(الصفحة 337)
يشملهما الأخبار العلاجية التي موردها المتعارضان أو المتخالفان أو ما أشبهه والجمع في المقام ليس كذلك لأنّ اللفظ في كلتيهما واحد والدلالة فيهما في رتبة واحدة من دون أن تكون في إحداهما بنحو الظهور وفي الاُخرى بنحو النصوصية وإلاّ كان اللازم حمل الظاهر على النصّ مطلقاً من دون أن يفرق بين أنواع العذرة في المثال.
وبالجملة لا شاهد من العرف على هذا النحو من الجمع فلا مجال للمصير إليه أصلاً.
ويؤيّده انّه لا يمكن حمل بعض الروايات الدالّة على وجوب الإعادة على كون المراد هي الإعادة في الوقت للتصريح فيها بأنّه صلّى فيه صلاة كثيرة، ومعه كيف يمكن الحمل على الوقت وذلك كما في حسنة محمد بن مسلم المتقدّمة ومثلها.
وربّما يقال في مقام الجمع بأنّه يحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب لمكان وجود النص على الصحّة وعدم وجوب الإعادة فما نحن فيه من قبيل تعارض النص والظاهر ولا محيص عن إرجاع الثاني إلى الأوّل وفي الحقيقة لا تعارض بينهما بنظر العرف أصلاً.
وأجاب عنه سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ في مجلس درسه بما قرّرناه في تقريراته ممّا حاصله انّ عدم التعارض ووجوب الحمل فيما إذا ورد الأمر من المولى ثمّ ورد الإذن في الترك وإن كان مسلماً كما يشهد بذلك حكم العرف بذلك بل قد حقّقنا في الاُصول انّ ظهور الأمر في الوجوب معلّق على عدم ورود الإذن في الترك، إلاّ أن ذلك فيما إذا كان الأمر مولوياً مقتضياً لاستحقاق المكلّف العقوبة على تقدير المخالفة، وصحّة عقوبة المولى الأمر على ذلك التقدير، لا فيما إذا كان إرشادياً كالأوامر الواردة عن النبي والأئمّة ـ صلوات الله عليه وعليهم في
(الصفحة 338)
مقام بيان الأحكام وتبليغها إلى الناس.
وتوضيحه انّ الأوامر الصادرة عنهم (عليهم السلام) على قسمين:
قسم يصدر منهم في مقام اعمال المولوية والسلطنة على الناس الثابتة لهم ولا إشكال في كون هذا القسم مولوياً تجب إطاعته لكون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقسم يصدر منهم في مقام بيان الأحكام وتبليغ الشرائع كالأمر الصادر من المفتي في مقام الافتاء بل هو عينه وكالأمر الصادر من الطبيب المعالج بالنسبة إلى المريض ولا إشكال في كون هذا القسم إرشادياً لا يترتّب على مخالفته وموافقته عقوبة ومثوبة.
والأمر في المقام من هذا القبيل ضرورة انّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى بطلان الصلاة وعدم كونها واجدة للشرط أو فاقدة للمانع، والحكم بالمضي وعدم وجوب الإعادة إرشاد إلى الصحّة والواجدية والفاقدية وكيف يمكن الجمع بين ما يدلّ على البطلان وما يدل على الصحّة والتمامية وهذا كما فيما إذا أخبر أحد بالصحّة والآخر بالبطلان فهل يمكن دعوى كون الخبرين صادقين ولا مانع من اجتماعهما ومطابقتهما للواقع؟!
ويؤيّد ما أفاده (قدس سره) انّ حمل الطائفة النافية للوجوب على الاستحباب والحكم باستحباب إعادة الناسي في الوقت وخارجه يوجب التسوية بينه وبين الجاهل فانّه لا مجال للإشكال في الاستحباب بالإضافة إليه مع انّ هنا روايات تدلّ بالصراحة على الفرق بين الناسي والجاهل وسيأتي نقلها ولكن لا مانع من الإشارة إلى واحدة منها وهي رواية زرارة المعروفة المتقدّم نقل بعضها الدالّة على التفصيل بين الجاهل والناسي.
ثمّ إنّه بعد عدم إمكان الجمع بين الطائفتين ولزوم الرجوع إلى المرجّحات لا
(الصفحة 339)
محيص عن الأخذ بما دلّ على وجوب الإعادة مطلقاً امّا لما حقّقناه في محلّه من كون الشهرة الفتوائية أوّل المرجّحات على ما تدلّ عليه مقبولة ابن حنظلة وغيرها ولا ريب في موافقتها لما دلَّ على وجوبها، وامّا لما قيل من كون شذوذ الرواية المعارضة وندرتها توجب سقوطها عن درجة الاعتبار والحجّية رأساً وخروجها عن صلاحية المعارضة كلاًّ لأنّها ـ حينئذ ـ تصير مخالفة للسنّة وقد أمرنا بطرح ما خالف الكتاب والسنّة وقد وصف الشيخ (قدس سره) في محكي التهذيب ـ صحيحة أبي العلاء المتقدّمة بكونه خبراً شاذّاً لا يعارض به الأخبار، وامّا لكون ما دلّ على عدم الوجوب موافقاً للعامّة حيث نسبه الشيخ إلى جملة معظمة من علمائهم كأبي حنيفة والشافعي في القديم والأوزاعي وقال: روى ذلك عن ابن عمر، ونسب العلاّمة في محكي التذكرة القول بعدم الوجوب في المسألة إلى أحمد أحد أئمّتهم الأربعة وعليه فاللازم حمل ما دلّ على عدم الوجوب على التقية. وكيف كان لا ينبغي مجال للإشكال في الالتزام بما ذهب إليه المشهور من لزوم الإعادة مطلقاً وقد أنكر بعضهم نسبة القول بعدم وجوب الإعادة إلى الشيخ (قدس سره) .
الفرع الثالث: ما يتضمّنه قول الماتن ـ دام ظلّه ـ : «والجاهل بها حتّى فرغ من صلاته لا يعيد في الوقت ولا خارجه وإن كان الأحوط الإعادة» والمأخوذ في الموضوع أمران أحدهما الجهل بالنجاسة أي بالموضوع بحيث لا يدري إصابة مثل الدم والبول إلى ثوبه مثلاً، وثانيهما استدامة الجهل إلى ما بعد الصلاة والفراغ منها، نعم الجهل بالموضوع قد يكون مع التوجّه واحتمال النجاسة، وقد يكون مع الغفلة وعدم الالتفات إليها رأساً. والاحتمالات بل الأقوال فيه أربعة:
أحدها: وجوب الإعادة في الوقت وفي خارجه كالعالم المتعمّد نسب هذا القول إلى بعضهم من دون أن يسم قائله.
(الصفحة 340)
ثانيها: عدم وجوب الإعادة مطلقاً وهذا هو المشهور واختاره الماتن.
ثالثها: التفصيل بين الوقت وخارجه بلزوم الإعادة في الأوّل دون الثاني وهو محكي عن المبسوط ومياه النهاية والنافع والقواعد وبعض الكتب الاُخر.
رابعها: التفصيل بين من شكّ في الطهارة ولم يتفحّص عنها قبل الصلاة فيعيد، وبين غيره فلا يعيد. وقد قوّاه في الحدائق وادّعى انّه ظاهر الشيخين والصدوق واحتمله الشهيد في الذكرى بل مال إليه في الدروس.
امّا القول المشهور فيدلّ عليه اُمور:
الأوّل: قاعدة الاجزاء المحقّقة في الاُصول في خصوص الجاهل المحتمل للنجاسة الجاري في حقّه استصحاب الطهارة أو قاعدتها بل مطلق الجاهل وحاصلها انّ المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي أو بالأمر الظاهري يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي والوجه فيه انّ الاُصول العملية ـ مثلاً ـ ناظرة إلى المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ودالّة على توسعته وعدم تقيّده بالشرط الواقعي ـ مثلاًـ بل يكفي في تحقّقه مجرّد الشك وعدم مسبوقية الخلاف فقاعدة الطهارة يكون مفاد دليل اعتبارها انّ الطهارة الواقعية لا تكون معتبرة في حق الشاك فيها بل الأعمّ منها ومن الطهارة الظاهرية وإن شئت فقل: بأنّ مفادها نفي اعتبار الطهارة في حقّ الشاكّ فصلاته مع فقدان الطهارة واقعاً تكون صلاة صحيحة مطابقة لما هو المأمور به ومنه يظهر انّ الأمر الظاهري لا يكون أمراً في قبال الأمر الواقعي بل مدلوله مجرّد التوسعة في المأمور به بذلك الأمر والتفصيل في محلّه. وعليه فصلاة الجاهل في مفروض المسألة لا يكون فيها خلل موجب للإعادة في الوقت أو في خارجه.
نعم يمكن أن يتوهّم انّ العلم بالنجاسة بعد الفراغ يكشف عن عدم جريان الأصل العملي وبطلان مثل قاعدة الطهارة ولكن هذا التوهّم فاسد فإنّ الشكّ
(الصفحة 341)
المأخوذ في مجرى الأصل العملي ليس هو الشكّ الباقي للتالي وإلاّ تلزم لغوية جعل الاُصول العملية لعدم إحراز مورده غالباً بل مجرّد الشكّ وحدوثه وان تبدّل إلى اليقين بعد زمان بل ومع العلم بالتبدّل أيضاً فانكشاف الخلاف بعد الفراغ لا يكشف عن عدم جريان القاعدة من الأوّل بل يوجب انتهاء أمدها وعدم استدامة جريانها وقد عرفت انّ جريانها بمجرّده يقتضي الاجزاء فتدبّر.
الثاني: حديث لا تعاد المعروف بناء على اختصاص الطهور الذي هو واحد من الخمسة المستثناة فيه بخصوص الطهارة من الحديث وعليه فالطهارة من الخبث باقية في المستثنى منه ولا تجب الإعادة من جهة الإخلال بها.
الثالث: الروايات الدالّة عليه وهي كثيرة:
منها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به؟ قال: عليه أن يبتدئ الصلاة، قال: وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جناية أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جناية أو دم؟ قال: إن كان قد ع لم انّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، وإن كان يرى انّه أصابه شيء فنظر فلم يرَ شيئاً أجزأه أن ينضحه بالماء.
ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد.
ومنها: رواية العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاماً. ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره انّه لا يصلّي فيه؟ قال: لا يعيد شيئاً