(الصفحة 347)
مدفوعة بأنّ احتياجها إلى التصريح والإفادة بالمنطوق كان أشدّ من احتياج صورة العلم كما هو ظاهر، فالتأمّل في الرواية يعطي كون المناط ما ذكرنا فلا يتمّ الاستدلال بها على التفصيل.
وامّا رواية ميمون الصيقل فربّما يقال بأنّ دلالتها على المدّعى غير قابلة للمناقشة مع انّه لا ارتباط لها بالمقام أصلاً فانّ السؤال فيها لا يكون مرتبطاً بالصلاة بوجه والجواب لا يتعرّض لحكم الصلاة أيضاً كذلك بل السؤال انّما هو عن انّه أجنب الرجل بالليل واغتسل من الجنابة قطعاً ثمّ بعدما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة وغرض السائل انّه هل يجب عليه الاغتسال من الجنابة ثانياً لأنّه يحتمل تجدّدها في حال النوم بعدما اغتسل من الجنابة قبله أو انّه لا يجب عليه ولا نظر له إلى وقوع الصلاة في الثوب الكذائي بل ولا إشعار في السؤال بذلك بل محطّ النظر لزوم إعادة الاغتسال وعدمه والجواب أيضاً ناظر إلى ذلك وانّه إن كان حين قام من النوم نظر إلى الثوب فلم يرَ شيئاً فلا تجب عليه إعادة الغسل وتكراره وإن كان حين قام منه لم ينظر إليه فوجود الجنابة في الثوب امارة عرفية على تحقّق الاحتلام والجنابة حال النوم فيجب عليه الغسل ثانياً فالمراد من الإعادة وعدمها هي إعادة الغسل وعدمها كما انّ المراد من القيام هو القيام من النوم لا القيام للصلاة. والإنصاف انّ الرواية لا يكون لها أيّ ارتباط بما نحن فيه، مع انّ ميمون الصيقل مجهول الحال والرواية ضعيفة السند.
وامّا صحيحة زرارة فالفحص والنظر فيها مفروض في كلام السائل ولا إشعار فيها بمدخليته في الحكم بعدم وجوب الإعادة خصوصاً مع ملاحظة التعليل بجريان الاستصحاب المشترك بين الصورتين وخصوصاً مع دلالة الصحيحة في موضع آخر منها على عدم وجوب الفحص وعدم ترتّب أثر عليه من جهة نفي وجوب
(الصفحة 348)
الإعادة وهو قوله (عليه السلام) بعدما سأله زرارة بقوله: فهل عليَّ إن شككت في انّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك. حيث يدلّ على انّ فائدة الفحص منحصرة في ذهاب الشكّ وزوال الوسوسة ولا أثر له في الحكم بعدم وجوب الإعادة وخصوصاً مع انعقاد الإجماع على عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية وإن كان ربّما يناقش فيه فيما يرتفع الشكّ بمجرّد النظر والملاحظة ولكن المناقشة مدفوعة بهذه الصحيحة ومثلها فتدبّر. مع انّ هذه الروايات على تقدير ت مامية دلالتها لا تقاوم الروايات النافية لوجوب الإعادة مطلقاً التي بعضها صريحة في كون الملاك لعدم وجوبها هو الجهل وعدم العلم بالنجاسة في حال الصلاة فهذا التفصيل أيضاً لا مجال له.
ثمّ إنّه ذكر السيّد (قدس سره) في «العروة» انّه لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ثمّ صلّى فيه وبعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته فالظاهر انّه من باب الجهل بالموضوع فلا تجب عليه الإعادة والقضاء.
وربّما يقال في وجهه انّ المستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة وما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن علم قبل أن يصلّي فنسى وصلّى فيه فعليه الإعادة. انّ المناط في صحّة الصلاة انّما هو عدم تنجّز النجاسة حالها كما هو مقتضى قوله (عليه السلام): فصلّى فيه وهو لا يعلم، ولم يقل: لم يعلم فكل من صلّى في النجس وهو غير عالم به ولم تتنجّز النجاسة في حقّه يحكم بصحّة صلاته وانّما يستثنى من ذلك خصوص من نسى موضوع النجاسة، مع انّ المسألة منصوصة لحسنة ميسر قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاُصلّي فيه فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، امّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء.
(الصفحة 349)
حيث صرّحت بأنّه لو غسلت ثوبك وصلّيت فيه ثمّ ظهر عدم زوال النجاسة عنه لم تجب إعادتها وحيث لا معارض لها فلا مناص من العمل على طبقها، وامّا الأمر بالإعادة على تقدير ان غسله غيره فهو في الحقيقة تخصيص في الأدلّة المتقدّمة النافية للإعادة عن الجاهل بموضوع النجس ومرجعه إلى الردع عن العمل بأصالة الصحّة الجارية في عمل الغير بحسب البقاء وبعد انكشاف الخلاف لا بحسب الحدوث وإلاّ لم يجز له الشروع في الصلاة، ويمكن حمله على استحباب إعادة الصلاة في هذه الصورة.
أقول: لا ينبغي الارتياب في عدم شمول الأخبار النافية لوجوب الإعادة لما إذا كان المصلّي عالماً بالطهارة ولو بنحو الجهل المركّب ضرورة انّ موردها الجاهل سواء كان متردّداً أو غافلاً غير ملتفت فكما انّها لا تشمل الناسي كذلك لا تشمل المعتقد لطهارة الثوب والبدن العالم بها أصلاً ولو كان جهلاً مركّباً ولا مجال لدعوى العموم ثمّ إخراج الناسي واستثنائه والشاهد لما ذكرنا انّ المتفاهم عند العرف من تلك الأخبار ليس غير ما ذكرنا.
وامّا حسنة ميسر أو صحيحته فالظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) : «امّا انّك لو كنت غسلت...» هو انّك لو كنت غسلت ثوبك لبالغت في غسله بحيث لا يبقى فيه أثر المني أصلاً ولم يكن عليك ـ حينئذ ـ شيء لا انّه لا يضرّ العلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الفراغ عنها إذا علم بالطهارة قبلها مع انّه على تقدير الاستناد إلى هذه الرواية يلزم التفصيل بين ما إذا غسل المصلّي ثوبه وبين ما إذا وكّل الغير في غسله كما هو مفاد الرواية و ـ حينئذ ـ فلا موقع لما أفاده السيّد (قدس سره) بعد ذلك من عدم وجوب الإعادة والقضاء في صورة التوكيل أيضاً. اللهمّ إلاّ أن يقال بالفرق بين ما إذا أخبر الوكيل في تطهير الثوب بطهارته وبين ما إذا اعتقد الموكّل حصول التطهير
(الصفحة 350)
من الوكيل من دون اخباره بذلك ومورد الرواية هو الثاني كما انّ مورد كلام السيّد هو الأوّل ومنشأه هو حجّية قوله امّا لأنّه ثقة وخبر الثقة في الموضوعات الخارجية حجّة، وامّا لأنّه ذو اليد وقوله حجّة. وكيف كان فلا وجه للحكم بعدم وجوب الإعادة والقضاء فيما إذا اعتقد الطهارة ثمّ انكشف الخلاف بعد الصلاة. هذا تمام الكلام في الجاهل بالموضوع.
بقي الكلام في هذا الفرع فيما إذا كانت الصلاة في النجاسة عن جهل بها من حيث الحكم بأن لم يعلم انّ الشيء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام نجس أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة والجامع كون الشبهة حكمية وله صورتان:
إحداهما: ما إذا كان الجهل عذراً للمكلّف حال جهله كما في الجاهل القاصر ومن مصاديقه الظاهرة المجتهد المخطئ في اجتهاده.
ثانيتهما: ما إذا لم يكن الجهل عذراً له لاستناده إلى تقصيره في السؤال مع التمكّن منه أو عدم فحصه عن الدليل كذلك ويعبّر عنه بالجاهل المقصّر.
امّا الصورة الاُولى فالظاهر انّ الحكم فيها عدم وجوب الإعادة وصحّة الصلاة لقاعدة «الاجزاء» التي تقدّم البحث عنها ولحديث «لا تعاد» المقتضي لعدم وجوب الإعادة في غير الخمسة المستثناة وقد عرفت اختصاص «الطهور» منها بالطهارة الحدثية كما عليه الأصحاب.
وربّما يناقش في شمول حديث لا تعاد للمقام بوجوه عمدتها وجهان:
الأوّل: إنّ حديث «لا تعاد» انّما تنفي الإعادة عن كل مورد قابل لها في نفسه بحيث لولا ذلك الحديث لحكم بوجوب الإعادة فيه إلاّ انّ الشارع رفع الإلزام عنها امتناناً على المكلّفين، ومن البديهي انّ الأمر بالإعادة انّما يتصوّر فيما إذا لم يكن هناك أمر بإتيان المركّب نفسه كما في الناسي ونحوه حيث لا يجب عليه الإتيان بما نسيه،
(الصفحة 351)
ففي مثله لا مانع من الحكم بوجوب الإعادة عليه لولا ذلك الحديث، وامّا إذا بقي المكلّف على حاله من تكليفه وأمره بالمركب الواقعي فلا معنى في مثله للأمر بالإعادة لأنّه مأمور بإتيان نفس المأمور به، وحيث إنّ الجاهل القاصر مكلّف بنفس الواقع ولم يسقط عنه الأمر بالعمل فلا معنى لأمره بالإعادة فإذا لم يكن المورد قابلاً لإيجاب الإعادة لم يكن قابلاً لنفيها عنه وعليه فالحديث انّما يختصّ بالناسي ونحوه دون العامد والجاهل ـ مقصّراً كان أم قاصراً ـ فلابدّ من الرجوع إلى المطلقات المانعة عن الصلاة في النجس وهي تقتضي وجوب الإعادة في حقّهم.
واُجيب عنه بأنّ الجاهل وإن كان مكلّفاً بالإتيان بالمركّب واقعاً إلاّ انّه محدود بما أمكنه التدارك ولم يتجاوز عن محلّه، وامّا إذا تجاوز عن محلّه فأي مانع من الأمر بالإعادة عليه ـ مثلاً ـ إذا كان بانياً على عدم وجوب السورة في الصلاة اخلاّ انّه علم بالوجوب في أثناء الصلاة فبنى على وجوبها فانّه إن كان لم يدخل في الركوع فهو مكلّف بإتيان نفس المأمور به تعني السورة في المثال ولا مجال معه لإيجاب الإعادة في حقّه، وامّا إذا علم به بعد الركوع فلا يمكنه تداركها لتجاوزه عن محلّها و ـ حينئذ ـ امّا أن تبطل صلاته فتجب عليه إعادتها، وامّا أن تصحّ فلا تجب إعادتها، وبهذا ظهر انّ الجاهل بعدما لم يتمكّن من تدارك العمل قابل لإيجاب الإعادة في حقّه ونفيها كما هو الحال في الناسي بعينه.
والحق في الجواب أن يقال إنّ ترتّب الحكم الشرعي ـ نفياً أو إثباتاً ـ على عنوان الإعادة ومعناها الحقيقي، زائداً على ثبوت التكليف الأوّلي والأمر بالمركّب لا معنى له أصلاً ضرورة انّ المتمور به بالأمر الأوّلي امّا أن يكون متحقّقاً في الخارج بجميع خصوصياته وأجزائه وشرائطه وامّا أن لا يكون كذلك، فعلى الأوّل لا وجه لإيجاب الإعادة عليه أصلاً وعلى الثاني لا معنى لثبوت أمر ثانوي من