(الصفحة 367)
مسألة 7 ـ لو انحصر الساتر في النجس فإن لم يقدر على نزعه لبرد ونحوه صلّى فيه إن ضاق الوقت، أو لم يحتمل احتمالاً ع قلائياً زوال العذر، ولا إعادة عليه، وإن تمكّن من نزعه فالأقوى إتيان الصلاة عارياً مع ضيق الوقت، بل ومع سعته لو لم يحتمل زوال العذر، ولا قضاء عليه 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: فيما إذا لم يتمكّن من نزع الساتر النجس لبرد ونحوه والحكم فيه جواز الصلاة فيه مع ضيق الوقت أو عدم احتمال زوال العذر إلى آخر الوقت احتمالاً عقلائياً والدليل على الجواز ـ مضافاً إلى قيام الإجماع بل الضرورة على انّ الصلاة لا تسقط بحال وانّ المكلّف معذور فيما هو خارج عن قدرته والله تعالى أولى بالعذر في مثل ذلك، وإلى إمكان دعوى اختصاص أدلّة مانعية النجاسة بصورة عدم الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجّس خصوصاً بعد كون الدليل هو الإنفاق والإجماع القائم في المسألة وإن كانت هناك أدلّة لفظية واردة في بعض أنواع النجاسات وقلنا بإمكان استفادة العموم من صحيحة زرارة المعروفة أو مثلها إلاّ انّك عرفت انّ العمدة كون المسألة اتفاقية والقدر المتيقّن صورة عدم الاضطرار فلا يقاس بسائر الموارد التي يكون مقتضى إطلاق أدلّتها اللفظية الشمول لكلتا الصورتين ـ الاخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس وهي وإن كانت مطلقة إلاّ انّ القدر المتيقّن منها صورة الاضطرار المفروضة في هذا المقام وقد أفتى جماعة بالجواز مع عدم الاضطرار أيضاً نظراً إلى إطلاق هذه الأخبار ـ وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى ـ وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في دلالتها على حكم المقام، مضافاً إلى ورود بعض الروايات في خصوصه كما سيأتي.
وامّا عدم وجوب القضاء والإعادة عليه بعد الوقت فلأنّ موضوع القضاء
(الصفحة 368)
فوات الفريضة وهو غير متحقّق لأنّ المفروض الإتيان بها مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيها ـ وجوداً وعدماً ـ فلا مجال لتوهّم تحقّق الفوت أصلاً خصوصاً لو قلنا بأنّ الوجه في جواز الصلاة اختصاص أدلّة المانعية بصورة عدم الاضطرار وإن كان الاستدلال لذلك بالأخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس أيضاً يرجع إلى ذلك ضرورة انّ حكومتها على أدلّة المانعية تقتضي اختصاصها بتلك الصورة إلاّ انّه على ذلك الوجه تصير المسألة أوضح.
وامّا عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فهو المعروف بين الأصحاب وعن الشيخ (قدس سره) في بعض كتبه وجوب الإعادة وعن المدارك والرياض نسبة القول بوجوب الإعادة في الوقت إلى جماعة وقد استدلّ لهم بموثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سُئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة.
وربّما يجاب عن الاستدلال بها بكونها أجنبية عن المقام حيث انّ موردها تيمّم المكلّف للصلاة بدلاً عن الجنابة أو الوضوء مع عدم اضطراره إليه واقعاً لفرض انّه وجد الماء قبل انقضاء وقت الصلاة ومقتضى القاعدة فيه البطلان ولا دليل على كون ما أتى به مجزياً عن المأمور به وحديث لا تعاد لا ينفي الإعادة من ناحية الإخلال بالطهارة الحدثية فوجوب الإعادة في مورد الرواية للإخلال بتلك الطهارة لا الطهارة الخبثية المفروضة في المقام.
هذا والظاهر انّ ظهور الرواية في كون منشأ وجوب الإعادة هو فقدان الطهارة الخبثية لا ينبغي أن ينكر فانّ قوله (عليه السلام) : فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة ظاهر في ذلك من جهة الحكم بلزوم الإعادة عقيب لزوم الغسل ومن جهة عدم التعرّض
(الصفحة 369)
للوضوء أو غسل الجنابة أصلاً.
نعم يرد على الرواية اضطرابها من جهة انّ خلوّ الرجل من الطهارة الحدثية لم يكن مفروضاً في مورد السؤال فإنّ عدم وجدان الماء لغسل الثوب الذي لا تحلّ الصلاة فيه لا يلازم وجود حدث الجنابة أو الأحداث الموجبة للوضوء في الرجل فمن الممكن ثبوت الطهارة له من هذه الناحية مع انّ عدم التعرّض للوضوء أو الغسل بعدما إذا أصاب ماء على تقدير كون المفروض ما ذكر أيضاً يوجب الاضطراب فيها، مع انّ وجوب الإعادة على المتيمّم محل كلام ـ وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى ـ .
وكيف كان فالدليل على عدم وجوب الإعادة في المقام ـ مضافاً إلى حديث «لا تعاد» الدالّ على عدم وجوب الإعادة من جهة الإخلال بالطهارة الخبثية بضميمة مشروعية البدار مع اعتقاد بقاء الاضطرار وعدم احتمال زوال العذر إلى آخر الوقت ـ الأخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس الخالية عن الأمر بالإعادة مع كونها في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً ولأجلها تحمل الموثقة على الاستحباب مع وجود الاضطراب فيها ومخالفتها لفتوى المشهور وإن كان إعراضهم عنها الموجب للسقوط عن الحجّية ممّا لم يثبت ومع ذلك فالمسألة غير صافية عن الإشكال والاحتياط بالإعادة لا يترك.
المقام الثاني: فيما إذا كان متمكّناً من النزع والصلاة عارياً وفيه أقوال:
أحدها: انّه تجب عليه الصلاة عرياناً وهو محكي عن الشيخ في كتبه كالنهاية والمبسوط والخلاف، وعن الحلّي في السرائر، والمحقّق في الشرائع والنافع، والعلاّمة في بعض كتبه، والشهيد ـ قدّس الله أسرارهم ـ .
ثانيها: إنّه تجب عليه الصلاة في الثوب المتنجّس وهو محكي عن كاشف اللثام.
(الصفحة 370)
ثالثها: انّه يتخيّر المصلّي بين الأمرين: الصلاة عارياً والصلاة في الثوب المتنجّس وهو محكي عن المحقّق في المعتبر، والعلاّمة في بعض كتبه.
ومنشأ الاختلاف بينهم وجود الأخبار المتعارضة في هذا المقام وهي على طائفتين:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وجوب الصلاة عارياً مع انّه لا يكون اضطرار في البين وهي:
رواية سماعة المضمرة المروية في الكافي قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأجنب فيه، وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قاعداً يؤمى إيماء. ورواه الشيخ عن الكافي أيضاً.
ومضمرته الاُخرى قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلاّ ثوب فأجنب فيه وليس يجد الماء؟ قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يؤمى ايماء. والظاهر عدم كونها رواية اُخرى بل هي بعينها الرواية الاُولى والاختلاف بينهما من جهة القيام والقعود لا يوجب تعدّدها فانّه من الواضح انّ سماعة انّما سأل عن حكم المسألة المفروضة في كلامه مرّة واحدة واُجيب بجواب واحد والاختلاف انّما نشأ من اختلاف بعض الرواة الواقعة في السند.
ورواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة، وليس عليه إلاّ ثوب واحد، وأصاب ثوبه مني؟ قال: يتيمّم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً فيصلّي ويؤمى ايماء. وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك.
الطائفة الثانية: ما تدلّ على وجوب الصلاة في الثوب المتنجّس وهي كثيرة وربّما ادّعى فيها التواتر الإجمالي الذي يرجع إلى القطع بصدور بعضها ولكنّها غير ثابتة، لأنّ أكثرها ينتهي إلى الحلبي ولم يثبت كونها روايات متعدّدة.
(الصفحة 371)
منها: ما رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره (آخر)؟ قال: يصلّي فيه فإذا وجد الماء غسله. قال الصدوق: وفي خبر آخر: وأعاد الصلاة.
ومنها: رواية اُخرى له وفيها انّه سُئل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه.
ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه.
ومنها: ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال: إن وجد ماء غسله، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلِّ عرياناً. ورواه الصدوق والحميري عنه أيضاً.
ومنها: رواية ثالثة لمحمّد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه.
ومنها: موثقة سماعة المتقدّمة في المقام. والظاهر انّها هي المراد بالخبر الذي ذكر الصدوق بعد نقل رواية الحلبي. وفي خبر آخر: وأعاد الصلاة.
ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) حمل هذه الطائفة على صورة الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجّس لضرر أو حرج. وتنظر فيه في المعتبر قال في محكيه: «إنّ هذا التأويل محلّ نظر ولو قيل بالتخيير بينهما لكان حسناً» ومراده التخيير بين الصلاة عارياً وبين الصلاة في الثوب المتنجّس وهو تخيير عقلي لأنّ المكلّف لا يخلو امّا أن يصلّي في الثوب المتنجّس وامّا أن يصلّي عرياناً وليس تخييراً شرعياً كما في الواجبات