(الصفحة 416)
مسألة 8 ـ لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلاً أو فاسقاً، وفي اعتبار قول الكافر إشكال وإن كان الأقوى اعتباره، ولا يبعد اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً، بل يراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضاً 1.
1 ـ لأنّ ملاك اعتبار قول صاحب اليد عند العقلاء ـ ظاهراً ـ كونه أعرف بحال ما في يده وكيفياته ولا فرق فيه عندهم بين كونه عادلاً أو فاسقاً بل ولا بين كونه مسلاً أو كافراً فلو اخبر كافر بأنّ هذا الشيء قد لاقى البول كان إخباره معتبراً عند العقلاء مع كونه تحت يده. نعم مع الشكّ في ثبوت السيرة بالإضافة إلى الكافر يكون مقتضى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن في مثل السيرة من الأدلّة اللبّية الحكم بعدم الاعتبار، ولكن الظاهر عدم وصول النوبة إليه كما انّ الظاهر اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً بل إذا كان مميّزاً ولو لم يكن مراهقاً لجريان السيرة في الصبي المميّز مطلقاً.
(الصفحة 417)
مسألة 9 ـ المتنجّس منجس مع قلّة الواسطة كالاثنين والثلاثة وفيما زادت على الأحوط، وإن كان الأقرب مع كثرتها عدم التنجيس، والأحوط إجراء أحكام النجس على ما تنجّس به فيغسل الملاقى لملاقي البول مرّتين، ويعمل مع الإناء الملاقي للإناء الذي ولغ فيه الكلب في التطهير مثل ذلك الاناء خصوصاً إذا صبّ ماء الولوغ فيه فيجب تعفيره على الأحوط 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في انّ المتنجّس هل يكون منجساً لملاقيه في الجملة كالنجس أم لا يكون منجساً أصلاً؟ ذهب المشهور إلى الأوّل وخالفهم في ذلك الحلّي والكاشاني (قدس سرهما) وقد استدلّ لهم على ذلك باُمور:
الأوّل: انّ منجسية المتنجّس أمر ضروري يعرفه جميع المتشرّعة وعموم المسلمين من علمائهم وعوامّهم، وقديمهم وجديدهم من غير أن يكون مختصّاً بطائفة دون طائفة وفرقة دون فرقة.
وفيه: انّه إن اُريد بذلك ان تنجيس المتنجّس يكون من ضروريات الدين والشريعة نظير وجوب الصلاة ونحوه من الأحكام التي تثبتت من الدين بالضرورة ويكون إنكارها مستلزماً لإنكار النبوّة وموجباً للكفر ففساده واضح ضرورة انّه لا يكون ضرورياً بهذا المعنى بل يكون من الاُمور النظرية، وكيف يمكن أن يقال بأنّ مثل ابن إدريس والمحدّث الكاشاني المنكرين لمنجسية المتنجّس منكران للضروري بهذا المعنى.
وإن اُريد بذلك كونه من ضروريات الفقه ففيه انّه وإن كان كذلك خصوصاً بين المتأخّرين من الفقهاء إلاّ انّ مجرّد كونه كذلك لا يكشف عن ثبوته في الشريعة المقدّسة، وعلى المجتهد أن يجتهد في مقام الاستنباط عن الدليل والحكم على طبقه.
(الصفحة 418)
الثاني: ثبوت الإجماع في المسألة حيث أفتى الأصحاب بذلك خلفاً عن سلف ولم ينكر ذلك أحد.
وفيه أوّلاً: ما عرفت من مخالفة الحلّي والكاشاني فكيف يتحقّق الإجماع بهذا المعنى المدّعى.
وثانياً: انّه على فرض تحقّق الإجماع في المسألة لا يكون هذا الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن موافقة المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين إلى الروايات الكثيرة الواردة فيها الظاهرة في منجسية المتنجّس فالإجماع ليس له اصالة أصلاً.
الثالث: الروايات الكثيرة الدالّة عليه:
ومنها: ما عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء؟ قال: اغسل الإناء. فانّه من الواضح انّ الماء الذي يكون في الإناء يصير بسبب شرب الكلب منه متنجّساً فالأمر بغسل الإناء الذي هو إرشاد إلى نجاسته يدلّ على تنجّسه بملاقاة الماء الواقع فيه كما هو ظاهر.
ومنها: ما رواه المحقّق في المعتبر والشهيد في الذكرى عن العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه. فإنّ الأمر بغسل ما أصابه ظاهر في كون الوضوء منجس له مع كونه متنجّساً. وسيأتي البحث في مفاد الرواية مفصّلاً إن شاء الله تعالى.
ومنها: موثقة عمّار بن موسى الساباطي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الاناء مراراً، أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلّخة ؟ فقال: إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ يفعل ذلك بعدما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان انّما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا
(الصفحة 419)
يمسّ من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه ثمّ قال: لعلّه أن يكون انّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها.
ومنها: رواية معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافياً؟ فقال: أليس ورائه شيء جاف؟ قلت: بلى، قال: لا بأس انّ الأرض يطهّر بعضه بعضاً. فانّ الماء المتنجّس بملاقاة الخنزير لو لم يكن منجساً للأرض لم يكن موقع لسؤال الإمام (عليه السلام)عن وجود شيء جاف ورائه فاستفصاله (عليه السلام) ظاهر في تنجّس الأرض بالماء المتنجّس الملاقى للخنزير مع انّ قوله (عليه السلام) : الأرض يطهّر بعضها بعضاً، ظاهر في تنجّسها بالبعض في مورد الرواية كما هو غير خفي.
هذا ولكنّه ذكر بعض الأعلام انّ هذه الأخبار أجنبية عمّا هو محلّ الكلام لأنّ المدعي لعدم تنجيس المتنجّس انّما يدّعي ذلك فيما إذا جفّ المتنجّس وزالت عنه عين النجس ثمّ لاقى بعد ذلك شيئاً رطباً، وامّا المائع المتنجّس أو المتنجّس الجامد الرطب قبل أن يجفّ فلم يقل أحد بعدم منجسيته من المتقدّمين والمتأخّرين ولعلّها ممّا يلتزم به الكلّ كما ربما يلوح من محكي كلام الحلّي (قدس سره) وهذه الأخبار المستدلّ بها انّما وردت في المائع المتنجس فهي خارجة عمّا نحن بصدده.
ولا يخفى انّ كون تفصيل الحلّي والكاشاني انّما هو بين المائع المتنجّس أو المائع الجامد الرطب وبين المتنجس الجاف الملاقي للشيء الرطب غير معلوم لنا فانّ ظاهرهما هو التفصيل بين النجس والمتنجّس مطلقاً مع انّ التفصيل بالكيفية المذكورة في نفسه بعيد فتدبّر.
وقد يستدل للمشهور بموثقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: إذا جفّت فلا بأس
(الصفحة 420)
بالصلاة عليها. فإنّ فيها احتمالين:
الأوّل: أن يكون مراد السائل بقوله: هل تجوز الصلاة عليها هو السؤال عن السجدة عليها، والجفاف المعلّق عليه نفي البأس في الجواب محمول على الجفاف بإصابة الشمس وعليه فيصير محصّل السؤال انّه هل تجوز السجدة على البارية التي بلّ قصبها بماء قذر؟ فأجاب (عليه السلام) بأنّه إذا جفّت بالشمس وطهرت بذلك فلا بأس. وعليه فلا وجه لاعتبار الجفاف إلاّ تنجّس البارية بالماء المتنجّس.
وما أفاده بعض الأعلام من انّ الموثقة على هذا التقدير أجنبية عمّا نحن فيه لأنّ معناها ـ حينئذ ـ انّ القصب المبلّل بماء قذر إذا جفّ بالشمس طهر ولا مانع معه من أن يسجد عليه، وامّا إذا كان رطباً أو جف بغير الشمس فهو باق على نجاسته ولا يجوز السجود عليه لاعتبار الطهارة فيما يسجد عليه. فغير صحيح لأنّه لو لم يكن الماء المتنجّس منجساً لا يتصوّر مانع عن جواز السجدة عليها حتّى قبل الجفاف لأنّ موضع السجدة وهي البارية طاهر على الفرض وما يكون نجساً من البلل لا يسجد عليه كما هو ظاهر وكأنّه توهّم انّ ما يسجد عليه هو نفس الرطوبة والبلل فتأمّل.
الثاني: أن يكون السؤال عن الصلاة عليها بأن نجعل موضعاً للصلاة ويحمل الجفاف الواقع في الجواب على مطلق الجفاف ـ كما هو الظاهر ـ فيصير معناها انّ القصب المبلّل بالماء القذر لا مانع من أن يصلّى فوقه إذا يبس لعدم سراية النجاسة منه إلى ما أصابه، ومفهومه انّه لا تجوز الصلاة فوقه إذا لم يكن جافّاً لسرايتها إليه وعليه تكون الرواية ظاهرة في المدعى لأنّ محطّ نظر السائل ـ حينئذ ـ انّما هو انّ الحصير حيث كان متنجّساً فتسري نجاسته إلى الثوب فأجاب (عليه السلام) بأنّه لو جفّ الحصير فلا بأس، ومن المعلوم انّه لا وجه لاعتبار الجفاف إلاّ مجرّد سراية النجاسة