(الصفحة 344)
الوجوب فيحمل الظاهر على النصّ ولا ينافي ذلك اشتمال الموثقة على بيان حكم العالم ـ بناءً على ما هو الظاهر من معناها ـ مع انّ العالم يجب عليه الإعادة قطعاً فانّ قيام الدليل على ورود الاذن في الترك بالنسبة إلى بعض مدلول الصيغة لا ينافي بقائها على ما هو ظاهرها بالإضافة إلى البعض الآخر خصوصاً لو قيل بأنّ ظهور الأمر في الوجوب انّما هو من قبيل ظهور الفعل وإلاّ فنفس الصيغة لا تدلّ إلاّ على إنشاء الطلب المشترك بين الوجوب والاستحباب.
ولو أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة بين الطائفتين وعدم إمكان الجمع العرفي فاللازم أيضاً الأخذ بالروايات الدالّة على عدم وجوب الإعادة لكونها موافقة لفتوى المشهور ومورداً لعمل الأصحاب فلا محيص عن الحكم بعدم الوجوب.
وامّا القول الثالث وهو التفصيل بين الوقت وخارجه فيمكن أن يكون مستنده الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين من الأخبار بحمل إطلاق ما ظاهره الوجوب على الوقت وإطلاق ما يدلّ على عدمه على خارج الوقت.
ويرد عليه انّ هذا بمجرّده جمع تبرّعي لا سبيل إليه. نعم لو كان في البين رواية دالّة على التفصيل لكان جعلها شاهدة للجمع بمكان من الإمكان والمفروض عدم وجودها وفتوى الشيخ (قدس سره) بذلك في بعض كتبه وإن كان يمكن أن يقال بكشفها عن وجود نص في الجوامع الأوّلية شاهد على الجمع غير واصل إلينا إلاّ انّه ليس بكاشف قطعي بل ولا ظنّي لوجود الشهرة المحقّقة على الخلاف ومجرّد الاحتمال لا يقاوم الدليل.
ويمكن أن يكون مستند التفصيل ما ربّما يقال من انّ صحيحة وهب وموثقة أبي بصير المتقدّمتين وإن كان مدلولهما وجوب الإعادة مطلقاً والنسبة بينهما وبين الأخبار الدالّة على عدم الوجوب كذلك التي هي مستند المشهور هو التباين إلاّ انّ
(الصفحة 345)
القاعدة تقتضي تخصيصهما أولاً بما هو صريح في عدم وجوب الإعادة خارج الوقت لأنّ النسبة بينهما وبينه بالإضافة إلى الإعادة في خارج الوقت نسبة النص أو الأظهر إلى الظاهر، وبعد ذلك تنقل النسبة بينها وبين الطائفة النافية إلى العموم المطلق فلا مناص من الجمع بينهما بحمل الطائفة النافية على إرادة الإعادة خارج الوقت وحملهما على الإعادة في الوقت فيتّجه التفصيل.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى وجود الإجمال أو الإشكال في نفس الروايتين كما عرفت ـ ان حمل الأخبار النافية على إرادة الإعادة خارج الوقت لا يجري في جميعها كما في مثل صحيحة زرارة المشتملة على تعليل عدم وجوب الإعادة بثبوت استصحاب الطهارة ضرورة جريان التعليل في كلتا الصورتين بل لو كان الحكم هو عدم وجوب الإعادة في خصوص خارج الوقت لكان المتعيّن التعليل بذلك لا بالاستصحاب الجاري فيهما خصوصاً مع عدم كون الاستصحاب بمجرّده كافياً لذلك بل لابدّ من ضمّ شيء آخر إليه وهو انّ الحكم الظاهري يقتضي الاجزاء ويوجب الاكتفاء ولو انكشف الخلاف ولذا ربّما يستدلّ بهذا التعليل على مفروغية اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاا نظراً إلى عدم تماميته بدونه، مع انّه يمكن أن يقال بأنّ مورد هذا الحكم منها هو قبل خروج الوقت لظهور عبارة السؤال في تحقّق الرؤية بعد الفراغ بلا فصل ومن الظاهر انّ الفراغ من الصلاة لا يكون مصادفاً لخروج الوقت غالباً.
وكيف كان فلا مجال لحمل مثل الصحيحة على خارج الوقت وعليه فالمعارضة بينه وبين الروايتين باقية وقد عرفت انّه لا محيص من حملهما على الاستحباب. نعم لا ينبغي ترك الاحتياط بملاحظة الروايتين في كلتا الصورتين كما احتاط الماتن ـ دام ظلّه ـ .
(الصفحة 346)
وامّا القول الرابع وهو التفصيل بين المتفحّص قبل الصلاة وغيره بوجوب الإعادة على الثاني دون الأوّل فمستنده روايتان:
إحداهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول.
فإنّ تعليق الحكم بعدم وجوب الإعادة على النظر في الثوب وعدم رؤية المني أو البول ظاهر في انتفائه مع عدم النظر وعدم التفحّص.
ثانيتهما: رواية ميمون الصيقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ; إن ك ان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر، فعليه الإعادة.
وتؤيّد الروايتين صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله: «فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه...».
ويرد على الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم انّ التأمّل فيها يقضي بكون المناط هو العلم بالنجاسة قبل الصلاة أو بعدما يدخل فيها وعدم العلم بها كذلك وانّما عبّر عن العلم في الجملة الاُولى بالرؤية نظراً إلى حصول العلم بسببها غالباً كما انّه عبّر عن عدم العلم بعدمها بعد النظر لذلك، فالملاك في وجوب الإعادة وعدمه هو العلم وعدمه ويؤيّد ذلك ـ مع انّه هو المتفاهم عند العرف من مثل الرواية ـ انّه على غير هذا التقدير يلزم إهمال الرواية لحكم صورة ثالثة وهي صورة وجود النجاسة وعدم التفحّص عنها قبل الصلاة ودعوى إفادة الرواية لحكمها بالمفهوم
(الصفحة 347)
مدفوعة بأنّ احتياجها إلى التصريح والإفادة بالمنطوق كان أشدّ من احتياج صورة العلم كما هو ظاهر، فالتأمّل في الرواية يعطي كون المناط ما ذكرنا فلا يتمّ الاستدلال بها على التفصيل.
وامّا رواية ميمون الصيقل فربّما يقال بأنّ دلالتها على المدّعى غير قابلة للمناقشة مع انّه لا ارتباط لها بالمقام أصلاً فانّ السؤال فيها لا يكون مرتبطاً بالصلاة بوجه والجواب لا يتعرّض لحكم الصلاة أيضاً كذلك بل السؤال انّما هو عن انّه أجنب الرجل بالليل واغتسل من الجنابة قطعاً ثمّ بعدما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة وغرض السائل انّه هل يجب عليه الاغتسال من الجنابة ثانياً لأنّه يحتمل تجدّدها في حال النوم بعدما اغتسل من الجنابة قبله أو انّه لا يجب عليه ولا نظر له إلى وقوع الصلاة في الثوب الكذائي بل ولا إشعار في السؤال بذلك بل محطّ النظر لزوم إعادة الاغتسال وعدمه والجواب أيضاً ناظر إلى ذلك وانّه إن كان حين قام من النوم نظر إلى الثوب فلم يرَ شيئاً فلا تجب عليه إعادة الغسل وتكراره وإن كان حين قام منه لم ينظر إليه فوجود الجنابة في الثوب امارة عرفية على تحقّق الاحتلام والجنابة حال النوم فيجب عليه الغسل ثانياً فالمراد من الإعادة وعدمها هي إعادة الغسل وعدمها كما انّ المراد من القيام هو القيام من النوم لا القيام للصلاة. والإنصاف انّ الرواية لا يكون لها أيّ ارتباط بما نحن فيه، مع انّ ميمون الصيقل مجهول الحال والرواية ضعيفة السند.
وامّا صحيحة زرارة فالفحص والنظر فيها مفروض في كلام السائل ولا إشعار فيها بمدخليته في الحكم بعدم وجوب الإعادة خصوصاً مع ملاحظة التعليل بجريان الاستصحاب المشترك بين الصورتين وخصوصاً مع دلالة الصحيحة في موضع آخر منها على عدم وجوب الفحص وعدم ترتّب أثر عليه من جهة نفي وجوب
(الصفحة 348)
الإعادة وهو قوله (عليه السلام) بعدما سأله زرارة بقوله: فهل عليَّ إن شككت في انّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك. حيث يدلّ على انّ فائدة الفحص منحصرة في ذهاب الشكّ وزوال الوسوسة ولا أثر له في الحكم بعدم وجوب الإعادة وخصوصاً مع انعقاد الإجماع على عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية وإن كان ربّما يناقش فيه فيما يرتفع الشكّ بمجرّد النظر والملاحظة ولكن المناقشة مدفوعة بهذه الصحيحة ومثلها فتدبّر. مع انّ هذه الروايات على تقدير ت مامية دلالتها لا تقاوم الروايات النافية لوجوب الإعادة مطلقاً التي بعضها صريحة في كون الملاك لعدم وجوبها هو الجهل وعدم العلم بالنجاسة في حال الصلاة فهذا التفصيل أيضاً لا مجال له.
ثمّ إنّه ذكر السيّد (قدس سره) في «العروة» انّه لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ثمّ صلّى فيه وبعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته فالظاهر انّه من باب الجهل بالموضوع فلا تجب عليه الإعادة والقضاء.
وربّما يقال في وجهه انّ المستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة وما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن علم قبل أن يصلّي فنسى وصلّى فيه فعليه الإعادة. انّ المناط في صحّة الصلاة انّما هو عدم تنجّز النجاسة حالها كما هو مقتضى قوله (عليه السلام): فصلّى فيه وهو لا يعلم، ولم يقل: لم يعلم فكل من صلّى في النجس وهو غير عالم به ولم تتنجّز النجاسة في حقّه يحكم بصحّة صلاته وانّما يستثنى من ذلك خصوص من نسى موضوع النجاسة، مع انّ المسألة منصوصة لحسنة ميسر قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاُصلّي فيه فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، امّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء.