر بهما لأنّ النار توجب طهارة العذرة والعظام النجستين بالاستحالة حيث تقلبهما رماداً والاستحالة من المطهّرات، وامّا الماء فلأنّ مجرّد صدق الغسل يكفي في تطهير مطلق المتنجّس إلاّ ما قام الدليل على اعتبار تعدّد الغسل فيه وخروج الغسالة وانفصالها غير معتبر فإذا صبّ الماء على الجص المتنجّس أو جعل الجص على الماء فلا محالة يحكم بطهارته وإن لم تخرج غسالته فصحّ أن يقال: إنّ الماء والنار قد طهّراه ـ كما يصحّ أن يسجد عليه ولا يمنع الطبخ عنه لأنّ الجص من الأرض ولا تخرج الأرض عن كونها أرضاً بطبخها أصلاً.
وأنت خبير بأنّ انقلاب العذرة وعظام الموتى رماداً بسبب النار انّما يوجب طهارتهما للاستحالة لا طهارة الجص المتنجّس الذي لم يعرض له الاستحالة ضرورة انّ الاستحالة تطهر معروضها لا شيئاً آخر مع عروض النجاسة له قبل
(الصفحة 292)
تحقّقها ودعوى انّ النار قد طهرت العذرة وعظام الموتى والماء قد طهّر الجص المتنجّس بهما مدفوعة بكونها خلاف ظاهر الصحيحة فانّ ظاهرها مدخلية الأمرين في تطهير الجصّ.
والإنصاف انّه لا يمكن الوصول إلى معنى الرواية لا من جهة التعليل الواقع في الجواب ولا من جهة أصل السؤال الظاهر في حصول النجاسة للجص مع انّ الجص لا يتّصف بالنجاسة في مفروض الرواية سواء كان الإيقاد عليه بنحو كان الجص في ظرف واقع على العذرة أو عظام الموتى أو بنحو كان ملاقياً لهما. امّا على الأوّل فواضح ضرورة انّ الإيقاد عليه بهذا النحو لا يوجب نجاسته، وامّا على الثاني فلأنّ الملاقاة الحاصلة بين الجص اليابس والعذرة اليابسة إذ هي التي يمكن أن توقد كيف يوجب عروض النجاسة للجص وهكذا عظام الموتى ودعوى كون العظام تشمل المخّ وفيه دهن ودسومة مدفوعة بعدم كون النظر إلى هذه الجهة وعلى تقديره فبالنسبة إلى العذرة التي هي مستقلّة في عروض الشبهة للسائل ولا مجال لإنكار كونها يابسة وإلاّ لا تكون صالحة لأن توقد لا موقع لهذا الكلام فالوصول إلى معنى الرواية وفقه الحديث غير ممكن ولكنّه لا يقدح في الاستدلال بها على المقام كما عرفت.
وامّا اعتبار طهارة سائر المواضع السبعة كما قد حكى عن أبي الصلاح فلم يظهر له وجه وربّما يستدلّ له بالنبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» نظراً إلى شمول الجميع للمساجد السبعة بأجمعها ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف سند الرواية وعدم معلولية الجابر له ـ انّه يحتمل قوياً أن يكون المراد بالمساجد هي الأمكنة الشريفة المعدّة للعبادة سيّما الصلاة المسمّاة بالمسجد في الكتاب والسنّة في مثل قوله
(الصفحة 293)
تعالى: (وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد)(1) وقوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم)(2) وقوله تعالى: (ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه)(3) وقوله تعالى: (انّما يعمّر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)(4)وقوله (عليه السلام) في الرواية: «جنّبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان» وغير ذلك من الموارد الكثيرة، ثمّ إنّه على تقدير كون المراد هي مواضع السجود فالمتبادر منه موضع الجبهة لأنّه المنسبق إلى الذهن والمتبادر إليه والتعبير بالجمع انّما هو بلحاظ تكثّر المخاطبين وأفراد المصلّين كما لا يخفى.
وأضعف من ذلك الاستدلال له بصحيحة ابن محبوب المتقدّمة الواردة في الجص فانّ مفادها مجرّد انّه لولا تطهير الماء والنار لما جاز السجود على الجص المتنجّس، وامّا ان عدم الجواز هل يكون مستنداً إلى وجود المانع في خصوص مسجد الجبهة أو إلى وجوده في جميع المواضع السبعة فلا دلالة للصحيحة عليه لو لم نقل بظهور السؤال في نفسه في جواز السجود بمعنى وضع الجبهة عليه نظراً إلى الانسباق والتبادر المتقدّم آنفاً فهذا القول ممّا لا يساعده الدليل بوجه.
وامّا القول المحكي عن السيّد من اعتبار طهارة مكان المصلّي بأجمعه من غير اختصاص بالمواضع السبعة فضلاً عن خصوص موضع الجبهة فقد استدلّ له ـ مضافاً إلى النهي عن الصلاة في المجزرة وهي المواضع التي تذبح فيها الأنعام، والمزبلة والحمّامات وهي مواطن النجاسة فتكون الطهارة معتبرة ـ إلى الروايات
- 1 ـ الأعراف: 29 .
2 ـ التوبة: 108 .
3 ـ البقرة: 114 .
4 ـ التوبة: 18 .
(الصفحة 294)
المتعدّدة:
منها: موثقة ابن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيُصلّي عليه؟ قال: لا. قال في محكي الوافي: «الشاذكونة بالفارسية الفراش الذي ينام عليه».
ومنها: موثقة عمّار الساباطني عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سُئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنّه قد يبس الموضع القذر؟ قال: لا يصلّى عليه واعلم موضعه حتّى تغسله، وعن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلِّ على ذلك الموضع حتّى ييبس، وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فانّه لا يجوز ذلك.
ومنها: صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه؟ فقال: إذا جففته الشمس فصلِّ عليه فهو طاهر.
ومنها: صحيحة زرارة وحديد بن حكيم الأزدي جميعاً قالا: قلنا لأبي عبدالله (عليه السلام): السطح يصيبه البول، أو يُبال عليه يصلّيفي ذلك المكان؟ فقال: إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافّاً فلا بأس به إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً.
واُجيب عن الدليل الأوّل انّه يمكن أن يكون النهي عن الصلاة في هذه المواضع من جهة عدم التناسب بين الصلاة التي هي عمود الدين ومعراج المتّقين وقربان المؤمنين وبين هذه الأمكنة لاستقذارها واستخباثها ودلالتها على مهانة نفس من يستقربها ويؤيّده تعلّق النهي بالأماكن المذكورة بعناوينها الأوّلية غير الملازمة