(الصفحة 295)
للنجاسة فإنّ مثل عنوان المزبلة لا يلازمها بوجه مع انّه يمكن اتخاذ موضع لا يعلم نجاسته بل علم طهارته بالتطهير وشبهه مع انّ إطلاق النهي يشمل هذه الصورة أيضاً فيكشف ذلك عن عدم كون النهي لأجل النجاسة الموجودة في تلك الأمكنة وعلى تقديره فغاية مفادها مانعية النجاسة عن الصلاة في مثلها، وامّا انّ المانعية انّما هو لأجل اعتبار طهارة المكان بأجمعه فلا دلالة للروايات عليه فمن الممكن أن يكون المعتبر طهارة المواضع السبعة أو خصوص مسجد الجبهة كما لا يخفى. والإنصاف ما عرفت من كون النهي فيها نهي تنزيه ولا يكون ناظراً إلى النجاسة وإطلاقه يشمل صورة عدمها أيضاً.
وامّا الموثّقتان الدالّتان على النهي عن الصلاة في المكان النجس الشاملتان بإطلاقهما لما إذا كانت طهارة موضع الجبهة أو جميع المواضع السبعة معلومة بالخصوص فالجواب عن الاستدلال بهما انّهما معارضتان بما يدلّ صريحاً على الجواز في نفس موردهما كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أيصلّى عليها في المحمل؟ قال: لا بأس. ورواية محمّد بن أبي عمير قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُصلّي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ فقال: لا بأس.
ومقتضى الجمع حمل الموثقين على الكراهة لصراحة المعارضين في الجواز وتقييد مورد السؤال في الصحيحة بالمحمل لا يشعر باختصاص نفي البأس في الجواب به كما لا يخفى.
وربّما يجمع بينهما بطريق آخر أفاده بعض الأعلام في الشرح وهو انّ الصحيحتين وإن كانتا ظاهرتين في الإطلاق من حيث رطوبة الشاذكونة وجفافها إلاّ انّه لابدّ من تقييدهما بصورة الجفاف وعدم رطوبتهما للأخبار المعتبرة الدالّة
(الصفحة 296)
على اعتبار الجفاف في مكان المصلّي إذا كان نجساً، فإذا قيّدناهما بصورة الجفاف فلا محالة تنقلب النسبة بينهما وبين موثقة ابن بكير من التبائن إلى العموم المطلق فيتقيّد بهما إطلاق الموثقة وتكون محمولة على خصوص صورة الرطوبة.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى انّ هذا النحو من الجمع على تقدير تماميته انّما يجري في خصوص موثقة ابن بكير دون موثقة عمّار التي موردها صورة يبوسة الموضع القذر ـ ان حمل الموثقة على صورة الرطوبة حمل على الفرد النادر خصوصاً بعد ملاحظة انّ الجنابة لا تتّصف بالرطوبة إلاّ في أوائل الإصابة سيّما في البلاد الحارّة فحملها عليه مع هذه الجهة غير مستقيم، وامّا الأخبار التي أوجبت تقييد المعارضين بصورة الجفاف فلابدّ من ملاحظتها وانّها هل تدلّ على اعتبار طهارة المكان بمعنى جفافه إذا كان نجساً ولو لم تكن النجاسة مسرية إلى المصلّي أو ثوبه أصلاً أم لا؟ فالإنصاف انّ الحمل على الكراهة جمع عقلائي بينهما.
وامّا ما عدى الموثقتين من الصحيحتين المذكورتين دليلاً للسيّد فالجواب انّهما أيضاً معارضتان بالأخبار الدالّة على الجواز وهي كثيرة:
منها: صحيحة علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول، ويغتسل فيهما من الجنابة أيُصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال: نعم.
ومنها: صحيحته الاُخرى عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) أيضاً قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلّى عليه؟ قال: إذا يبست فلا بأس.
ومنها: صحيحته الثالثة عنه أيضاً قال: سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: نعم لا بأس.
ومنها: صحيحته الرابعة عنه أيضاً قال: سألته عن رجل مرّ بمكان قد رشّ فيه
(الصفحة 297)
خمر قد شربته الأرض وبقي (بقيت) نداوته أيصلّى فيه؟ قال: إن أصاب مكاناً غيره فليصل فيه وإن لم يصب فليصل ولا بأس.
ومنها: موثقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر، هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها.
وجه المعارضة انّ الصحيحتين تدلاّن على عدم كفاية الجفاف بمجرّده بل لابدّ من عروض المطهر ولو كان هي الشمس وامّا هذه الأخبار فمفادها كفاية مجرّد الجفاف ولو لم يكن مستنداً إلى الشمس بل مورد بعضها صورة عدم إصابة الشمس أصلاً.
والجمع بينهما امّا بحملهما على إرادة خصوص مسجد الجبهة وانّه لابدّ من خلوّه عن مطلق النجاسة يابسة كانت أم رطبة ولا يشترط ذلك في بقية المواضع، وامّا بالحمل على الكراهة لصراحة هذه الأخبار في الجواز ويؤيّد هذا الجمع الاستثناء الواقع في صحيحة زرارة وحديد بن حكيم بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً» فانّه لا وجه للنهي عن صورة الاتخاذ مبالاً مع فرض حصول الجفاف بالشمس والريح إلاّ كونه غير ملائم لما هو أهمّ العبادات والقرب من الصلاة، ويمكن الجمع بنحو آخر وهو انّ تقييد الجفاف بالشمس فيهما ليس لأجل مدخلية الشمس في ترتّب الحكم بل انّما هو لأجل كون الجفاف في مثل السطح انّما يتحقّق به نوعاً فالمقصود مجرّد حصول الجفاف من أي طريق ويؤيّده عطف الريح على الشمس في إحداهما مع انّ الريح لا يكون مطهراً وإن كان يبعده قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «فهو طاهر».
وكيف كان فلا يمكن استفادة اعتبار طهارة مكان المصلّي من مثل الروايات المذكورة. نعم يقع الكلام بعد ذلك في استفادة اعتبار الجفاف في مكانه ولو بالنسبة
(الصفحة 298)
إلى غير المواضع السبعة بحيث لو كانت في مكانه نجاسة رطبة غير مسرية إلى الثوب والبدن أصلاً لكانت مانعة من الصلاة فيه وعدمها، والظاهر انّه لا يستفاد من هذه الأخبار الدالّة على اعتبار الجفاف مع ملاحظة الأخبار الدالّة على اشتراط طهارة الثوب والبدن إلاّ انّ الرطوبة المانعة انّما هي ما إذا كانت موجبة للسراية إلى الثوب أو البدن فمجرّد وجود النجاسة غير المسرية في مكان المصلّي لا يمنع عن الصلاة. ومن هنا يعلم انّ السراية وحدها غير كافية في المانعية بل فيما إذا كان الثوب أو البدن متنجّساً بسببها بما لا يعفى عنه في الصلاة فإذا كان هناك دم رطب وقد سرى إلى الثوب أو البدن ولكنّه كان أقلّ من الدرهم أو كان من القروح أو الجروح أو كان الثوب الساري إليه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده كالجورب وشبهه فلا يكون مانعاً عن صحّة الصلاة وبذلك يظهر بطلان ما حكى عن الفخر (قدس سره) ممّا تقدّم من جعل اعتبار الطهارة من شرائط المكان من حيث هو، وإن حكى عن إيضاحه انّه حكى عن والده (قدس سره) دعوى الإجماع على صحّة الصلاة في ذي المتعدّية وإن كانت معفوّاً عنها. فانّ الظاهر انّ دعوى الإجماع انّما نشأت من إطلاقات كلماتهم وهي منصرفة إلى الإرادة من تلك الجهة وكيف لا فقد صرّح غير واحد على ما حكي بخلاف ذلك وربّما استدلّوا عليه باستلزامه تفويت شرط الثوب والبدن ومن ذلك ظهر صحّة ما أفاده في المتن من قوله: «فلا بأس بنجاستها ـ أي سائر المواضع ـ ما دامت غير سارية إلى بدنه أو لباسه بنجاسة غير معفوّ عنها». كما انّه ظهر ممّا ذكرنا انّ اعتبار طهارة موضع الجبهة ومسجدها انّما هو لأجل تحقّق السجود على موضع طاهر وعليه فالمعتبر انّما هي الطهارة في حال السجود فلو كان مسجد الجبهة متنجّساً في غير حال السجود طاهراً حاله لا يقدح ذلك في صحّة الصلاة أصلاً كما لا يخفى.
(الصفحة 299)
المقام الثالث: في وجوب إزالة النجاسة عن المساجد وحرمة تنجيسها فالكلام يقع في حكمين:
الأوّل: وجوب الإزالة وقد ادّعى غير واحد الإجماع عليه ولم ينقل الخلاف فيه من أحد عدا ما عن صاحب المدارك (قدس سره) من الميل إلى جواز تنجيسها الملازم عرفاً لعدم وجوب إزالة النجاسة عنها، ووافقه على ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) ولكن الارتكاز في أذهان المتشرّعة وانعقاد الإجماع القطعي في المسألة أوجبا شذوذ المخالفة مضافاً إلى الروايات الواردة الآتية.
ولكن الحدائق استدلّ على مرامه بموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة؟ قال: يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة. نظراً إلى انّ إطلاقها يشمل ما إذا كانت الصلاة في المسجد فتدلّ على جواز تنجيس أرض المسجد وحائطه.
ويرد عليه وضوح انّ الرواية مسوقة لبيان حكم آخر وهو انّ انفجار الدمل الملازم لخروج مقدار من الدم نوعاً وتحقّق التنجّس به لا يمنع عن إدامة الصلاة بل يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة ولا دلالة لها على جواز المسح على حائط المسجد أو أرضه فهل يمكن التمسّك بإطلاقها لجواز تنجيس حائط الغير بدون اذنه فالظاهر انّ الرواية ناظرة إلى ما ذكر من عدم استلزام انفجار الدمل لبطلان الصلاة. نعم ربّما يقال في منشأ توهّم الاستلزام انّ مسح المنفجر من الدمل بمثل الحائط أو الأرض فعل كثير قاطع للصلاة والجواب ناظر إلى عدمه ولكن هذا القول مندفع بكون المسح مذكوراً في الجواب دون السؤال بل محط نظر السائل هو الانفجار الملازم لخروج مقدار من الدم نوعاً كما لا يخفى. ومنه يظهر فساد ما قيل في مقام الجواب من انّ انفجار الدماميل لا يستلزم وجود الدم بل