(الصفحة 328)
محيص عن التفصيل بين الحكمين والحكم بثبوت الحرمة فقط في البين.
ثالثها: عدم جريان شيء من الحكمين لقصور الأدلّة وعدم شمولها لما لا يكون مسجداً بالفعل والاستصحاب في الأحكام الكلّية غير جار من دون فرق بين المنجز والمعلّق فالأصل الحاكم هو أصالة البراءة عن الوجوب والحرمة.
والحقّ إنّ دعوى قصور الأدلّة وعدم شمولها للمقام خصوصاً بعدما عرفت من عدم كون تغيّر العنوان موجباً للخروج عن كونه مسجداً واقعاً مشكلة جدّاً وانّ الاستصحاب الجاري في كلا الحكمين استصحاب تنجيزي فانّ الاستصحاب التعليقي مورده ما إذا كان الحكم في ظاهر الدليل معلّقاً على شيء كما في قوله (عليه السلام): «العصير العنبي إذا غلا يحرم» فانّ الحرمة قد علّقت في ظاهر الدليل على الغليان، وامّا في مثل المقام فالحكم تنجيزي غاية الأمر انّه لا موضوع له مع عدم التنجّس. وإن شئت قلت: انّه تعليق عقلي وهو خارج عن بحث الاستصحاب التعليقي وقد حقّق في محلّه جريان الاستصحاب في كلا القسمين وحجّيته في الأحكام الكلّية فالأحوط لو لم يكن أقوى جريان كل من الحكمين في مفروض المقام فتدبّر.
(الصفحة 329)
مسألة 4 ـ لو علم إخراج الواقف بعض أجزاء المسجد عنه لا يلحقه الحكم، ومع الشكّ فيه لا يلحق به مع عدم امارة على المسجدية 1.
1 ـ امّا عدم اللحوق في صورة العلم بإخراج الواقف بعض أجزاء المسجد عنه كما إذا علم بأنّه لم يجعل صحن المسجد أو جدرانه أو سقفه جزء من المسجد فواضح لأنّ مورد الحكمين ـ وجوب الإزالة وحرمة التلويث ـ هو المسجد وأجزائه والمفروض عدم اتّصافه بهذا العنوان ولا مانع من التفكيك بعد كون الاختيار بيد الواقف.
وامّا عدم اللحوق أيضاً في صورة الشكّ مع عدم الأمارة على المسجدية فلكون الشبهة موضوعية تحريمية بالإضافة إلى أحد الحكمين ووجوبية بالنسبة إلى الحكم الآخر والاحتياط في الشبهات الموضوعية وإن كان حسناً إلاّ انّه لا يكون لازماً عقلاً.
وامّا اللحوق مع وجود الأمارة عليها كمعاملة المسلمين معه معاملة المسجدية أو شهادة الحال بكونه مسجداً فلأنّه لو لم يكتف بمثلها في ذلك لا يمكن إثبات المسجدية في أكثر المساجد خصوصاً المساجد القديمة التي مات واقفها ولا تعلم كيفية وقفها ولا أصل الوقفية بوجه أصلاً.
(الصفحة 330)
مسألة 5 ـ كما يحرم تنجيس المصحف تحرم كتابته بالمداد النجس، ولو كتب جهلاً أو عمداً يجب محوه فيما ينمحي، وفي غيره كمداد الطبع يجب تطهيره 2.
(2) قد عرفت انّ حرمة التنجيس مطلقاً ـ سواء تحقّق الهتك أم لا ـ يمكن أن يستدلّ عليها ـ مضافاً إلى وضوح أهمّية القرآن وعدم الملائمة بينه وبين النجاسة الموجبة للنفرة في الأنظار العادية مع انّه كتاب الهداية ولابدّ من الرجوع إليه للاستضائة من نوره ـ بأولويته من المسجد لأنّه أشدّ إضافة إلى الله من إضافة المسجد إليه، فحرمة التنجيس ثابتة، وعليه لا فرق بين التنجيس وبين الكتابة بالمداد النجس لو لم يكن الثاني أشدّ من الأوّل، ومع كتابته كذلك جهلاً أو عمداً لا يرتفع حكم وجوب الإزالة بل هو باق على قوّته فيجب تطهيره بأيّ نحو تحقّق، وإذا لم يتحقّق إلاّ بمحوه كما إذا كان بغير مداد الطبع ممّا ينمحي بالغسل بالماء فاللازم محوه لكن لا بخصوص الغسل بالماء فانّه لا فرق ـ حينئذ ـ بين أن يغسل بالماء فينمحي أو أن يمحى بغيره كما هو ظاهر.
وامّا في مداد الطبع فتطهيره بالماء لا يوجب انمحائه فيجب ذلك لكن هل يجوز محوه رأساً بدل التطهير بالماء فيه إشكال.
(الصفحة 331)
مسألة 6 ـ من صلّى في النجاسة متعمّداً بطلت صلاته ووجبت إعادتها من غير فرق بين الوقت وخارجه، والناسي كالعامد، والجاهل بها حتّى فرغ من صلاته لا يعيد في الوقت ولا خارجه وإن كان الأحوط الإعادة، وامّا لو علم بها في أثنائها فإن لم يعلم بسبقها وأمكنه إزالتها بنزع أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته، وإن لم يمكنه استأنفها لو كان الوقت واسعاً وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك على الأقوى، وإن لم يمكن صلّى بها، وكذا لو عرضت له في الأثناء، ولو علم بسبقها وجب الاستئناف مع سعة الوقت 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: الصلاة في النجاسة متعمّداً والمراد بالمتعمّد هو العالم المتعمّد بقرينة ذكر الجاهل بعده، كما انّ المراد بالنجاسة ما تكون الصلاة مشروطة بطهارة الثوب والبدن منها وعليه فالدمّ إذا كان أقلّ من الدرهم أو الثوب المتنجّس الذي لا تتمّ الصلاة فيه خارج عن محلّ البحث لأنّه فيما لا يعفى عنه في الصلاة والحكم فيها بطلان الصلاة ووجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه والدليل عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من الدليل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب ولابدن والقدر المتيقّن منه صورة العلم والتعمّد ضرورة انّه مع إخراجه أيضاً تلزم اللغوية ـ بعض الروايات الدالّة عليه كحسنة عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم انّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يُعيد ما صلّى. الحديث. ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد. وغير ذلك من
(الصفحة 332)
الروايات الدالّة عليه فلا مجال للإشكال في هذا الفرع، كما انّ تعميم الحكم بالإعادة لما بعد الوقت يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق حسنة ابن سنان الدالّة على وجوب الإعادة كون ذلك مقتضى بطلان الصلاة الفاقدة للشرط على ما هو المفروض. ولا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد كما سيأتي مضافاً إلى اقتضائه عدم وجوب الإعادة في الوقت أيضاً.
الفرع الثاني: الصلاة في النجاسة نسياناً والمسألة من جهة وجوب الإعادة مطلقاً وعدمه كذلك والتفصيل بين الوقت وخارجه محلّ خلاف بين الأصحاب فالأشهر بل المشهور هو القول الأوّل، وعن الشيخ في الاستبصار والعلاّمة في بعض كتبه هو القول الأخير بل نسب إلى المشهور بين المتأخّرين وعن الشيخ أيضاً في بعض أقواله هو القول الثاني واستحسنه المحقّق في محكي المعتبر وجزم به صاحب المدارك على ما حكى ومنشأ الاختلاف، اختلاف الأخبار الواردة في حكم المسألة فطائفة منها ظاهرة في وجوب الإعادة مطلقاً وطائفة اُخرى تدلّ على عدمه كذلك، وواحدة منها ظاهرة الدلالة على التفصيل.
امّا الطائفة الاُولى فكثيرة:
منها: صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلمت أثره إلى أن اُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ثمّ إنّي تذكّرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة وتغسله. الحديث.
ومنها: حسنة عبدالله بن سنان ـ المتقدّمة آنفاً ـ فانّ موردها امّا صورة النسيان نظراً إلى انّ العالم الملتفت المريد للامتثال لا تتحقّق منه الصلاة مع النجاسة وعليه فالاستدلال به في الفرع المتقدّم انّما هو بمفهوم الموافقة فانّ الناسي إذا وجب عليه الإعادة مطلقاً فالعالم الملتفت بطريق أولى، وامّا الأعمّ من الملتفت والناسي. وكيف