(الصفحة 333)
كان فدلالته على حكم هذا الفرع ممّا لا إشكال فيه.
ومنها: مصحّحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة. وتقريب الدلالة ما ذكرناه في دلالة الحسنة.
ومنها: رواية ابن مسكان قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي ويذكر بعد ذلك انّه لم يغسلها؟ قال: يغسلها ويعيد صلاته.
ومنها: موثقة سماعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشيء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه قلت: فكيف يصنع من لم يعلم أيعيد حين يرفعه؟ قال: لا ولكن يستأنف.
ومنها: حسنة محمّد بن مسلم أو صحيحته المشتملة على قوله (عليه السلام): وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه.
ومنها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان الاستنجاء الدالّة على وجوب إعادة الصلاة معه.
وامّا الطائفة الثانية فكثيرة أيضاً:
منها: صحيحة أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له.
(الصفحة 334)
ومنها: رواية هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال، فقال: يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة.
ومنها: ما رواه عمّار بن موسى قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لو انّ رجلاً نسى أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة.
وامّا الرواية المفصلة فهي رواية علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انّه بال في ظلمة الليل وانّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ انّه أصابه ولم يره وانّه مسحه بخرقة ثمّ نسى أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه، ثمّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرئته بخطّه: امّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلاّ ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل انّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء الله.
وربّما تجعل هذه الرواية شاهدة للجمع بين الطائفتين الاُولتين بحمل الطائفة الاُولى الدالّة على وجوب الإعادة على الوقت والطائفة الثانية الدالّة على عدم الوجوب على خارجه ولكن ذلك متوقّف على اعتبار الرواية في نفسها وخلوّها عن التشويش والاضطراب الموجب للاطمئنان بعدم الصدور عن الإمام (عليه السلام)خصوصاً مع كونها مضمرة وكون الكاتب مجعول الحال وإن كان يمكن أن يقال بأنّ علي بن مهزيار لا يروي عن غير الإمام (عليه السلام) والوجه في الاضمار انّه أشار في أ وّل كتابه الذي جمع فيه أجوبة مسائل الرجال مع نفس المسائل بأنّ هذه الأجوبة من الإمام (عليه السلام) لئلاّ يحتاج إلى ذكر اسمه الشريف عند كل رواية. هذا ولكن ذلك لا يقاوم
(الصفحة 335)
الوثوق الحاصل من تشويش العبارة واضطراب المتن.
ووجهه انّ ذيل الرواية يدلّ على انّه لو صلّى مع نسيان إزالة النجاسة الحدثية بالوضوء أو الغسل تكون صلاته فاسدة يجب عليه إعادتها في الوقت وفي خارجه وعلّله بكون الثوب خلاف الجسد ومراده انّ النجاسة الخبثية تغاير القذارة الحدثية فانّه يجب في الثاني الإعادة مطلقاً ولا يجب في الأوّل إلاّ الإعادة في الوقت خاصّة مع انّ مورد الرواية الذي حكم فيه بالتفصيل بين الصلوات التي فات وقتها وبين ما كان منها في الوقت كما يدلّ عليه قوله: فإن حقّقت اخلى قوله: وإن كان جنباً، من قبيل الثاني وذلك لأنّ موردها ما إذا توضّأ للصلاة مع نجاسة رأسه ووجهه وكفّيه، وـ حينئذ ـ فإن قلنا ببطلان ذلك الوضوء فيدخل المورد في قوله: وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء، فتجب عليه الإعادة مطلقاً، وإن لم نقل ببطلان وضوئه امّا لعدم كون المتنجّس منجساً وامّا لحصول الطهارة المعتبرة في صحّة الصلاة والغسل المعتبر في الوضوء معاً بصبّ الماء بقصد الوضوء فلا تجب عليه الإعادة مطلقاً لعدم وقوع صلاته لا في النجاسة الخبثية ولا في القذارة الحدثية إلاّ أن يقال إنّ ظاهرها نجاسة الوجه والكفّين والرأس والأوّلان وإن كان يمكن القول بارتفاع نجاستهما بصبّ ماء الوضوء عليهما إلاّ انّ الأخير لا مساس له بأجزاء الوضوء ومحلّه، والمقدار الذي له مساس لا تكاد ترتفع نجاسته بالمسح أو يقال إنّ تنجّس غير محل البول به يحتاج زوال النجاسة عنه إلى الغسل مرّتين ولم يفرض في الرواية التعدّد فوجوب الإعادة في الوقت دون خارجه انّما هو لأجل نجاسة البدن المعبّر عنها بنجاسة الثوب في ذيل الرواية.
ولكن قوله (عليه السلام) : صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه، يشعر بل يدلّ على انّ المقتضى لوجوب الإعادة هو الخلل الحاصل في الوضوء ومن ناحيته لا النجاسة الخبثية.
(الصفحة 336)
وبالجملة الاعتماد على الرواية مشكل من جهة الإضمار واشتباه حال الكاتب وهذا القول الأخير المشعر بكون منشأ الحكم النقص في الوضوء، والتعليل بكون الثوب خلاف الجسد مع انّ المراد من الثوب هو البدن ومن الجسد هو معروض القذارة الحدثية، وكون أجزاء الوضوء ممسوحة بالدهن مع انّ الدهن يمنع عن وصول الماء وعدم كون المتنجّس منجساً وغير ذلك من الجهات التي توجب سقوط الرواية عن درجة الاعتبار وتنفي الوثوق بصدورها من المعصوم (عليه السلام) وقد شهد بإجمال الرواية المحدِّث الكاشاني (قدس سره) حيث قال ـ فيما حكي عنه ـ : إنّ الرواية يشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النسّاخ. ومعه لا يمكن أن تنهض حجّة لإثبات حكم شرعي، فلا تصلح لأن تكون شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين، فالواجب امّا الجمع بينهما بوجه آخر، وامّا الرجوع إلى المرجّحات.
فنقول: ربّما يجمع بين الطائفتين بالتفصيل بين الوقت وخارجه نظراً إلى انّ المتيقّن من الطائفة الدالّة على عدم الوجوب هو عدم الوجوب في خارج الوقت، كما انّ المتيقّن من الطائفة الداّة على الوجوب، هو الوجوب في الوقت فيرفع اليد عن ظاهر كلّ من الطائفتين بنصّ الطائفة الاُخرى لأنّه مقتضى الجمع العرفي بين المتعارضين، والنتيجة هو التفصيل بين الوقت وخارجه، وهذا كما جمع بعضهم بهذه الكيفية بين الطائفتين الواردتين في بيع العذرة، الدالّة إحداهما على بطلان بيع العذرة وانت ثمنها سحت من غير فرق بين أنواعها، وثانيتهما على الصحّة وانّه لا بأس ببيع العذرة كذلك حيث جمع بينهما بحمل الاُولى على عذرة الإنسان وكلّ ما لا يؤكل لحمه وحمل الثانية على عذرة ما يؤكل لحمه نظراً إلى المتيقّن من الطائفتين.
والجواب: إنّ هذا النحو من الجمع لا يعدّ جمعاً عرفياً موجباً لخروج الطائفتين عن عنوان المعارضة ضرورة انّ الجمع العرفي المعتبر هو ما يوجب ذلك لئلاّ
(الصفحة 337)
يشملهما الأخبار العلاجية التي موردها المتعارضان أو المتخالفان أو ما أشبهه والجمع في المقام ليس كذلك لأنّ اللفظ في كلتيهما واحد والدلالة فيهما في رتبة واحدة من دون أن تكون في إحداهما بنحو الظهور وفي الاُخرى بنحو النصوصية وإلاّ كان اللازم حمل الظاهر على النصّ مطلقاً من دون أن يفرق بين أنواع العذرة في المثال.
وبالجملة لا شاهد من العرف على هذا النحو من الجمع فلا مجال للمصير إليه أصلاً.
ويؤيّده انّه لا يمكن حمل بعض الروايات الدالّة على وجوب الإعادة على كون المراد هي الإعادة في الوقت للتصريح فيها بأنّه صلّى فيه صلاة كثيرة، ومعه كيف يمكن الحمل على الوقت وذلك كما في حسنة محمد بن مسلم المتقدّمة ومثلها.
وربّما يقال في مقام الجمع بأنّه يحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب لمكان وجود النص على الصحّة وعدم وجوب الإعادة فما نحن فيه من قبيل تعارض النص والظاهر ولا محيص عن إرجاع الثاني إلى الأوّل وفي الحقيقة لا تعارض بينهما بنظر العرف أصلاً.
وأجاب عنه سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ في مجلس درسه بما قرّرناه في تقريراته ممّا حاصله انّ عدم التعارض ووجوب الحمل فيما إذا ورد الأمر من المولى ثمّ ورد الإذن في الترك وإن كان مسلماً كما يشهد بذلك حكم العرف بذلك بل قد حقّقنا في الاُصول انّ ظهور الأمر في الوجوب معلّق على عدم ورود الإذن في الترك، إلاّ أن ذلك فيما إذا كان الأمر مولوياً مقتضياً لاستحقاق المكلّف العقوبة على تقدير المخالفة، وصحّة عقوبة المولى الأمر على ذلك التقدير، لا فيما إذا كان إرشادياً كالأوامر الواردة عن النبي والأئمّة ـ صلوات الله عليه وعليهم في