(الصفحة 47)
نجس العين والغسل مزيلاً للنجاسة كان الأنسب التعليل به لا بأمر عرضي.
ومنها: الروايات الكثيرة الواردة في غسل الميت وموردها الغسل بالماء القليل ولم يقع في شيء منها التعرّض على نجاسة الملاقيات، وكذا ما ورد في تجهيزه من حال خروج الروح إلى ما بعد الغسل من غير تعرّض لتطهير ما يلاقيه، فانّها وإن كانت في مقام بيان أحكام اُخر لكن كان اللازم التنبيه لهذا الأمر الكثير الابتلاء المغفول عنه لدى العامّة، والالتزام بصيرورة يد الغاسل وآلات الغسل المتعارفة طاهرة بالتبع وإن كان ممكناً إلاّ انّه ـ مضافاً إلى اختصاصه بحال ولا يشم الملاقيات قبله من حال النزع إلى حال الغسل ـ لا مانع منه بعد ثبوت النجاسة والكلام انّما هو فيها فلم لا يكون مثلها دليلاً على الطهارة خصوصاً بعد كون حصول الطهارة بالتبعية أمراً بعيداً عن الأذهان مخالفاً للقواعد كما هو ظاهر.
ومنها: ما يدلّ على رجحان توضّي الميت قبل الغسل مع انّ شرطه طهارة الأعضاء.
ومنها: مكاتبة الصفار الصحيحة: قال كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع (عليه السلام)إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل. بتقريب انّ الظاهر كون «الغسل» بالضمّ ومعناه الاغتسال فيرجع إلى انّ ملاقات الجسد موجبة لثبوت التكليف بالغسل فقط فيدلّ على انّه لا شيء غيره في ملاقات الجسد ولا شيء أصلاً في ملاقات الثوب فتدبّر وغير ذلك من الشواهد والقرائن على عدم ثبوت النجاسة العينية لبدن المؤمن الميّت كالكافر والكلب والخنزير مع ما يعلم من منزلته في الشريعة ومرتبته عند الله تعالى خصوصاً مع انّه لو كان كذلك لكان ينبغي الاشتهار بين الناس ولم يكن فيه شكّ ولا ارتياب أصلاً كما لا يخفى.
(الصفحة 48)
هذا والإنصاف انّه لا موقع لهذا الاستشكال أيضاً فانّ الروايات المتقدّمة التي هي محطّ نظر الاستشكال قاصرة عن إثبات الطهارة وسلب النجاسة العينيّة لأنّه ـ مضافاً إلى ما عرفت من دلالة روايات كثيرة على نجاستها بحيث لا ينبغي الارتياب فيها ولا تصلح هذه الطائفة لمعارضتها ـ نقول إنّ الروايات الواردة في علّة تغسيل الميّت مع الاختلاف بينها مجهولة المراد ولا يكاد يتبيّن المنظور منها فانّه لو كانت علّة الغسل هي غلبة النجاسة عليه لم يكن يحتاج إزالة النجاسة إلى الغسل خصوصاً بالترتيب المعهود والكيفية المقرّرة المشتملة على قصد القربة بل يكفي في زوالها مجرّد الغسل ـ بالفتح ـ كما انّه لم يظهر وجه كون العلّة هي الجنابة خصوصاً مع تصريح بعضها بخروج المني من عينيه أو من فِيه فانّ أصل خروج المني وكذا خروجه من أحد المخرجين ممّا لا يعلم وكذا كون الخروج منه موجباً لحصول الجنابة مع انّ اللازم بناءً على ذلك أن يقصد غسل الجنابة فمثل هذه الروايات لا يمكن الاتّكال عليها في إثبات حكم شرعي.
وامّا السكوت عن غسل يد الغاسل وآلات الغسل والملاقيات فقد اعترف المستشكل بأنّ حصول الطهارة التبعية انّما هي على تقدير قيام الدليل على النجاسة ونحن نقول بقيامه عليها وهي الروايات المتقدّمة الدالّة بالوضوح على النجاسة كسائر الأعيان النجسة، وامّا الملاقيات قبل الغسل فقد وقع التعرّض لحكمها في الروايات المتعدّدة الدالّة على غسل الثوب واليد الملاقيين لجسد الميّت وقد استفدنا منها النجاسة فلا موقع لدعوى عدم التعرّض.
وامّا الروايات الدالّة على استحباب توضّي الميّت قبل غسله فلا دلالة بل ولا إشعار فيها على الطهارة لعدم الدليل على كون وضوئه مشروطاً بالطهارة.
وامّا مكاتبة الصفار ـ فمضافاً إلى انّ عدم التعرّض فيها لا يقاوم الروايات
(الصفحة 49)
الكثيرة الدالّة على النجاسة وإلى انّ نفس السؤال يدلّ على مفروغية نجاسة بدن الميّت ـ نقول لِمَ لا يكون تلك الروايات قرينة على كون المراد هو الغسل ـ بالفتح ـ خصوصاً مع كون العدول في الجواب عمّا هو مقصود السائل إلى شيء آخر لا يكون له وجه.
وامّا الاستبعاد فلا يكون موجباً لرفع اليد عمّا هو مقتضى الأدلّة كما انّ دعوى انّه على تقدير النجاسة لكان اللازم الاشتهار مدفوعة لأنّ الابتلاء بملاقاة جسد الميّت مع الرطوبة أمر يتّفق نادراً.
فالإنصاف انّ رفع اليد عمّا هو ظاهر الروايات من النجاسة العينية كسائر الأعيان النجسة ممّا لا سبيل إليه ولا مانع من الأخذ به وفاقاً لجلّ الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ ومنه يظهر الخلل فيما هو لازم كلام الحلّي من دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية قال فيما حكى عنه في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة أيضاً: «لأنّ هذه النجاسات حكميات وليست عينيات ولا خلاف بين الاُمّة كافّة انّ المساجد يجب أن تجنب النجاسات العينية، وأجمعنا بغير خلاف انّ من غسل ميتاً له أن يدخل المسجد ويجلس فيه فلو كان نجس العين لما جاز ذلك، ولأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف ومن جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتاً ولو كان ما لاقى الميت نجساً لما كان الماء الذي يغتسل به طاهراً».
والظاهر انّ مراده من نفي النجاسة العينية انّما هو بالإضافة إلى الملاقى بالنسبة إلى جسد الميت بمعنى انّ الميّت من الأعيان النجسة ولكنّه لا يؤثر في اتّصاف الملاقي له أيضاً بذلك بل الملاقى متّصف بالنجاسة الحكمية وغرضه منها عدم تأثير الملاقى في تنجيس ملاقيه أيضاً فلا يؤثر في نجاسة المسجد ولا في نجاسة الماء المستعمل في
(الصفحة 50)
غسل المسّ وعليه فيرتبط كلامه بالجهة الثالثة الآتية لا بهذه الجهة كما هو غير مخفي.
الجهة الثالثة: في انّ نجاسة الميّت الآدمي هل تكون كسائر النجاسات العينية مؤثرة في تنجيس ملاقيه مع وجود عامل السراية وهي الرطوبة وفي كون حكم الملاقى له حكم الملاقى لسائر الأعيان النجسة من جهة التأثير في نجاسة الشيء الثالث، أو انّه تكون مثلها في تحقّق نجاسة الملاقى ولكنّه لا يتجاوز عن الملاقى إلى شيء آخر ـ كما هو الظاهر من عبارة الحلّي المتقدّمة ـ أو انّها لا تؤثّر في نجاسة الملاقى أصلاً فيكون الميّت نجساً غير منجس ـ كما ربّما نسب إلى الحلّي ـ أو انّها يمتاز عن سائر النجاسات بتأثيرها في نجاسة ملاقيه ولو بدون الرطوبة أيضاً ـ كما قد حكى القول به عن غير واحد بل عن ظاهر بعض الالتزام بذلك في مطلق الميتة ـ ؟ وجوه واحتمالات.
والأظهر هو الوجه الأوّل لما عرفت في الجهة الثانية من انّ التعبير الذي استكشفنا منه النجاسة في المقام لا يغاير التعبير الواقع في كثير من النجاسات فلا فرق بين قوله (عليه السلام) : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» وبين قوله (عليه السلام) في المقام: «فاغسل ما أصاب ثوبك منه» نعم ربّما يحتمل في المقام أن يكون الثوب بالضمّ على أن يكون فاعلاً لقوله: أصاب، ويكون الموصول كناية عن موضع الإصابة والضمير المجرور راجعاً إلى الميّت مع حذف العائد فيكون المعنى: اغسل موضع إصابة الثوب من الميّت وعليه فلا دلالة له على اختصاص حصول النجاسة للثوب بصورة السراية لأنّ ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرّعة انّ ملاقى النجس لا ينجس اخلاّ مع وجود الرطوبة وتحقّق السراية، وامّا انّ الأمر بغسل ملاقى كلّ شيء فانّما هو للسراية فغير معلومة فإن علم انّ الكلب نجس وقيل
(الصفحة 51)
اغسل ثوبك إذا أصاب الكلب يفهم منه انّ الغسل لدى السراية وامّا لو احتمل عدم نجاسة شيء ولزوم تطهير ملاقيه تعبّداً فلم يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغسل إلاّ بالسراية.
ولكن هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى عدم صحّته على طبق القواعد الأدبية لخلوّه ـ حينئذ ـ عن العائد، وإلى انّه على كلا التقديرين لا خفاء في كون المراد هو غسل الثوب لا غسل ملاقيه من جسد الميّت فإن كان إيجاب غسل الملاقي ـ بالكسر ـ دليلاً على نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ لا يبقى فرق بين الاحتمالين ويستفاد منه مع ذلك اعتبار السراية والرطوبة، وإن لم يكن دليلاً عليها لا يكون فرق أيضاً بينهما ولا يستفاد أصل نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ يدفعه انّ المدعى عدم الفرق بين المقام وبين التعبير الوارد في الأبوال، ودعوى انّ عامل السراية موجودة في الأبوال دائماً بخلاف المقام مدفوعة بأنّ الكلام فيما هو المتفاهم عند العرف والمتشرّعة ولا خفاء في انّ المتفاهم هي النجاسة للملاقى ـ بالفتح ـ أولاً وللملاقي ـ بالكسر ـ ثانياً مع وجود الرطوبة المسرية بل ربّما يقال بأنّ المتبادر منه إنّما هو إرادة غسل ما أصاب الثوب من الرطوبات الحاصلة إليه من الميت ولذا نزّله المحدِّث الكاشاني (قدس سره) القائل بعدم نجاسة الميت على إرادة الرطوبات النجسة الخارجة منه من بول ودم ونحوهما وهذا التنزيل وإن كان تأويلاً بلا مقتض لكن غاية ما يستفاد من إطلاق العبارة وجوب غسل ما لاقاه برطوبة متعدية خصوصاً بضميمة ما هو المركوز في الأذهان من اعتبار الرطوبة في السراية.
وبمثل ذلك قد يجاب عن إطلاق الأمر بغسل اليد في التوقيعين المتقدّمين بل يمكن أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق لهما بالإضافة إلى العقد الإيجابي خصوصاً مع دلالة موثقة ابن بكير على انّ كل يابس زكي ولكن الذي يوهن ما ذكر انّك عرفت انّ