(الصفحة 128)
ومنها : ما رواه القاسم مولى أبي أيوب ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل»(1) .
ومنها : مرسلة الكليني قال : وروي أنّ وقت المغرب في السفر إلى نصف الليل(2) . وغير ذلك من الأخبار .
وأمّا الطائفة الخامسة : فبعضها تدلّ على الامتداد إلى الفجر مطلقاً ، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(3) .
وبعضها واردة في خصوص النائم ، والساهي كرواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إن نام رجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء أو نسي ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّيهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس ، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ، ثمّ ليصلّها»(4) .
ورواية ابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي
- (1) التهذيب 2 : 27 ح78 ; الاستبصار 1 : 262 ح941 ; الوسائل 4 : 181 . أبواب المواقيت ب16 ح24 .
- (2) الكافي 3 : 281 ح13 ; الوسائل 4 : 186 . أبواب المواقيت ب17 ح13 .
- (3) الفقيه 1 : 232 ح1030 ; التهذيب 2 : 256 ح1015 ; الاستبصار 1 : 260 ح933 ; السرائر 3 : 602 ; الوسائل 4 : 159 . أبواب المواقيت ب10 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 270 ح1077 ; الاستبصار 1 : 288 ح1054 ; الوسائل 4 : 288 . أبواب المواقيت ب62 ح3 .
(الصفحة 129)
المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّيهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس» . وروى عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) مثله(1) .
وبعض تلك الروايات واردة في خصوص الحائض ، كرواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر»(2) .
وكرواية عبدالله بن سنان «عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء»(3) .
ورواية داود الزجاجي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة»(4) .
ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ(عليه السلام) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر»(5) . فهذه ثمانية أخبار يستفاد منها الامتداد إلى طلوع الفجر ، ولأجل كثرتها لا مجال للخدشة فيها من حيث السند ، مضافاً إلى أنّ بعضها صحيح
- (1) الإستبصار 1 : 288 ح1053 ; التهذيب 2 : 270 ح1076 ، الوسائل 4 : 288 . أبواب المواقيت ب62 ح4 .
- (2) التهذيب 1 : 390 ح1203 ; الإستبصار1 : 143 ح489 ; الوسائل 2 : 363 . أبواب الحيض ب49 ح7 .
- (3) التهذيب 1 : 390 ح1204 ، الإستبصار 1 : 143 ح490 ; الوسائل 2 : 364 . أبواب الحيض ب49 ح10 .
- (4) التهذيب 1 : 390 ح1205 ; الاستبصار 1 : 143 ح491 ; الوسائل 2 : 364 . أبواب الحيض ب49 ح11 ; وفيه : «عن داود الدجاجي» بالدّال .
- (5) التهذيب 1 : 391 ح1206 ; الاستبصار 1 : 144 ح492 ; الوسائل 2 : 364 . أبواب الحيض ب49 ح12 .
(الصفحة 130)
ودلالتها على المقصود أيضاً واضحة ، فلا مجال للمناقشة فيها .
وأمّا حملها على التقية لا وجه له ، بعدما عرفت من أنّ القائل بالامتداد إلى طلوع الفجر من العامّة إنّما هو مالك(1) والمشهور بينهم هي المخالفة معه(2) ، فلا وجه لصدور الحكم تقية .
نعم يبقى الاشكال فيها من حيث إعراض المشهور عنها حتّى بالنسبة إلى المضطر ، فإن ثبت ذلك يسقطها عن الحجية ، وإلاّ فاللاّزم العمل بها والأخذ بمقتضاها . وقد يقال بعدم ثبوت الاعراض ، لنقل الشيخ ـ في كتاب الخلاف في عبارته المتقدّمة ـ القول بالامتداد إلى الفجر عن بعض أصحابنا الإمامية ، وكذلك في المبسوط ، ومثله المحقّق في المعتبر والشرائع(3) ، واختاره بعض المتأخّرين كصاحبي المدارك والمعالم ، والوافي ، وتردّد فيه المحقّق الأردبيلي ، وصاحب الكفاية(4) ، وهذا المقدار يكفي في عدم ثبوت الاعراض .
مضافاً إلى أنّه ادّعى الشيخ في موضع آخر من الخلاف عدم الخلاف في ذلك ، حيث قال : إذا أدرك بمقدار يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف ، وإن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا ، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر(5) . انتهى .
وربّما يتوهّم المناقضة بين هذا الكلام الظاهر في امتداد وقتهما إلى الفجر ، بلا
- (1) المجموع 3 : 34 ; المغني لابن قدامة 1 : 424 ; الشرح الكبير 1 : 472 ; تذكرة الفقهاء 2 : 312 ; مسألة 31 ; الخلاف 1 : 261 مسألة 6 .
- (2) المجموع 3 : 290 ; المغني لابن قدامة 1 : 424 ; الشرح الكبير 1 : 472 ; تذكرة الفقهاء 2 : 311 ـ 312 مسألة 31 ; الخلاف 1 : 261 مسألة6 .
- (3) الخلاف 1 : 261 مسألة 6 ; المبسوط 1 : 75 ; المعتبر 2 : 40 ; شرائع الاسلام 1 : 51 .
- (4) مدارك الاحكام 3 : 54 ; مفاتيح الشرائع 1 : 88 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 28 ; كفاية الأحكام : 15 .
- (5) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
(الصفحة 131)
خلاف بين المسلمين حتى العامّة ، وبين ما تقدّم من كلامه ، نظراً إلى أنّ مقتضى ذلك أنّ القائل باشتراك الوقت وامتداده إلى الفجر ، إنّما هو مالك ، وبعض أصحابنا الإمامية(1) ، ومقتضى هذا الكلام اتّفاق جميع المسلمين على الاشتراك والامتداد إلى الفجر ، وهذان ممّا لا يجتمعان .
والذي يدفع التوهّم أنّ العامّة ـ مع قولهم بتباين الوقتين في الظهر والعصر ، وكذا المغرب والعشاء ـ لا إشكال ولا خلاف بينهم في جواز الجمع في الجملة ، إلاّ أنّ وجه الجمع عندهم يخالف ما هو الوجه عند الإمامية ، فالإمامية يقولون بأنّ الجمع بين الصلاتين إنّما هو لبقاء وقت الاُولى ، ودخول وقت الثانية ، فإذا أتى بالظهر والعصر مثلا بعد الزوال بلا فصل ، فهو جائز من حيث دخول وقت العصر بمجرّد الفراغ عن الظهر ، كما أنّه لو أتى بهما في آخر الوقت يكون ذلك جائزاً من حيث بقاء وقت الظهر بعد .
ومن هنا يظهر أنّه لا يختص جواز الجمع بمورد دون مورد ، ولا يتوقف على العذر والعلّة كالسفر والمطر ، كما روى ابن عباس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا علّة(2) . وقد عرفت أنّ تفريق النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين الظهرين ، وكذا بين العشائين غالباً إنّما كان لإدراك الفضيلة ، لا لعدم دخول الوقت ، كيف! وقد تواترت الروايات عن الأئمّة الهداة عليهم الصلاة والسلام ، على اشتراك الظهرين في الوقت وكذا العشائين .
هذا ، وأمّا وجه الجمع عند العامة ، فهو لا يكون باعتبار بقاء الوقت ودخوله ، فإنّ الجمع في اصطلاحهم عبارة عن وقوع إحدى الصلاتين في الوقت المختص
- (1) الخلاف 1 : 261 مسألة 6 .
- (2) المعجم الكبير للطبراني 12 : 68 ح12558 وص92 ح12644 ; الموطأ 1 : 91 ح4; صحيح مسلم 5 : 176 ، ب6 ، ح49 ، 50 .
(الصفحة 132)
بالاُخرى ، كأنّ إحدى الصلاتين تضيف الاُخرى في وقتها ، وحيث أنّ ذلك يحتاج إلى دليل ; ولذا لا يجوز عندهم إلاّ في موارد مخصوصة كالسّفر والمطر ونحوهما(1)وقد عرفت(2) أنّهم أخذوا بجميع روايات ابن عباس ، إلاّ روايته الدالة على جواز الجمع مطلقاً .
وحينئذ فيظهر لك الوجه فيما ادّعاه الشيخ(رحمه الله) من عدم الخلاف في وجوب الاتيان بالمغرب والعشاء الآخرة، إذاأدرك قبل طلوع الفجر مقدار خمس ركعات(3)، فإنّ ذلك مورد لاتفاق المسلمين ، وإن كان الوجه بينهم مختلفاً كما عرفت .
وكيف كان فيظهر من الشيخ عدم الاعراض عن أخبار الفجر ولو في خصوص مواردها وحينئذ فيقع الكلام ـ بعد عدم إمكان الاعتماد برواية عبيد المتقدّمة(4) الظاهرة في الامتداد مطلقاً ، لضعف سندها ـ في أنّه هل يعمل بتلك الأخبار في خصوص مواردها ، أعني النائم ، والساهي والحائض ، فيكون الوقت بالنسبة إليهم أوسع منه بالنسبة إلى غيرهم ، أو أنّه يتعدّى عنها إلى مطلق ذوي الأعذار بإلغاء الخصوصية ، أو يستفاد منها الاطلاق ، ولو بالنسبة إلى العامد ، غاية الأمر إنّه عاص بالتأخير ، للأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة التأخير عن انتصاف الليل(5)؟ وجوه .
ولا يخفى أنّه لا دلالة لما دلّ على ثبوت كفّارة صوم يوم ، على من أخّر العشاء
- (1) المجموع 4: 370 ـ 371; المغني لابن قدامة 2: 113; الشرح الكبير 2: 116; بداية المجتهد 1: 246 ـ 240; الخلاف 1: 588 مسألة 351 وص591 مسألة 353; تذكرة الفقهاء 2: 365 مسألة 66 .
- (2) راجع ص88 .
- (3) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
- (4) الوسائل 4 : 159 أبواب المواقيت ب10 ح9 .
- (5) الوسائل 4 : 183 . أبواب المواقيت ب17 .