(الصفحة 90)
قال بعض الأعلام: انّ حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة حكمان مترتّبان على عنوان غير المذكّى للآية المتقدّمة والموثقتين المتقدّمتين وعليه إذا شككنا في تذكية لحم أو جلد أو نحوهما نستصحب عدم تذكيته ونحكم بحرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه.
وامّا النجاسة وحرمة الانتفاع ـ على تقدير القول بها ـ فهما من الآثار المترتّبة على عنوان الميتة حيث لم يقم دليل على ترتبهما على عنوان غير المذكّى ومعه لا يمكن إثباتها عند الشكّ في التذكية، ويكفينا في ذلك أوّلاً الشكّ في انّ موضوعها هل هو الميتة أو ما لم يذك. وثانياً تصريح بعض أهل اللغة كالفيومي في مصباحه بأنّ الميتة ما مات بسبب غير شرعي.
والإنصاف انّ كلامه ـ أي بعض الأعلام ـ في التفصيل بين الأحكام متين جدّاً ولكنّه لا يخفى ما في كيفية استدلاله لترتّب النجاسة وحرمة الانتفاع على عنوان الميتة لأنّه قد ادّعى أوّلاً انّ النجاسة وحرمة الانتفاع قد ترتّبا على عنوان الميتة جزماً ثمّ قال في مقام الاستدلال: بأنّه يكفينا الشكّ في انّ موضوعها هل هو الميتة أو ما لم يذك ومن المعلوم عدم انطباق الدليل على المدعى. نعم لو كان المدعى عدم الترتّب عند الشكّ في التذكية لكان الانطباق متحقّقاً، وأضعف منه ما استدلّ به ثانياً من تصريح بعض أهل اللغة بما ذكره فانّه لا وجه للاستدلال بكلام اللغوي في إثبات انّ النجاسة وحرمة الانتفاع من آثار الميتة بعد وضوح انّه للميتة حقيقة شرعية والفراغ عن كونها عنواناً وجودياً، مع انّ قوله: ويكفينا في ذلك الشكّ... لا يفهم المراد منه فانّ الظاهر انّ مراده منه انّ ترتّب النجاسة وحرمة الانتفاع على عنوان الميتة هو القدر المتيقّن وترتّبهما على غير المذكّى مشكوك مع انّ الأخذ بالقدر المتيقّن انّما هو فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر في الواقع لا فيما إذا دار الأمر
(الصفحة 91)
بين المتساويين كالميتة وغير المذكى فانّهما في الواقع متساويان ولا فرق بينهما أصلاً غاية الأمر انّ أحدهما وجودي والآخر عدمي فلابدّ في إثبات النجاسة وحرمة الانتفاع من الآثار المترتّبة على الميتة من ملاحظة انّ أدلّة نجاسة الميتة هل تدلّ على ترتّب النجاسة عليها أو على عنوان غير المذكّى وبعد المراجعة إليها تظهر صحّة ذلك ودلالتها على الأوّل وهكذا حرمة الانتفاع ـ على القول بها ـ ، وكيف كان فأصل التفصيل وجيه والفرق بين الآثار ثابت وكون النجاسة من آثار الميتة ظاهر.
وقد خالف في ذلك المحقّق الهمداني (قدس سره) حيث ذهب إلى انّ النجاسة من آثار عدم التذكية واستدلّ عليه بمكاتبة الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): انّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فاُصلّي فيها؟ فكتب إليَّ: اتخذ ثوباً لصلاتك فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : كنت كتبت إلى أبيك (عليه السلام) بكذا وكذا فصعب على ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية؟ فكتب إليَّ: كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس. فإنّ المراد من نفي البأس نفي نجاسة الجلود، ومقتضى تعليق الطهارة على كونها ذكيّة انّ موضوع النجاسة هو ما لم يذك.
واستشكل عليه أوّلاً بأنّ الرواية غير معتبرة لجهالة أبي القاسم الصيقل.
وثانياً: انّ الحصر فيها إضافي بمعنى انّ عمله كان دائراً بين الميتة والمذكى ولم يكن مبتلى بغيرهما، وبعبارة اُخرى انّ المذكى في هذه الرواية مقابل الميتة أي إن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس وإن كان وحشياً ميتاً ففيه بأس أي نجس فصورة الشكّ خارجة عن مفروض الرواية.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ التفصيل الذي أفاده بعض الأعلام موافق للتحقيق وهو
(الصفحة 92)
مختار صاحب الحدائق (قدس سره) حيث ذهب إلى طهارة ما يشكّ في تذكيته من اللحوم والجلود وغيرهما.
(الصفحة 93)
مسألة 3 ـ فأرة المسك إن أحرز انّها ممّا تحلّه الحياة نجسة على الأقوى لو انفصلت من الحي أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي، ومع بلوغها حدّاً لابدّ من لفظها فالأقوى طهارتها سواء كانت مبانة من الحي أو الميّت، ومع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة محكومة بالطهارة، ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة، وامّا مسكها فلا إشكال في طهارته في جميع الصور إلاّ فيما سرت إليه رطوبة ممّا هو محكوم بالنجاسة، فإنّ طهارته ـ حينئذ ـ لا تخلو من إشكال، ومع الجهل بالحال محكوم بالطهارة 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في فأرة المسك وهي الجلدة المشتملة عليه المأخوذة من الظبى وهي على ثلاثة أقسام لأنّها قد تكون مأخوذة من المذكى واُخرى من الميتة وثالثة من الظبي في حال الحياة.
امّا القسم الأوّل: فلا ريب في طهارتها لأنّها كبقية أجزاء لاظبي عند التذكية، ولا مجال لتوهّم النجاسة فيها أصلاً وإطلاق عبارة المتن في الحكم بنجاسة المنفصلة من الميت قبل البلوغ والاستقلال وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي لا يشمل المأخوذة من المذكّى لانصراف «الميّت» فيها إلى الميتة مقابلة المذكى ولا يشمل مطلق الميّت في مقابل الحيّ لكنّه يرد عليه انّ لازمه ـ حينئذ ـ عدم التعرّض لحكم هذا القسم في العبارة ويدفعه وضوح حكمه لعدم الفرق بينه وبين سائر أجزاء المذكّى قطعاً فتدبّر.
وامّا القسم الثاني: وهي الفأرة المأخوذة من الميتة وقد فصّل فيها في المتن على تقدير إحراز كونها ممّا تحلّه الحياة بين ما إذا كانت منفصلة عنه قبل البلوغ إلى الحدّ الذي لابدّ من لفظها فتكون نجسة وبين ما إذا كانت مبانة منه بعد البلوغ إلى ذلك
(الصفحة 94)
الحدّ فتكون طاهرة كما انّه مع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة تكون طاهرة امّا مع العلم به والشكّ في البلوغ إلى ذلك الحدّ تكون نجسة.
والوجه في الحكم بالنجاسة في الفرض الأوّل ما عرفت سابقاً من شمول أدلّة نجاسة الميتة لأجزائها ودلالتها على حكمها بالدلالة اللفظية على ما هو المتفاهم منها عند العرف فالفأرة في هذا الفرض بما انّها من أجزاء الميتة تكون مشمولة لأدلّة نجاستها كما لا يخفى.
وامّا الحكم بالطهارة في الفرض الثاني فمنشأه انّ العرف وإن كان يستفيد من الأدلّة نجاسة أجزاء الميتة إلاّ انّ الجزء الذي بلغ وقت انصاله بحيث ينفصل بالطبع لا يكون عندهم مشمولاً لتلك الأدلّة أو يكون مشكوك الشمول فلابدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة.
نعم وردت هنا رواية استدلّ بها في كشف اللثام ـ على ما حكى ـ على نجاسة مطلق الفأرة غير المأخوذة من المذكّى وهي صحيحة عبدالله بن جعفر قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد (عليه السلام) ـ : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً. فانّ ظاهرها يدلّ على انّ الظبي إذا لم يكن ذكياً ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ففي الصلاة في فأرة مسكه بأس ولا يكون ذلك إلاّ لأجل نجاسة الفأرة.
ولا يخفى انّ الاستدلال بها يبتنى على إثبات أمرين: الأوّل أن يكون اسم «كان» الذي هو الضمير المستتر فيه هو الظبي يعني إذا كان الظبي المأخوذ منه الفأرة ذكياً. الثاني أن يكون المذكّى هنا مقابل الميتة، وكلا الأمرين ممنوعان:
لاحتمال رجوع الضمير إلى الفأرة باعتبار انّها ممّا استصحبه المصلّي ويكون معه خصوصاً مع ملاحظة عدم ذكر الظبي في السؤال أصلاً وعلى هذا التقدير يكون المراد بالمذكّى هي الفأرة التي بلغ وقت انفصالها في مقابل غير المذكّى الذي لم يبلغ