(الصفحة 481)
يكون الدم مسبوقاً بالزيادة المتيقّنة فتستصحب زيادتها ويحكم بثبوت المانع وعدم العفو كما اُفيد في المتن.
(الصفحة 482)
مسألة 4 ـ المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم، ولكن الدم الأقلّ إذا أزيل عينه يبقى حكمه 1.
1 ـ امّا عدم كون المتنجّس بالدم كالدم كما في المتن، وعن المنتهى والبيان وبعض آخر فلاختصاص الأدلّة بالدم ومن الظاهر انّ المتنجّس بالدم لا يكون دماً. نعم قد يقال كما عن الذكرى والروض والمعالم والمدارك بأنّه كالدم لأنّ الفرع لا يزيد على أصله والمتنجّس بالدم انّما تستند نجاسته إليه فإذا لم يكن المستند إليه مقتضياً للبطلان فكيف يقتضيه المستند إليه ولكن هذه القواعد الاستحسانية خارجة عن الأدلّة التي يرجع إليها في الأحكام التعبّدية فالأقوى ما في المتن.
وامّا الدم الأقلّ الذي اُزيلت عينه فالظاهر ـ كما في المتن وجمع من الكتب ـ بقاء حكمه الذي هو العفو وعدم وجوب الإزالة للصلاة وما يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور:
الأوّل: استصحاب العفو الثابت حال بقاء العين وعدم زوالها.
وأورد عليه بأنّه من الاستصحاب التعليقي الذي هو عبارة عن انّه لو وقعت الصلاة فيه حال بقاء العين كانت صحيحة جائزة والآن كما كان.
والجواب عدم كونه من الاستصحاب المذكور لأنّ المستصحب هو عدم مانعية الدم بعد زوال عينه فكان الدم في السابق غير مانع والآن كما كان وزوال العين لا يوجب انتفاء الموضوع ويمكن أن يكون المستصحب عدم مانعية الثوب المشتمل على الدم من الصلاة فيه وانّه الآن كما كان، ومن الظاهر انّ ثبوت المانعية وعدمها لا يتوقّف على تحقّق الصلاة ووجودها كيف والمانع يمنع عن تحقّقها فكيف يتوقّف على وجودها. نعم يمكن أن يقال: إنّ المانعية وعدمها وصفان للدم لا للثوب ومن المعلوم انّ الدم بعد زوال عينه لا يكون باقياً عرفاً وبقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب
(الصفحة 483)
لابدّ وأن يكون متحقّقاً بنظر العرف وعليه فلا يبقى مجال لغير الاستصحاب التعليقي فتدبّر.
الثاني: الأولوية القطعية عند العرف نظراً إلى انّه لا يكاد يشكّ في انّ الدم مع بقاء عينه إذا لم يكن مانعاً عن الصلاة فبعد زواله لا يكون مانعاً بطريق أولى لوضوح انّ أدلّة العفو لا دلالة لها عرفاً على شرطية وجود الدم في الحكم بصحّة الصلاة فانّها وردت تخصيصاً في أدلّة المانعية فتدلّ على عدم مانعية الدم الأقل لا على شرطية وجوده فإذاً فالأولوية القطعية ثابتة.
ويمكن الإيراد عليه بعدم وضوح الأولوية بعدما عرفت في المتنجّس بالدم من انّه لا سبيل في الأحكام التعبّدية إلى غير ما هو المتفاهم من ظواهر الأدلّة والمفروض في المقام انّ الدم قبل زوال العين كان دماً معفواً عنه لكونه أقلّ من مقدار الدرهم على ما هو المفروض والآن ليس في البين دم بل متنجّس بالدم ومجرّد ثبوت الدم في السابق لا يوجب الفرق.
وبعبارة اُخرى الفرق بين المقام وبين الفرض السابق وهو المتنجّس بالدم ليس إلاّ في مجرّد وجود الدم في السابق هنا دونه وهل هذا يصير فارقاً بين الفرضين وموجباً للحكم بالعفو هنا دونه ومن الظاهر انّ مرجع الفرق إلى مدخلية وجود الدم في السابق في الحكم بالعفو ولا يمكن الالتزام به.
الثالث: إطلاق بعض أدلّة العفو الشامل لما إذا زالت العين أيضاً فانّها على قسمين لأنّ منها ما فرض انّ الثوب مشتمل على وجود الدم حال الصلاة وهذا القسم خارج عن مورد الاستدلال.
ومنها: ما فرض اشتمال الثوب على الدم في مدّة قبل الصلاة حتّى انّه نسيه فصلّى كما في صحيحة ابن أبي يعفور «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم فينسى أن
(الصفحة 484)
يغسله فيصلّي...» فإنّه قد فرض في مورد السؤال وجود النقط في الثوب قبل الصلاة ولم يستفصل الإمام (عليه السلام) في الجواب بين بقاء العين حال الصلاة وعدمه وترك الاستفصال دليل العموم على انّ مقتضى الطبع زوال العين باستمرار الزمان ولو ببعضها بل ظاهر الصحيحة زوالها بأجمعها لظهورها في انّ النقط انّما كانت في ثوبه بمدّة قبل الصلاة حتّى نسيها.
وهذا الوجه يمكن الاعتماد عليه وإن أمكن أن يقال إنّ ظاهر الصحيحة وجود النقط من دون زوال العين خصوصاً إذا كان الضمير في قوله «يغسله» أو «فيغسله» راجعاً إلى نقط الدم لا إلى الثوب الذي يكون النقط موجوداً فيه وخصوصاً مع استثناء صورة كون المقدار درهماً مجتمعاً فانّ احتمال شمول صورة بقاء اللون وملاحظته في التقدير دون بقاء العين في غاية البعد ومع ذلك فيقوى في النظر عدم كون زوال العين مغيّراً للحكم وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يُترك.
(الصفحة 485)
الثالث: كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكة والجورب ونحوهما فانّه معفو عنه لو كان متنجساً ولو بنجاسة من غير مأكول اللحم، نعم لا يعفى عمّا كان متّخذاً من النجس كجزء ميتة أو شعر كلب أو خنزير أو كافر 1.
1 ـ العفو في الصلاة عمّا لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً في الجملة ممّا لا خلاف فيه بل ادّعى عليه الاجماع ـ صريحاً وظاهراً ـ في كلمات غير واحد من الأصحاب ويدلّ عليه النصوص المستفيضة وقد تعرّضنا لأصل المسألة في كتاب الصلاة في شرح المسألة الثامنة من مسائل الستر والساتر فراجع، والذي ينبغي التعرّض له هنا عدم ثبوت العفو فيما إذا كان متّخذاً من الميتة أو من نجس العين كالكلب والخنزير.
امّا إذا كان متّخذاً من الميتة فلأنّ مورد النصوص الدالّة على العفو هو المتنجّس دون النجس وذلك مثل موثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب. وروايته الاُخرى قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت، فقال: لا بأس. فإنّ عدم شمولهما لما إذا كان ما لاتتمّ متّخذاً من النجس بالذات واضح ولا دليل على التعدّي. هذا مضافاً إلى الروايات الواردة في المنع عن الصلاة في الخفّ إذا كان من الميتة، وفي السيف إذا كان فيه الميتة، وقد ورد في صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الميتة قال: لا تصلِّ في شيء منه ولا شسع.
نعم في مقابل ما ذكر روايتان:
إحداهما: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه. لظهورها في انّ الاتصاف بعدم جواز الصلاة فيه وحده