(الصفحة 352)
الشارع متعلّق بالإعادة بل غاية الأمر انّ المأمور به لم يتحقّق في الخارج ويجب على المكلّف ـ عقلاً ـ إيجاده والإتيان به ففي كلتا الصورتين لا مجال للحكم الشرعي زائداً على التكليف الأوّلي، وعليه فلابدّ من حمل الأمر بالإعادة في مورد الإخلال ببعض الأجزاء والشرائط على كونه إرشاداً إلى ثبوت الجزئية والشرطية في ذلك الحال أيضاً، كما انّ نفي الإعادة إرشاد واخبار بعدم الجزئية والشرطية في ذلك الحال.
فانقدح انّه لم يوجد ـ ولابدّ وأن لا يوجد ـ مورد قابل لإيجاب الإعادة عليه شرعاً ونفيها عنه و ـ حينئذ ـ نقول: حديث لا تعاد مفاده التصرّف في أدلّة الاجزاء والشرائط الظاهرة في الجزئية المطلقة لتمام الأجزاء والشرطية المطلقة لجميع الشرائط ومبيّن انّها على قسمين: قسم له الشرطية والجزئية المطلقة وهو الخمسة المذكورة فيه بعنوان المستثنى وقسم لا يكون كذلك وهو ما عدى الخمسة وعليه فلا وجه لدعوى اختصاصه بالناسي ونحوه لعدم الفرق بينه وبين الجاهل بل ربّما يقال ـ كما عن بعض الأعاظم ـ بشموله للعالم أيضاً ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه لأنّ الأخبار بعدم الجزئية والشرطية المطلقة لغير الخمسة المذكورة حيث كان بنحو التعبير بعدم الإعادة، ومن المعلوم لزوم وجود المصحّح لهذه العبارة والعامل العامد التارك لبعض الأجزاء والشرائط لا يكون في الحقيقة قاصداً للامتثال مريداً لتحصيل المأمور به ولا يكون الداعي له إلى الإتيان بما أتى به هو أمر المولى فلا يناسبه هذا التعبير أصلاً بل التعبير الملائم له هو تحريكه إلى أصل الإتيان بالمأمور به وإرشاده إليه ومنه يظهر انّ الجاهل المقصر الذي يكون متردّداً وباب التعلّم له مفتوحاً لا تناسبه هذه العبارة أيضاً بل المناسب له تحريكه إلى تعلّم المأمور به وعدم المسامحة في ذلك، وامّا الجاهل القاصر الذي هو محطّ البحث في المقام فلا
(الصفحة 353)
مانع من شمول الحديث له لمناسبة التعبير بالإعادة له قطعاً وكون المراد من الحديث ما ذكرنا من الأخبار بعدم الجزئية والشرطية المطلقة لغير الخمسة المستثناة بلسان نفي الإعادة.
الثاني من وجهي المناقشة ما ربّما يقال من انّ «الطهور» الذي هو من الخمسة المستثناة امّا أن يكون أعمّ من الطهارة الحدثية والخبثية، وامّا أن يكون مجملاً لا يدرى انّه يختص بالاُولى أو يعمّ الثانية أيضاً، وعلى كلا التقديرين لا مجال للتمسّك به لعدم وجوب الإعادة في المقام امّا على التقدير الأوّل فواضح وامّا على التقدير الثاني فلأنّ إجمال المخصّص المتّصل يسري إلى العام ويسقطه عن الحجّية في مورد الإجمال وعليه فلا دليل على عدم وجوب الإعادة في مقابل إطلاقات مانعية النجاسة المقتضية للبطلان في المقام.
والجواب عنه ما مرّ من اختصاص الطهور بخصوص الطهارة الحدثية ويعضده فهم الأصحاب وحملهم الحديث على ذلك ويؤيّده ظهوره في لزوم الإعادة من ناحية الخمسة مطلقاً مع انّ الصلاة في النجاسة مع الجهل بالموضوع قد فرغنا عن صحّتها وتماميتها ومن الظاهر إباء مثله عن التخصيص إلاّ أن يقال بعدم ثبوت كون الحديث بصدد إفادة الإعادة في موارد الخمسة بل الظاهر كونه في مقام بيان نفي الإعادة في غير موارد الخمسة والتحقيق في محلّه.
فانقدح انّ الحكم في هذه الصورة هو عدم وجوب الإعادة كالجاهل بالموضوع.
وامّا الصورة الثانية وهو الجاهل المقصّر فالظاهر وجوب الإعادة عليه لاقتضاء أدلّة مانعية النجاسة وشرطية الطهارة له وعدم ما يقتضي الصحّة ونفي وجوب الإعادة لعدم ثبوت الأمر الظاهري بالإضافة اخليه حتّى يقتضي الاجزاء وعدم شمول حديث لا تعاد له لما مرَّ آنفاً من خروج العالم والجاهل المقصّر عن
(الصفحة 354)
مورده مضافاً إلى ما ربّما يقال من انّ شموله له يستلزم تخصيص أدلّة المانعية بمن صلّى في النجس عن علم وعمد وهو من التخصيص بالفرد النادر بل غير المتحقّق وإن كان هذا القول مخدوشاً من جهة لزوم الإعادة على الناسي أيضاً كما مرَّ البحث عنه، ومن جهة عدم كون المقام من باب التخصيص لأنّ حديث لا تعاد حاكم على أدلّة الاجزاء والشرائط ولا مجال لملاحظة الأفراد في باب الحكومة مع انّ كونه نادراً بل غير متحقّق لا وجه له لأنّ العالم العامد انّما يكون عدم إقدامه على الصلاة في النجاسة مستنداً إلى نفس هذه الأدلّة المانعة فتدبّر.
وكيف كان فلا دليل على الصحّة في المقام ومقتضى أدلّة المانعية البطلان. هذا تمام الكلام في الفرع الثالث.
الفرع الرابع: صورة العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة ولها فرضان:
الفرض الأوّل: ما لو لم يعلم سبقها والظاهر انّ المراد هو السبق على الآن الذي علم فيه بالنجاسة والتفت إليها وعليه فالمراد بالفرض الثاني الآتي ـ إن شاء الله ـ وهو ما لو علم سبقها هو السبق على ذلك الآن الذي هو أعمّ من وقوع جميع الأجزاء الماضية من الصلاة في النجاسة أو وقوع بعضها فيها فالفرض الثاني له فرضان أيضاً.
وقد حكم في المتن في الفرض الأوّل ـ الذي هو محلّ البحث فعلاً ـ بأنّه إن أمكنه إزالتها بنزع أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته وإن لم يمكنه فإن كان الوقت واسعاً استأنفها وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك وإن لم يمكن صلّى بها.
ويستفاد من ذلك صحّة الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء الماضية والآنات التي علم فيها بعروض النجاسة ولابدّ من العلاج بالإضافة إلى ما بقى من الصلاة
(الصفحة 355)
والدليل على الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية هو جريان استصحاب الطهارة فيها لعدم العلم بسبقها كما هو المفروض بل والعلم بوقوعها مع الطهارة كما فيما لو علم بعروض النجاسة في الأثناء الذي تعرّض له الماتن ـ دام ظلّه ـ بقوله: «وكذا لو عرضت له في الأثناء» فلا إشكال في تلك الأجزاء من هذه الجهة.
وامّا بالنسبة إلى الآنات المتخلّلة بين الأجزاء، التي علم بمقارنتها مع النجاسة فالدليل على الصحّة هي الأخبار المتكثّرة الواردة فيمن رعف في أثناء الصلاة الدالّة على عدم بطلانها بذلك فيما إذا تمكّن من إزالته من دون استلزام المنافي كالتكلّم على ما ورد في بعضها أو استدبار القبلة على ما ورد في بعضها الآخر. ومن المعلوم انّه لا خصوصية للرعاف ولا للدم من بين النجاسات كما انّه لا خصوصية للتكلّم والاستدبار من بين المنافيات، ومن جملة هذه الأخبار صحيحة زرارة الطويلة المعروفة المتقدّمة ببعض فقراتها المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنتك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. فإنّ المستفاد منه انّ توهّم البطلان انّما ينشأ من احتمال وقوع الاجزاء الماضية في النجاسة وهو مدفوع بالاستصحاب، وامّا نفس وقوع الآنات المتخلّلة فيها فلا منشأ لتوهّم البطلان من جهته أصلاً، فأصل صحّة الصلاة إلى الحال لا إشكال فيه وامّا العلاج بالنسبة إلى الأجزاء الباقية فطريقه انّه إن أمكن إزالة النجاسة بنزع أو غسل من دون استلزام شيء من المنافيات أو الإخلال بمثل الستر فعل ومضى في صلاته وأتمّها، وإن لم يمكن ذلك وكان الوقت واسعاً للإزالة ثمّ الاشتغال بالصلاة من رأس فلا مناص من الاستئناف لأنّه لا دليل على سقوط النجاسة عن المانعية بالإضافة إلى الاجزاء الباقية والمفروض سعة الوقت لرفع المانع وإيجاد الصلاة بدونه فاللازم الإزالة
(الصفحة 356)
والاستئناف، وإن لم يكن الوقت واسعاً فتارة يضطرّ إلى لبس الثوب النجس لبرد أو مرض أو غيرهما، واُخرى لا يكون له اضطرار إليه بوجه. ففي الصورة الثاني يصلّي عرياناً لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من تقدّم الصلاة عرياناً على الصلاة في الثوب النجس، وفي الصورة الاُولى لا محيص عن الصلاة في الثوب النجس لعدم سعة الوقت للإزالة والاستئناف ووجود الاضطرار إلى لبس الثوب النجس.
وامّا الفرض الثاني وهو ما لو علم بسبق النجاسة فقد حكم فيه في المتن بوجوب الاستئناف مع سعة الوقت مطلقاً ومرجعه إلى بطلان الصلاة في سعة الوقت كذلك وقد نسب إلى المشهور الصحّة إذا تمكّن من الإزالة في أثناء الصلاة، والوجه فيه انّ منشأ البطلان إن كان هو وقوع الأجزاء الباقية مع النجاسة فالمفروض التمكّن من الإزالة بحيث لا يلزم الإخلال بشيء أصلاً، وإن كان هو وقوع الآنات المتخلّلة بين الطائفتين من الاجزاء السابقة واللاحقة في النجاسة فقد مر انّه لا يكاد يقدح في الصحّة للأخبار المتقدّمة الواردة في الرعاف، وإن كان هو وقوع الأجزاء الماضية في النجاسة بتمامها أو ببعضها فهو أيضاً لا يضرّ بالأولوية القطعية لأنّه إذا كانت الصلاة الواقعة بتمامها في النجاسة مع الجهل بها صحيحة تامّة كما مرّ البحث عنه فالصلاة الواقعة ببعض أجزائها فيها كذلك تكون صحيحة بطريق أولى فلا مناص من الحكم بالصحّة مع التمكّن من الإزالة .
ولكن هذا الوجه لا يقاوم الأخبار الواردة في المسألة الدالّة على البطلان وقد جمع في بعضها بل في جميعها بين الحكم بالصحّة إذا انكشف الخلاف بعد الفراغ وبين الحكم بالبطلان إذا انكشف في الأثناء كصحيحة زرارة المتقدّمة المستدلّ بها في تلك المسألة المشتملة على قوله: قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته «الحديث» فإنّ دلالتها على لزوم