(الصفحة 372)
التخييرية كما انّه ليس تخييراً في المسألة الاُصولية من جهة ثبوت التخيير من ناحية الأخذ بكل واحدة من الطائفتين بل منشأه امّا طرح الطائفتين لثبوت المعارضة بينهما وعدم إمكان الجمع بينهما وعدم وجود المرجّح أو تعارضه أيضاً، وامّا الجمع بينهما بهذا النحو.
وامّا القول بوجوب الصلاة عرياناً فمنشأه تقديم الطائفة الدالّة عليه لكونها موافقة للشهرة بينهم، كما انّ القول بوجوب الصلاة في الثوب المتنجّس يكون مستنداً إلى ترجيح الطائفة الدالّة عليه لأجل صحّتها وكونها أكثر عدداً وصاحب المدارك ذهب إلى عدم حجّية الطائفة الاُولى أصلاً بناءً على مسلكه من عدم حجّية غير الخبر الصحيح.
والحق انّه لا محيص عن الجمع بين الطائفتين بما عرفت من الشيخ (قدس سره) من حمل الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب النجس على ما إذا اضطرّ إلى لبسه أو وجود ناظر أو غيرهما، وحمل ما يدلّ على الصلاة عارياً على صورة عدم الاضطرار.
توضيح ذلك انّ السند في بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الصلاة عارياً ينتهي إلى محمد بن علي الحلبي، كما انّ السند في بعض الروايات الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب النجس ينتهي إليه أيضاً، ومن البعيد انّه كان قد سُئل عن حكم المسألة مرّتين أو مرّات بل الظاهر انّه سئل عن الإمام (عليه السلام) مرّة واحدة وأجابه (عليه السلام) بجواب واحد فالتعدّد انّما نشأ من تعدّد من روى عنه من الرواة و ـ حينئذ ـ فالرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه الجنابة مع عدم كونه واجداً لغيره لا تكون مغايرة للرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد البول بل الظاهر انّهما رواية واحدة كما يدلّ على ذلك روايته الأخيرة المشتملة على
(الصفحة 373)
حكم من أصاب ثوبه المنفرد جنابة أو بول، ولا يخفى انّ وجوب الصلاة في الثوب النجس قد قيّد في هذه الرواية بما إذا كان المصلّي مضطرّاً إلى لبسه لبرد أو غيره ضرورة انّه ليس المراد من الاضطرار وهو الاضطرار الحاصل من قبل الصلاة لأجل كونها مشروطة بستر العورة لأنّه كان ذلك مفروض السؤال فلا يحتاج إلى التكرار فالمراد منه هو الاضطرار الطارئ مع قطع النظر عن اعتبار الستر في صحّة الصلاة و ـ حينئذ ـ فهذه الرواية تكون شاهدة للجمع بين الروايات التي رواها محمد بن علي الحلبي التي قد عرفت انّها رواية واحدة، ولعلّ الوجه في إطلاق الحكم بوجوب الصلاة عارياً في روايته الدالّة عليه هو انّ مفروض السؤال فيها كون الرجل في فلاة من الأرض. ومن المعلوم انّه لا يضطرّ الرجل إلى لبس الثوب غالباً في الفلاة لعدم وجود ناظر فيها كذلك، فإذا ثبت الجمع بين الروايات التي رواها محمّد بن علي الحلبي بهذا النحو يظهر وجه الجمع بين سائر الروايات المتعارضة إذ موثقة سماعة المتقدّمة التي حكم فيها بوجوب الصلاة عرياناً انّما هي واردة فيما إذا كان الرجل في فلاة من الأرض وقد مرّ انّه في هذه الصورة لا يتحقّق الاضطرار غالباً، فانقدح انّ طريق الجمع بين الروايات المتقدّمة المتعارضة بعد التأمّل فيها هو ما اختاره الشيخ في مقام الجمع من وجوب الصلاة عارياً فيما إذا لم يتحقّق الاضطرار إلى لبسه لبرد أو ناظر أو غيرهما.
ثمّ إنّه لو فرضنا عدم إمكان الجمع بين تلك الأخبار المتعارضة بنحو يخرجها عن التعارض ووصلت النوبة إلى اعمال المرجحات فاللازم أيضاً الأخذ بالروايات الدالّة على وجوب الصلاة عارياً لأنّا قد قرّرنا في محلّه انّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى ولا ريب في انّها موافقة لهذه الروايات كما يدلّ عليه فتوى الشيخ (قدس سره) ومن بعده إلى زمان المحقّق (قدس سره) .
(الصفحة 374)
وقد ذكر بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ انّ روايتي سماعة مضمرتان وليس السماعة في الجلالة والاعتبار كزرارة ومحمد بن مسلم حتّى لا يحتمل سؤاله عن غير الإمام (عليه السلام) ومن المحتمل أن يكون قد سأل شخصين آخرين غير الإمام (عليه السلام)ويؤكّده اختلاف الروايتين في الجواب حيث ورد في إحداهما: إنّه يصلّي قاعداً وفي الاُخرى: انّه يصلّي قائماً فالروايتان ساقطتان عن الاعتبار، وامّا رواية الحلبي ففي سندها محمد بن عبد الحميد، وأبوه ـ عبد الحميد ـ وإن كان موثقاً إلاّ انّ ابنه لم تثبت وثاقته فإنّ توثيقاته تنتهي إلى النجاشي، والعبارة المحكية عنه لا تفي بتوثيق الرجل حيث قال: «محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين» وهذه العبارة وإن صدرت منه عند ترجمة محمد بن عبد الحميد إلاّ انّ ظاهر الضمير في قوله: كان ثقة، انّه راجع إلى أبيه وهو عبد الحميد لا إلى محمد ابنه ولو لم يكن ظاهراً فيه فلا أقلّ من إجماله فلا يثبت بذلك وثاقة الرجل وبهذا تسقط الرواية عن الاعتبار وتبقى الصحاح المتقدّمة الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب المتنجّس من غير معارض.
أقول: يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم ثبوت التعدّد لرواية سماعة لما عرفت من ظهور كونها رواية واحدة ـ انّ سماعة وإن لم يكن في الجلالة والاعتبار مثل زرارة ومحمّد بن مسلم إلاّ انّ ظهور رواياته المضمرة في كون سؤاله انّما هو عن الإمام (عليه السلام)ممّا لا ينبغي الارتياب فيه خصوصاً بعد ملاحظة منشأ الاضمار فيها وهو الاكتفاء بذكر اسمه المبارك في أوّل كتابه والإشارة إليه بالضمير في بقية الروايات لعدم الحاجة إلى تكرار الاسم فمجرّد الإضمار فيها لا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار وهل يمكن دعوى السقوط مع عدم ثبوت المعارض لها فعند ثبوته أيضاً لا مجال لهذه الدعوى كما لا يخفى.
(الصفحة 375)
وامّا اختلاف الروايتين في الجواب فمنشأه اختلاف الرواة عنه لعدم تعدّد الرواية كما عرفت فلا يؤكد ذلك كون السؤال عن غير الإمام (عليه السلام) .
وامّا محمد بن عبد الحميد فالظاهر دلالة عبارة النجاشي على وثاقته وكون الضمير راجعاً إليه وإن كان العلاّمة (قدس سره) قد فهم من هذا الكلام وثاقة أبيه إلاّ انّه خلاف الظاهر لأنّه على غير هذا التقدير يلزم التفكيك الركيك وذلك لرجوع الضمير في قول النجاشي بعد العبارة المتقدّمة: «له كتاب النوادر» إلى الابن قطعاً لعدم وجود الكتاب للأب لعدم كونه معنوناً في النجاشي أصلاً ولو كان له كتاب لكان المناسب بل اللازم عنوانه فيه ويؤيّده استشهاد النجاشي بقوله في «بيان الجزري»: كان بيان خيّراً فاضلاً. ومكاتبة سهل أبا محمّد العسكري (عليه السلام) بيده كما ذكره النجاشي أيضاً في «سهل» وبعد ذلك يحتمل قوياً وقوع السقط في العبارة المتقدّمة وانّها كانت في الأصل: روى عن عبد الحميد الخ. وبالجملة فالظاهر وثاقة الرجل واعتبار رواية الحلبي فلا مجال لدعوى السقوط عن الاعتبار.
وقد ناقش ـ البعض المذكور ـ في الجمع بين الطائفتين على تقدير الاعتبار وثبوت التعارض في البين بالنحو الذي ذكرنا في مقام الجمع بما حاصله: «إنّ هذا الجمع وإن كان لا بأس به صورة إلاّ انّه بحسب الواقع لا يرجع إلى محصل صحيح:
امّا أوّلاً: فلأنّ الرواية ـ رواية الحلبي التي هي شاهدة الجمع ـ ضعيفة من جهة القاسم بن محمد.
وامّا ثانياً: فلأنّه لم يثبت انّ الاضطرار في الرواية اُريد به الاضطرار إلى اللبس لاحتمال أن يراد به الاضطرار إلى الصلاة في الثوب لما قد ارتكز في أذهان المتشرّعة من عدم جواز إيقاع الصلاة من دون ثوب.
وامّا ثالثاً: فلأنّ الاضطرار لو سلّمنا انّه بالمعنى المذكور لكنّه لا يمكن حمل
(الصفحة 376)
الصحاح المتقدّمة على صورة الاضطرار لأنّ فيها روايتين صريحتين في عدم إرادتها إحداهما: صحيحة علي بن جعفر وثانيتهما: صحيحة الحلبي الثانية باعتبار انّ المفروض فيها انّ الرجل غير قادر على غسله فلابدّ من قدرته على نزعه وإلاّ لكان الأنسب أن يقول ولا يقدر على نزعه فلا مجال لهذا الجمع».
أقول: امّا القاسم بن محمد الذي يكون المراد به هو الجوهري فالظاهر وثاقته باعتبار كثرة روايته وكثرة نقل مشايخ الحديث عنه كما في محكي جامع الرواة وإن كان جماعة من الفقهاء (قدس سرهم) قد ردّوا أحاديثه كالمحقّق والشهيد الثاني وغيرهما لكنّه لا يبعد اعتبارها كما هو معتقد الوحيد (قدس سره) إلاّ انّه مع ذلك يحتاج إلى مزيد المراجعة والدقّة الزائدة.
وامّا احتمال كون المراد بالاضطرار في رواية الحلبي غير الاضطرار إلى اللبس فقد مرّ اندفاعه في توضيح مفاد الرواية وعرفت انّه على هذا التقدير يلزم التكرار لأنّ الاضطرار الناشئ من ناحية الصلاة باعتبار كونها مشروطة بستر العورة كان مفروضاً في السؤال ولم يكن وجه لتكراره في الجواب فلا موقع لهذا الاحتمال أصلاً.
وامّا صراحة رواية علي بن جعفر في عدم كون المراد هو الاضطرار إلى اللبس فلم يظهر وجهها أصلاً فان كون الرجل عرياناً لا يلازم عدم الاضطرار إلى اللبس لبرد أو ناظر فانّه ربّما يكون الرجل فاقداً للثوب رأساً فلا مناص له من تحمّل البرد فإذا وجد الثوب يضطرّ إلى لبسه للفرار عنه ففرض كون الرجل كذلك لا يلازم عدم الاضطرار بوجه لعدم كون المفروض تحقّق هذا الوصف باختياره ومن الممكن إزالته بإرادته كما هو غير خفي.
وامّا صحيحة الحلبي فالظاهر عدم صراحتها فيما أفاده أيضاً فإنّ عدم القدرة على الغسل قد يعبّر به كناية عن عدم إمكان النزع ضرورة انّ المنشأ لعدم القدرة