(الصفحة 354)
مورده مضافاً إلى ما ربّما يقال من انّ شموله له يستلزم تخصيص أدلّة المانعية بمن صلّى في النجس عن علم وعمد وهو من التخصيص بالفرد النادر بل غير المتحقّق وإن كان هذا القول مخدوشاً من جهة لزوم الإعادة على الناسي أيضاً كما مرَّ البحث عنه، ومن جهة عدم كون المقام من باب التخصيص لأنّ حديث لا تعاد حاكم على أدلّة الاجزاء والشرائط ولا مجال لملاحظة الأفراد في باب الحكومة مع انّ كونه نادراً بل غير متحقّق لا وجه له لأنّ العالم العامد انّما يكون عدم إقدامه على الصلاة في النجاسة مستنداً إلى نفس هذه الأدلّة المانعة فتدبّر.
وكيف كان فلا دليل على الصحّة في المقام ومقتضى أدلّة المانعية البطلان. هذا تمام الكلام في الفرع الثالث.
الفرع الرابع: صورة العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة ولها فرضان:
الفرض الأوّل: ما لو لم يعلم سبقها والظاهر انّ المراد هو السبق على الآن الذي علم فيه بالنجاسة والتفت إليها وعليه فالمراد بالفرض الثاني الآتي ـ إن شاء الله ـ وهو ما لو علم سبقها هو السبق على ذلك الآن الذي هو أعمّ من وقوع جميع الأجزاء الماضية من الصلاة في النجاسة أو وقوع بعضها فيها فالفرض الثاني له فرضان أيضاً.
وقد حكم في المتن في الفرض الأوّل ـ الذي هو محلّ البحث فعلاً ـ بأنّه إن أمكنه إزالتها بنزع أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته وإن لم يمكنه فإن كان الوقت واسعاً استأنفها وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك وإن لم يمكن صلّى بها.
ويستفاد من ذلك صحّة الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء الماضية والآنات التي علم فيها بعروض النجاسة ولابدّ من العلاج بالإضافة إلى ما بقى من الصلاة
(الصفحة 355)
والدليل على الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية هو جريان استصحاب الطهارة فيها لعدم العلم بسبقها كما هو المفروض بل والعلم بوقوعها مع الطهارة كما فيما لو علم بعروض النجاسة في الأثناء الذي تعرّض له الماتن ـ دام ظلّه ـ بقوله: «وكذا لو عرضت له في الأثناء» فلا إشكال في تلك الأجزاء من هذه الجهة.
وامّا بالنسبة إلى الآنات المتخلّلة بين الأجزاء، التي علم بمقارنتها مع النجاسة فالدليل على الصحّة هي الأخبار المتكثّرة الواردة فيمن رعف في أثناء الصلاة الدالّة على عدم بطلانها بذلك فيما إذا تمكّن من إزالته من دون استلزام المنافي كالتكلّم على ما ورد في بعضها أو استدبار القبلة على ما ورد في بعضها الآخر. ومن المعلوم انّه لا خصوصية للرعاف ولا للدم من بين النجاسات كما انّه لا خصوصية للتكلّم والاستدبار من بين المنافيات، ومن جملة هذه الأخبار صحيحة زرارة الطويلة المعروفة المتقدّمة ببعض فقراتها المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنتك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. فإنّ المستفاد منه انّ توهّم البطلان انّما ينشأ من احتمال وقوع الاجزاء الماضية في النجاسة وهو مدفوع بالاستصحاب، وامّا نفس وقوع الآنات المتخلّلة فيها فلا منشأ لتوهّم البطلان من جهته أصلاً، فأصل صحّة الصلاة إلى الحال لا إشكال فيه وامّا العلاج بالنسبة إلى الأجزاء الباقية فطريقه انّه إن أمكن إزالة النجاسة بنزع أو غسل من دون استلزام شيء من المنافيات أو الإخلال بمثل الستر فعل ومضى في صلاته وأتمّها، وإن لم يمكن ذلك وكان الوقت واسعاً للإزالة ثمّ الاشتغال بالصلاة من رأس فلا مناص من الاستئناف لأنّه لا دليل على سقوط النجاسة عن المانعية بالإضافة إلى الاجزاء الباقية والمفروض سعة الوقت لرفع المانع وإيجاد الصلاة بدونه فاللازم الإزالة
(الصفحة 356)
والاستئناف، وإن لم يكن الوقت واسعاً فتارة يضطرّ إلى لبس الثوب النجس لبرد أو مرض أو غيرهما، واُخرى لا يكون له اضطرار إليه بوجه. ففي الصورة الثاني يصلّي عرياناً لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من تقدّم الصلاة عرياناً على الصلاة في الثوب النجس، وفي الصورة الاُولى لا محيص عن الصلاة في الثوب النجس لعدم سعة الوقت للإزالة والاستئناف ووجود الاضطرار إلى لبس الثوب النجس.
وامّا الفرض الثاني وهو ما لو علم بسبق النجاسة فقد حكم فيه في المتن بوجوب الاستئناف مع سعة الوقت مطلقاً ومرجعه إلى بطلان الصلاة في سعة الوقت كذلك وقد نسب إلى المشهور الصحّة إذا تمكّن من الإزالة في أثناء الصلاة، والوجه فيه انّ منشأ البطلان إن كان هو وقوع الأجزاء الباقية مع النجاسة فالمفروض التمكّن من الإزالة بحيث لا يلزم الإخلال بشيء أصلاً، وإن كان هو وقوع الآنات المتخلّلة بين الطائفتين من الاجزاء السابقة واللاحقة في النجاسة فقد مر انّه لا يكاد يقدح في الصحّة للأخبار المتقدّمة الواردة في الرعاف، وإن كان هو وقوع الأجزاء الماضية في النجاسة بتمامها أو ببعضها فهو أيضاً لا يضرّ بالأولوية القطعية لأنّه إذا كانت الصلاة الواقعة بتمامها في النجاسة مع الجهل بها صحيحة تامّة كما مرّ البحث عنه فالصلاة الواقعة ببعض أجزائها فيها كذلك تكون صحيحة بطريق أولى فلا مناص من الحكم بالصحّة مع التمكّن من الإزالة .
ولكن هذا الوجه لا يقاوم الأخبار الواردة في المسألة الدالّة على البطلان وقد جمع في بعضها بل في جميعها بين الحكم بالصحّة إذا انكشف الخلاف بعد الفراغ وبين الحكم بالبطلان إذا انكشف في الأثناء كصحيحة زرارة المتقدّمة المستدلّ بها في تلك المسألة المشتملة على قوله: قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته «الحديث» فإنّ دلالتها على لزوم
(الصفحة 357)
الإعادة مع رؤية النجاسة المشكوكة في أثناء الصلاة ممّا لا مجال للخدشة فيها مع انّك عرفت دلالتها على عدم لزوم الإعادة فيما إذا تبيّن بعد الفراغ وقوع الصلاة في النجاسة ولأجل اشتمال الصحيحة على الحكمين المذكورين ربّما يمكن أن يتوهّم لزوم طرح الرواية للقطع بعدم الفرق بين الصورتين بل بأولوية عدم وجوب الإعادة فيما إذا تبيّن في الأثناء بالإضافة إلى ما إذا تبيّن بعد الفراغ خصوصاً بعد اشتراكهما في العلّة التي علّل الإمام (عليه السلام) عدم وجوب الإعادة في الصورة الثانية بها وهي جريان الاستصحاب، واقتضاء دليله الاجزاء مضافاً إلى انّه من البعيد أن لا يسأل زرارة بعد سؤاله عن علّة الحكم في تلك الصورة عن علّة حكم هذه الصورة خصوصاً بعد اشتراكهما في تلك العلّة كما عرفت.
هذا، ولكن ما ذكر لا يوجب طرح الرواية خصوصاً بعد كونها صحيحة والإضمار لا يضرّها بل لا تكون مضمرة على ما رواه الصدوق في العلل، ومجرّد الاستبعاد لا يوجب ذلك واقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ودلالته على توسعة المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي انّما هو مقتضى ظاهر دليله فلا ينافي ورود دليل خاص على خلافه كما قام في الطهارة الحدثية على وجوب الإعادة فيما إذا تبيّن كونه فاقداً لها ولو بعد الفراغ، وحصول القطع بالأولوية ممنوع خصوصاً مع احتمال أن يكون وقوع الآنات المتخلّلة بين الأجزاء في النجاسة مانعاً إذا اتّصفت بسبقها عليها وخصوصاً مع انّه لو كانت الأولوية محقّقة لم يكن مجال لسؤال زرارة عن حكم هذه الصورة بعد سؤاله عن حكم تلك الصورة والجواب بعدم وجوب الإعادة كما لا يخفى. نعم يبقى إشكال الاشتراك في العلّة وهو لا يقاوم التصريح بالخلاف. وكيف كان فالظاهر لزوم الأخذ بمقتضى الرواية وجعلها دليلاً على التفصيل في المسألة وإن كان خلاف القاعدة.
(الصفحة 358)
ومن الروايا الدالّة على وجوب الإعادة في المقام رواية أبي بصير ـ المتقدّمة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به؟ قال: عليه أن يبتدئ الصلاة، قال: وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه.
ثمّ إنّ هنا روايات ربما تتوهّم دلالتها على وجوب الإعادة في صورة التبين في الأثناء:
إحداها: صحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمة ـ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي؟ قال: لا يؤذنه (لا يؤذيه) حتّى ينصرف. نظراً إلى دلالتها على انّ العلم بالنجاسة الحاصل بإعلام الغير في أثناء الصلاة يوجب البطلان.
والظاهر انّه لا دلالة لها على ذلك فانّ غاية مفادها انّ العلم بالنجاسة بعد الفراغ لا يؤثّر في البطلان، وامّا كون العلم بها في الأثناء مؤثِّراً فيه فلا يستفاد من الصحيحة بوجه والنهي عن الإعلام أو عن الإيذاء انّما هو لأجل انّه مع العلم بها في الأثناء يصير مكلّفاً بالإزالة بالإضافة إلى الأجزاء الباقية ورعاية هذا التكليف في أثناء الصلاة ليس بسهل نوعاً ويؤيّده انّ الإعلام ربّما لا يصير موجباً للعلم بوقوع الأجزاء الماضية في النجاسة فتدبّر.
ثانيتهما: صحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم ـ المتقدّمة أيضاً ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: ذكر المني فشدّده فجعله أشدّ من البول ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك فكذلك البول. نظراً إلى دلالتها على بطلان الصلاة في النجاسة الواقعة قبلها مع رؤيتها في الأثناء لأنّ ذكر المني قرينة على