(الصفحة 96)
وامّا القسم الثالث: وهي الفأرة المأخوذة من الحيوان حال حياته فقد وقع الخلاف بين الأصحاب في طهارتها ونجاستها وقد فصّل فيها في المتن بما تقدّم في القسم الثاني، والظاهر انّ مستند القائل بالنجاسة انّ الفأرة من الأجزاء المبانة من الحي وكونها ممّا تحلّه الحياة وهي كالميتة نجسة على ما مرّ.
وفيه انّ مدرك الحكم بنجاسة الجزء المبان من الحي منحصر في روايات اليات الغنم وما أخذته الحبالة من الصيد وشمولها لمثل الفأرة التي تنفصل من الحيوان بالطبع ولو لم يبلغ وقت انفصالها بعيد غايته فالظاهر فيه الطهارة كما قوّاه في «العروة» وإن كان الأحوط الاجتناب فيما إذا لم يبلغ ذلك الوقت.
المقام الثاني: في حكم المسك الذي في الفأرة وهو الدم فتشمله أدلّة نجاسته وامّا سراية النجاسة اخليه فيما إذا كانت الفأرة نجسة ولكنّه يدفع كلا الأمرين ـ مضافاً إلى انّه لم يعلم بقاء اجزاء المسك بصورة الدم بل الظاهر مغايرتها معه عنواناً وإلى انّ السراية خصوصاً بنحو يؤثر في جميع أجزاء المسك غير متحقّقة نوعاً مع انّك عرفت طهارة الفأرة إلاّ في بعض الفروض النادرة فأين تتحقّق النجاسة بالسراية ـ وجود الصحيحة ودلالتها على الطهارة مطلقاً ـ طهارة الفأرة وطهارة المسك ولكنّه يظهر من المتن انّه لابدّ من استفادة حكم المسك من القواعد مشعراً بعدم وجود الدليل الخاص فيه ولم يظهر وجه عدم الاعتناء بالرواية مع انّها من حيث السند صحيحة ومن حيث الدلالة ظاهرة ودعوى انّه لم يعلم كون المسك الموجود في الممسكة من أيّ نوع حتى نقول فيه بالطهارة تبعاً للرواية ولا مجال للتمسّك بإطلاقها بعد كونها في مقام حكاية فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والفعل لا إطلاق له، مدفوعة بأنّ الفعل وإن كان لا إطلاق له إلاّ انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام (عليه السلام)وكان غرضه من الحكاية بيان حكم من الأحكام فلم لا يجوز التمسّك بإطلاق
(الصفحة 97)
كلامه لنفي احتمال بعض القيود فالرواية صالحة لأن يتمسّك بإطلاقها لطهارة المسك الذي هو محلّ الكلام خصوصاً مع كونه هو النوع المعروف منه ولذا وقع التعرّض لبيان حكمه في الروايات وكلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فثبوت الأنواع الاُخر كما حكي عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) نقله عن «التحفة» لا يضرّ باستفادة حكم المقام من الرواية لو لم نقل بصلاحية إطلاقها لإثبات الطهارة في جميع الأنواع فتدبّر.
(الصفحة 98)
مسألة 4 ـ ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد إذا لم يعلم كونه مسبوقاً بيد الكافر محكوم بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته وكذا ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين، وامّا إذا علم بكونه مسبوقاً بيد الكافر فإن احتمل انّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص من حاله وأحرز تذكيته بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط فهو أيضاً محكوم بالطهارة، وامّا لو علم انّ المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين من مثل اللحم مع عدم العلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر وقد حكم فيه المتن بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته نظراً إلى وجود أمارة حاكمة على اصالة عدم التذكية المقتضية للنجاسة ـ على خلاف ما ذكرناه ـ وتلك الامارة هي يد المسلم والدليل على اعتبارها الروايات الواردة في اعتبار سوق المسلمين والمراد من السوق هو مركز التجمّع للكسب والتجارة لا المكان المسقف الذي يطلق عليه السوق اصطلاحاً بل مقتضى بعض الروايات الآتية انّه لا مدخلية للكسب والتجارة أيضاً بل المراد أكثرية المسلمين عدداً وغلبتهم بالإضافة إلى غيرهم من سائر الملل ومنه يظهر انّ السوق بنفسه لا تكون امارة حقيقة بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق امارة على الامارة لأنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالامارة انّما هي يد المسلم ومنه يظهر انّ مورد هذه المسألة ليس ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين معاً وإن كانت العبارة مشعرة به بل ما يؤخذ من أحدهما ولعلّها كانت
(الصفحة 99)
النسخة الأصلية مشتملة على العطف باو ـ لا بالواو ـ .
وكيف كان فمن الأخبار الواردة في السوق رواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم انّه ميتة بعينه.
ومنها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك.
ومنها: رواية اُخرى لأحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدرى أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال: نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة.
وغير خفي انّ أدلّة اعتبار السوق لا تكون على نحو القضية الحقيقية حتّى تدلّ على اعتبار مطلق السوق ولو لغير المسلمين، وانّما تكون على نحو القضية الخارجية لأنّ المراد بالسوق المذكور في الروايات هي الأسواق الخارجية المبتلى بها في تلك الأعصار، وإن أبيت وجمدت على ظاهر لفظ «السوق» وكونه مطلقاً شاملاً لجميع الأسواق في بعضها وإن ترك الاستفصال في بعضها الآخر دليل على العموم فنقول إنّ هنا رواية صالحة للتقييد والتخصيص وهي ما عن فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون فقال: كُل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه. فإنّ التقييد في الجواب ظاهر في عدم ثبوت الحكم بنحو الإطلاق فيصلح لتقييد الروايات
(الصفحة 100)
المتقدّمة بل ظاهر مصحّحة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (عليه السلام) انّه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام؟ قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس. انّه يعتبر في السوق الذي يكون من الأمارات أمران:
الأوّل: أن يكون في أرض الإسلام أي الأرض التي تكون تحت غلبة المسلمين وحكومتهم وسلطتهم.
الثاني: أن يكون أغلب أفرادها مسلمين امّا اعتبار الأمر الأوّل فلدلالة ظاهر الصدر عليه وامّا اعتبار الأمر الثاني فلدلالة الجواب عليه فإنّ الظاهر انّ المراد بالغالب على الأرض هو غلبة افراد المسلمين في أرض الإسلام لا الغلبة على الأرض والسلطة عليها المفروضة في السؤال بحيث يكون الجواب تكراراً لما هو المفروض في السؤال، مع انّه لو شكّ في ذلك فلا محيص عن الأخذ بالقدر المتيقّن وهو السوق الذي يكون في أرض الإسلام ويكون أكثر أفرادها مسلمين لأنّ الشكّ في الحجّية في غيره مساوق للقطع بالعدم كما هو ظاهر.
وليعلم انّ المراد من المسلم في المقام أعمّ من المؤمن لأنّ الأسواق في زمان صدور الروايات كان أكثر أهلها من العامّة ومع هذا قد حكموا باعتبارها.
الفرع الثاني: ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين وقد حكم فيه أيضاً بالطهارة ويدلّ عليه ما يدلّ على اعتبار السوق بعد كون المراد من أرض المسلمين ما اجتمع فيه الأمران: كونها تحت سلطة المسلمين وحكومتهم وغلبة أفراد المسلمين إلاّ انّه ربّما يقيّد ذلك بما إذا كان عليه أثر الاستعمال حتّى يكون كاشفاً عن كونه في يد المسلم سابقاً والروايات الواردة في السوق كلّها ناظرة إلى الثبوت في يد المسلم ولو بوجود الامارة عليها وعليه فينبغي إضافة هذا القيد.