(الصفحة 476)
انّ الطهارة المعتبرة هو طهارة المصلّي وإنّ طهارة الثوب من مراتب طهارته وعليه فدليل العفو مفاده عدم مانعية هذا المقدار فيما له إضافة إلى المصلّي من البدن أو اللباس واللازم ملاحظته بالنسبة إلى المجموع، والعجب منه حيث يصرّح في ذيل كلامه بالفرق بين البدن والثوب وبين الثياب المتعدّدة مع انّه من الواضح عدم الفرق من هذه الجهة أصلاً خصوصاً بعد عدم تعرّض دليل العفو لحكم البدن واستفادة حكمه منه بمعونة إلغاء الخصوصية وعدم ثبوتها على ما هو المتفاهم عند العرف فتدبّر.
الفرض الثاني: فيما لو تفشّى الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر وقد حكم فيه في المتن بأنّه دم واحد كما هو المنسوب إلى الأشهر وعن الذكرى والبيان انّه اثنان وليس المراد من كونه اثنين هو تعدّد الوجود لعدم كون الدم من الاعراض بل من الجواهر ولها أبعاد ثلاثة من الطول والعرض والعمق فالتفشي لا يوجب تعدّد الوجوب وثبوت الدمين بل المراد انّ ظاهر النصوص ملاحظة السطح الظاهر المرئي فإذا تفشّى كان له سطحان ظاهران، فاللازم ملاحظة المجموع في مقام التقدير ولكن هذا الاستظهار في غير محلّه خصوصاً بالإضافة إلى الثوب الرقيق. نعم يمكن أن يقال في الثوب الغليظ بثبوت التعدّد العرفي وكون كلّ واحد من الدمين مستقلاًّ فاللازم ـ حينئذ ـ ملاحظة المجموع ولكن الظاهر انّ الغلظة أيضاً لا يوجب التعدّد وإن كان الاحتياط فيه ممّا لا ينبغي تركه. نعم في مثل الظهارة والبطانة الظاهر هو التعدّد كما انّه إذا تفشى من أحد الثوبين ووصل إلى الثوب الآخر فانّه لا إشكال في ثبوت التعدّد وقد عرفت من بعض الأعلام انّ دم كل ثوب يكون الملحوظ في التقدير لا دم مجموع الأثواب ومرّ ما فيه أيضاً.
(الصفحة 477)
مسألة 3 ـ لو اشتبه الدم الذي يكون أقلّ من الدرهم انّه من المستثنيات كالدماء الثلاثة أو لا حكم بالعفو عنه حتّى يعلم انّه منها، ولو بان بعد ذلك انّه منها فهو من الجاهل بالنجاسة على إشكال وان لا يخلو من وجه. ولو علم انّه من غيرها وشكّ في انّه أقلّ من الدراهم أم لا فالأقوى العفو عنه إلاّ إذا كان مسبوقاً بكونه أكثر من مقدار العفو وشكّ في صيرورته بمقداره 1.
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
الفرع الأوّل: ما إذا علم كون الدم أقلّ من الدرهم وشكّ في انّه من المستثنيات كالدماء الثلاثة أم لا وقد حكم فيه في المتن بالعفو ما دام كونه مشكوكاً وحكى ذلك عن الدروس والموجز وشرحه وغيرها بل قيل إنّ عليه بناء الفقهاء وما يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور:
الأوّل: انّه من موارد التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فانّ عموم دليل العفو عمّا دون الدرهم قد خرج منه مثل دم الحيض والدم المفروض يحتمل أن يكون دم الحيض فيتمسّك مع الشكّ بالعموم وهذا الأمر وإن كان يحتمل أن يكون مستنداً لمثل صاحب العروة ممّن يجوز التمسّك المزبور إلاّ انّه حيث كان مقتضى التحقيق عدم الجواز فلا يصلح للاستناد إليه.
الثاني: ما اختاره المحقّق الهمداني (قدس سره) من استصحاب جواز الصلاة في الثوب لأنّ الصلاة فيه قبل أن يطرأ عليه الدم المردّد كانت جائزة يقيناً ومقتضى الاستصحاب بقاء الثوب على ما كان عليه من جواز الصلاة فيه.
وأورد عليه بأنّ جواز الصلاة في الثوب قبل أن يطرء عليه الدم المردّد انّما كان مستنداً إلى طهارته وهي قد ارتفعت لتنجّس الثوب على الفرض ولا حالة سابقة لجواز الصلاة في الثوب المتنجّس حتّى تستصحبه.
(الصفحة 478)
ويدفعه انّ ارتفاع الطهارة لا يستلزم ارتفاع الجواز لاحتمال كونه دماً معفوّاً عنه ووصف الطهارة الزائل قطعاً لا يوجب الخلل في اتّحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة المعتبر في جريان الاستصحاب فانّ هذا الثوب بعينه كانت الصلاة فيه جائزة والآن تكون مشكوكة فلا مانع من الاستصحاب.
نعم يمكن الإيراد عليه ـ بناءً على كون النجاسة مانعاً لا كون الطهارة شرطاًـ بأنّ الموضوع للحكم الشرعي وهي المانعية هو الدم وليس للدم المردّد في المقام حالة سابقة متيقّنة من جهة المانعية وعدمها واستصحاب عدم وجود المانع في الثوب لا يثبت وصف عدم المانعية للدم كما لا يخفى.
الثالث: ما اختاره القائلون بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية نظراً إلى انّ الدم قبل أن يتحقّق في الخارج كان معدوماً يقيناً وغير متّصف بالحيض كذلك وبعد تبدّله إلى الوجود وزوال العدم عنه يشكّ في عروض الاتّصاف بالحيض له فيبنى على عدم تحقّقه بالاستصحاب لأنّ الاتّصاف أمر حادث مسبوق بالعدم والأصل بقائه بحاله فهو دم أقل من مقدار الدرهم بالوجدان وليس بدم الحيض بالاستصحاب فبذلك يحرز دخوله تحت العموم.
والجواب: ما حقّقناه في محلّه من عدم جريان هذا النحو من الاستصحاب وانّه لا يجوز إبقاء القضية السالبة المتيقّنة المنتفية بانتفاء الموضوع واستفادة السالبة بانتفاء المحمول المشكوكة كما في استصحاب عدم قرشية المرأة وعدم قابلية الحيوان للتذكية ونحوهما فهذا الأمر غير صحيح.
الرابع: إنّ هذا المقام من صغريات مسألة اللباس المشكوك فيه وقد تكلّمنا فيه مفصّلاً واخترنا الجواز لجريان أصالة البراءة العقلية بل النقلية وأصالة الحلية على بعض التقريبات وهذا هو العمدة في وجه الجواز في المقام ومعه لا يبقى مجال لقاعدة
(الصفحة 479)
الاشتغال بوجه.
ثمّ إنّه لو بان بعد ذلك انّ الدم المردّد كان غير معفوّ عنه وانّه دم الحيض ـ مثلاًـ فيمكن أن يقال بأنّه من موارد الجهل بالنجاسة وانّه لا يجب عليه الإعادة والقضاء نظراً إلى انّ الجهل بالنجاسة انّما يوجب الاجزاء من جهة مانعيتها بمعنى انّ مانعية النجاسة انّما هي مع العلم بالنجاسة وإحرازها، وامّا في صورة الجهل فلا يكون هناك مانعية من هذه الجهة والمفروض في المقام احتمال كون الدم معفوّاً عنه غير مانع من تحقّق الصلاة ويمكن أن يقال بالعدم نظراً إلى انّ المجهول في المقام هو كونه معفوّاً عنه بعد الفراغ عن أصل النجاسة وإحرازها ولا دليل على إجراء حكم الجهل بالنجاسة على الجهل بالمعفوية كما لا يخفى.
الفرع الثاني: لو شكّ في كون الدم غير المستثنى أقلّ من الدرهم حتّى يكون معفوّاً عنه أم لا حتّى لا يكون كذلك ويجري فيه الوجه الرابع من الوجوه المتقدّمة في الفرع السابق وكان ذلك الوجه هي العمدة في الحكم بالعفو هناك وهكذا في المقام.
ولكنّه ربّما يقال ـ والقائل هو بعض الأعلام ـ بأنّ العفو وعدمه في مورد الكلام يبتنيان على ملاحظة انّ الدم المانع هل يكون مقيّداً بعنوان وجودي وهو كونه بمقدار الدرهم فما زاد أو بعنوان عدمي وهو عدم كونه أقل من الدرهم، فعلى الأوّل يجري استصحاب عدم كون الدم بقدر الدرهم فما زاد لجريان استصحاب العدم الأزلي فهو دم بالوجدان وليس بمقدار الدرهم بالاستصحاب فيدخل بذلك تحت العموم ويعفى عنه في الصلاة.
وعلى الثاني مقتضى الاستصحاب الجاري في العدم الأزلي عدم اتّصافه بالقلّة فيدخل تحت العموم ويكون مانعاً تجب إزالته والأخبار الواردة في المقام وإن كانت
(الصفحة 480)
مختلفة ـ حيث إنّه يستفاد من بعضها انّ المانع هو الدم بمقدار الدرهم فما زاد كما في رواية الجعفي «وإن كان أكثر من قدر الدرهم» ويستفاد من بعضها الآخر انّ المانع هو الدم الذي لا يكون أقلّ من قدر الدرهم كما في رواية محمد بن مسلم «وما كان أقلّ من ذل فليس بشيء» ورواية الجعفي في قوله «إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ـ إلاّ انّ المستفاد من كلماتهم هو الأخير حيث ذكروا: انّ ما دون الدرهم يعفى عنه، وعليه فيكون المانع هو الدم المقيّد بأن لا يكون أقلّ من ذلك وهو وصف عدمي وهذا غير بعيد.
ولكن قد عرفت عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بهذه الكيفية لعدم كون الاتصاف ـ وجودياً كان أو عدمياً ـ له حالة سابقة متيقّنة لأنّ ثبوت شيء ـ وجودي أو عدمي ـ لشيء فرع ثبوت المثبت له والسالبة المنتفية بانتفاء الموضوع تغاير المنتفية بانتفاء المحمول ولا مجال لإبقاء الاُولى وإثبات الثانية بوجه.
ثمّ إنّه أفاد في «المستمسك» انّه على تقدير جريان هذا الاستصحاب لا مجال له في المقام لأنّ زيادة الدم ليست من قبيل عوارض الوجود المسبوقة بالعدم الأزلي بل هي منتزعة من نفس تكثّر حصص الماهية فهذه الكثرة كثرة قبل وجودها وبعده لا انّها قبل الوجود لا كثرة وبعد الوجود صارت كثرة.
أقول لا تنبغي المناقشة في انّ الكثرة وصف إضافي يحتاج إلى موضوع وقبل وجود الماهية وتحقّقها لا يكون هناك طرف الإضافة حتّى يتحقّق هذا الوصف ولا مجال لدعوى كونها من لوازم الماهية كالزوجية بالإضافة إلى الأربعة فيمكن أن يقال على تقدير جريان الاستصحاب المذكور بأنّه قبل الوجود لا وجود ولا كثرة وبعد الوجود تكون الكثرة مشكوكة يستصحب عدمها.
وكيف كان فقد عرفت انّ مقتضى التحقيق في هذا الفرع أيضاً هو العفو إلاّ أن